لندن - نشرت مجلة الأتلنتك الأمريكية مقالة تتحدث فيها عن الحروب الدولية التي قد تنشب عام 2018 استنادًا إلى دراسة استقصائية أجراها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وهو معهد أبحاث سياسية غير ربحي ومستقل، يضم أكثر من 4800 عضو جلهم من المسؤولين الحكوميين ورجال الاقتصاد والسياسة والمفكّرين والصحافيين والمثقفين والقادة المدنيين والدينيين. شارك في هذه الدراسة 463 شخصية رفيعة المستوى، ووضعوا سيناريوهات محتملة وتنبؤات قد نشهدها عام 2018 بناء على المعطيات والظروف السياسية المحيطة بالدول.
ومن مفاجآت التقرير هذا العام أن “الولايات المتحدة أصبحت اليوم وللمرة الأولى أكثر الجهات الفاعلة التي لا يمكن التنبؤ بها على مستوى العالم؛ نظرًا لعدم قدرة المسؤولين على قراءة ما يجول برأس الرئيس دونالد ترامب، وبالتالي تعذر التنبؤ بردة الفعل الأمريكية تجاه أي موقف كان”. ولهذا السبب، وعلى عكس السنوات السابقة، تم حساب المخاطر في الدراسة بناء على التهديدات التي تشكّلها الولايات المتحدة على العالم – وعلى نفسها.
ومن أبرز التنبؤات لعام 2018، اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من جهة، ومواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران من جهة أخرى. وتطرق التقرير كذلك إلى سيناريوهات أخرى محتملة مثل نزاع مسلح بين روسيا ودول أعضاء في الناتو، وبين الصين وإحدى دول جنوب شرق آسيا، واشتباكات مسلحة بين إسرائيل وحزب الله، بالإضافة إلى تفاقم العنف في سوريا واليمن وأفغانستان والبلقان وغيرها من الدول.
تقول مجلة الأتلنتك إن الصراعات في العالم تشتعل وتحرق الأخضر واليابس في كل مكان، وفي الوقت ذاته، يقوم المسؤولون الأمريكيون بتقييم المخاطر التي قد ترتد على أمن الولايات المتحدة. وبالطبع، لا تهدد جميع الصراعات في العالم المصالح الأمريكية بشكل مباشر، ولهذا يقوم مجلس العلاقات الخارجية بإجراء استقصاء سنوي لمساعدة القادة الأمريكيين في ترتيب أولويات التهديدات للعام التالي. وخلال العقد الماضي كان الاستقصاء يركز على المخاطر التي تفرضها الجهات الأجنبية على الولايات المتحدة، أما الآن فيتم حساب المخاطر بناء على التهديدات التي تشكّلها أميركا على العالم – وعلى نفسها.
يقول مدير “مركز العمل الوقائي” الأمريكي التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، السيد بول ستارز، إن الولايات المتحدة أصبحت الآن أكثر الجهات الفاعلة التي لا يمكن التنبؤ بها في العالم. ويضيف: “خلال السنوات الماضية، اعتدنا على وضع الولايات المتحدة على القائمة الآمنة من جهة، والنظر إلى بقية دول العالم من ناحية مصادر انعدام الأمن وعدم القدرة على التنبؤ من جهة أخرى. ولكننا الآن اضطررنا إلى إدراج الولايات المتحدة ذاتها في هذه الحسابات مثلها مثل بقية الدول، فلا أحد من الأمريكيين يمكنه الآن التنبؤ بثقة عالية بشأن ردود الفعل الأمريكية تجاه أي موقف كان؛ ذلك أن الخبراء باتوا يختلفون في تقييمهم لهذا للرئيس [الأمريكي] الجديد. وقد أكد ترامب ذلك في وقت سابق حينما قال “لا أريد أن يعرف الناس ما أفعله بالضبط أو ما أفكر به”.
