درعا - يدخل الجنوب السوري هذه الأيام، مرحلة شديدة الضبابية مع اختلاط الأوراق الدولية وافتراقها بين مختلف القوى ورفقاء السلاح المتواجدين على أرضه، مع قرب إسدال الستار على المشاهد الأخيرة من الأزمة، وهو ما يبرز جليا بين إيران وروسيا التي دعتها أكثر من مرة إلى إخراج مليشياتها من سورية، فيما الجيش السوري يواصل حشوده في الجنوب، رغم التحذير الأميركي برد حازم، في الوقت الذي تبدي فيه المعارضة ثقة باتفاق خفض التصعيد، وتعتبر الحشودَ حربا إعلامية.
وبرز الخلاف الروسي الإيراني واضحا بعد تصريح لمبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية أليكسندر لافرنتييف مؤخرا، أعلن فيه أن "انسحاب القوات الأجنبية من سورية يجب أن يتم بشكل شامل"، مشيرا في ذات التصريح إلى أن "الحديث يجري عن جميع القوات العسكرية الأجنبية المتواجدة في سورية بما في ذلك الأميركيون والأتراك وحزب الله، وبالطبع الإيرانيون".
فيما لم يفوت الإيرانيون هذا التصريح دون رد نقلته الوكالة الرسمية الإيرانية "إرنا" عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي بقوله إن "تواجدنا الاستشاري في سورية سيستمر ما دام هناك طلب من حكومتها"، مؤكدا أنه "ليس بإمكان أحد أن يرغم إيران على القيام بعمل ما، فإيران دولة مستقلة تتابع سياساتها على أساس مصالحها".
وتابع قاسمي يقول إن "الذين يجب أن يخرجوا من سورية، هم الذين دخلوها من دون إذن حكومتها".
ولعل تداخل هذه الظروف مجتمعة تجعل من الصعب التكهن، بما سيحدث بالجنوب في الأيام القليلة المقبلة، سيما وأن إيران التي تماطل وتموه على روسيا بالانسحاب بشكل أو بآخر من الجنوب، عادت وفق قادة فصائل في الجنوب إلى المعسكرات التي انسحبت منها قبل أيام بلباس وهويات عسكرية للجيش السوري، ما جعل الوجود الإيراني بالجنوب وفق قول ذات القادة شرعيا، وجاهز للتحرك بالمنطقة في أي لحظة.
وهو ما يؤكده العميد السوري المعارض إبراهيم الجباوي لـ"الغد" بأن إيران بدأت تشرعن وجودها بالجنوب بلباس وهويات لقوات النظام، بيد أن الجباوي الذي أكد "وجود حشود لجيش النظام السوري في الجنوب"، استبعد ان "يستطيع النظام قيادة حرب في الجنوب، بسبب عدم موافقة روسيا على دعمه في هذه الحرب، التزاما باتفاق خفض التصعيد"، معتبرا أن "ما يجري مجرد حرب إعلامية".
ويضيف الجباوي أن جيش النظام لم يستطع إحراز أي تقدم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة دون دعم الطيران الروسي.
واضاف ان جيش النظام يعلم أنه غير قادر على حسم معركة الجنوب، حتى لو شاركته فيها المليشيات الإيرانية، سيما وأن تجربته مع الجنوب بعد أن خسر معظمه في السابق، حاضرة لديه بأنه لم يستطع أن يستعيد أي مناطق بمشاركة هذه المليشيات، فيما استطاع أن يستعيد بلدتين بدعم روسي وهما الشيخ مسكين وعتمان.
أما المحلل السوري المعارض والخبير الاستراتيجي العميد أحمد رحال، فيرجح أن "لا يشن جيش النظام هجوما واسعا لاستعادة السيطرة على الجنوب"، مرجعا ذلك إلى التزام روسيا باتفاق خفض التصعيد والمعارضة الأميركية والاسرائيلية لهذه الخطوة، سيما وان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت حذرت من رد اميركي "حازم" على أي تحركات عسكرية في منطقة "خفض التصعيد" في جنوب سورية.
غير أن رحال أشار لـ"الغد" إلى "احتمالية ان يكون هناك هجوم محدود بموافقة دولية بهدف تمكين النظام السوري من الوصول الى معبر نصيب جابر مع الأردن لإعادة افتتاحه، وخصوصا وأن مفاوضات أستانة الأخيرة وصلت إلى طريق مسدود بشأن إعادة افتتاحه".
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت قالت في بيان توعدت الجيش السوري برد حازم تجاه أي تحركات عسكرية له بالجنوب، مشيرة إلى أن" واشنطن تشعر بالقلق إزاء التقارير الواردة عملية عسكرية يقوم بها نظام الأسد في المنطقة الجنوبية الغربية بسورية، الواقعة ضمن مناطق خفض التصعيد المتفق عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية والأردن وروسيا العام الماضي"، بحسب شبكة "سي إن إن".
وأضاف البيان "ستتخذ الولايات المتحدة إجراءات حازمة ومناسبة ردًا على انتهاكات نظام الأسد بوصفها ضامنًا لمنطقة عدم التصعيد تلك مع روسيا والأردن".
وطالبت واشنطن موسكو بالضغط على النظام السوري" لوقف هذه الأفعال"، مؤكدة "أن روسيا مسؤولة كعضو في مجلس الأمن باستخدام قوتها الدبلوماسية والعسكرية لوقف نظام الأسد من تقويض الأمن في تلك المناطق".
وكانت طائرات تابعة للقوات الحكومية