تتجلى الحالة الأمريكية الجديدة التي يتعذر التنبؤ بها في سيناريوهين اثنين باعتبارهما مخاطر ذات أولوية عالية في تقرير هذا العام، الذي استند إلى تغذية راجعة من 463 شخصية من المسؤولين الحكوميين والخبراء في السياسة الخارجية: أولًا؛ صراع عسكري تنخرط فيه الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. ثانيًا؛ مواجهة مسلحة بين إيران والولايات المتحدة، أو بين حليف للولايات المتحدة وإيران المتورطة قي الصراعات الإقليمية ودعم الجماعات المسلحة. ووفقًا للدراسة، فإن هذين السيناريوهين هما الأكثر ترجيحًا من بين الأزمات التي تختمر في الوقت الحالي على مستوى العالم. قد ترغب الولايات المتحدة في هكذا صراعات مسلحة مع كوريا الشمالية وإيران من أجل زيادة النفوذ الأمريكي، ومنح واشنطن ورقة مساومة ضاغطة إزاء هاتين الدولتين. ومع ذلك فإن غالبية الخبراء يرون بأن هكذا استراتيجية لا تتسم بالذكاء بل يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية وسوء تقدير.
ووفقًا للتقرير فإن الخبراء يقيّمون بالإجماع أن الصراع العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية سيكون له “تأثير مرتفع” على المصالح الأمريكية؛ بل وسيؤدي إلى القتال الأشد عنفًا منذ الحرب العالمية الثانية. وحسب تقدير الخبراء فإن أي قتال في شبه الجزيرة الكورية ربما يشمل استخدام الأسلحة النووية. يقول بول ستارز: “لقد تغيرت تصورات الناس حول ما ستكون عليه الحرب، وهنالك ثلاثة أسباب رئيسة لذلك: الحرب الشخصية المكثفة بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون، والتقدم السريع الذي أحرزته كوريا في تطوير صاروخ يصل إلى الولايات المتحدة برأس حربي نووي، والتهديدات المتكررة من قبل ترامب ومستشاريه لاتخاذ عمل عسكري في حال لزم الأمر”.
ومن بين الصراعات المحتملة أيضًا مواجهة مسلحة بين الولايات المتحدة وإيران، وما يزيد هذه الاحتمالية أن الرئيس ترامب بات غير ملتزم بالاتفاق النووي الإيراني، ودعا الكونغرس للنظر فيه، ما يعني أنه قد ينسحب منه في أي وقت. هنالك احتمالية كبيرة لمواجهة مسلحة بين واشنطن وطهران حول مجموعة من القضايا المتفجرة – من البرنامج الصاروخي الإيراني النووي إلى النفوذ الإيراني في سوريا والعراق، ودعمها للحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والمجموعات الفلسطينية المسلحة. وكما هو الحال مع الصراع الكوري الشمالي، أجمع الخبراء الذين شاركوا في الدراسة على أن المواجهة العسكرية الأمريكية الإيرانية سيكون لها “تأثير عال” على المصالح الأمريكية. ومن الجدير ذكره، أن هذا السيناريو لم يكن مطروحًا في تقرير العام المنصرم برغم أن إيران كانت منخرطة في الأنشطة ذاتها، ولكن ما تغيّر هو أن مستقبل الاتفاق النووي الإيراني أصبح موضع شك بسبب الرئيس ترامب، على عكس العام المنصرم.
ومن بين السيناريوهات المحتملة الأخرى هجوم إرهابي ضخم على الأراضي الأمريكية سيتسبب بخسائر هائلة في الأرواح، وهجوم إلكتروني كبير على البنية التحتية الأمريكية الحساسة.
ومن بين مفاجآت التقرير التي لم تكن مطروحة في التقديرات السابقة: مواجهات عسكرية بين روسيا ودول أعضاء في الناتو؛ وبين الصين ودولة أو أكثر من دول جنوب شرق آسيا بسبب النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. هذا التخوف من خلاف روسيا مع الناتو يعكس التدهور الحاصل في العلاقات الأمريكية الروسية. وبخصوص الصين، يقول بول ستارز “بعد نجاح شين جين بينغ في تعزيز سلطته في مؤتمر الحزب الشيوعي في أكتوبر، ومع استقرار الوضع السياسي الصيني الداخلي، بات الصينيون أكثر حزمًا في بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي يعزز من احتمالية السيناريو المطروح”.
ومن ضمن الصراعات العسكرية المتنبأ بها لعام 2018 تفاقم الحرب في أفغانستان في ظل قرار الإدارة الأمريكية بمواصلة المسار دون تحديد أطر زمنية واضحة. وفي سوريا، يعتقد الخبراء أن العنف سيشهد تصاعدًا كبيرًا مع عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى السيطرة على بلاده المدمرة. ومن الجدير ملاحظته أن التقرير لم يطرح سيناريو حرب مرتبطة بالعراق بعد أن كان مطروحًا بشكل كبير في تقارير الأعوام السابقة. كما لم يُذكر تنظيم الدولة الإسلامية في قائمة الطوارئ لهذا العام برغم القلق المستمر إزاء أي هجمات إرهابية مستقبلية.
شمل التقرير كذلك حديثًا عن مواجهة مسلحة –غير مرجحة– في بحر الصين الشرقي بين اليابان والصين بسبب خلافات على السيادة في جزر سينكاكو.
وتضمن التقرير أيضًا سيناريوهات “محتملة جدًا” شملت تعاظم الاضطرابات السياسية والاقتصادية في فنزويلا، وتدهور الكارثة الإنسانية في اليمن، وتواصل الهجمات الإرهابية في الصومال، وتصاعد العنف بين القوات الحكومية والمسلمين في ماينمار وربما حصول “مذبحة جماعية”. ومن بين التنبؤات الأخرى ذات “الدرجة المتوسطة” زيادة العنف المتصل بالجريمة المنظمة في المكسيك، وتزايد العنف في شرق أوكرانيا بين الميليشيات المدعومة من روسيا والقوات الأوكرانية، وتصاعد العنف كذلك بين الجماعات الكردية المسلحة والقوات الحكومية في العراق وتركيا.
تحدث التقرير كذلك عن مواجهة عسكرية ضخمة محتملة بين باكستان والهند نتيجة للإرهاب والاضطرابات الحاصلة في إقليم كشمير الذي تسيطر عليه الهند. وشملت التنبؤات كذلك تصاعد التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين (تم إجراء الاستقصاء قبل قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل). ومن بين التنبؤات المرجحة جدًا حدوث اشتباكات مسلحة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.
تطرق التقرير كذلك إلى تنبؤات “من الدرجة الثالثة” شملت حدوث اضطرابات سياسية وعنف كبير في منطقة البلقان، وتفاقم العنف السياسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك الاضطرابات في زيمبابوي المرتبطة بخلافة روبرت موغابي. وما هو جدير بالملاحظة هنا انخفاض تصنيف الاضطرابات العنيفة في ليبيا من الدرجة الثانية العام المنصرم إلى الدرجة الثالثة في تقرير العام الحالي.
تضمن التنبؤات سيناريوهات “ضئيلة الاحتمال” شملت عدم الاستقرار السياسي الناتج عن الحركات القومية والانفصالية في الاتحاد الأوروبي، مثل الكتالونيين الذين يطالبون بالاستقلال عن إسبانيا، وكذلك قوميي كورسيكان الذي يطمحون إلى الحكم الذاتي وربما الانفصال عن فرنسا، وقد حققوا بالفعل فوزًا في الانتخابات المحلية. وأشار الخبراء أيضًا إلى احتمالية ازدياد الهجمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء؛ فبعد عشرة أيام من إنجاز هذه الدراسة قتل المسلحون أكثر من 300 مصلٍ في مسجد صوفي بسيناء.
وفي النهاية، يؤكد التقرير أن الخبراء يرفضون السيناريوهات العشوائية، وأن التنبؤات المحتملة المذكورة مبنية على أساس معطيات دقيقة لظروف وأحداث الدول المختلفة. وما يلفت الانتباه هنا أن الخبراء أجمعوا على أن حربًا بين دولتين نوويتين أمر “محتمل جدا” في عام 2018 وليس من ضرب الخيال.
2017
ترجمة كيو بوست –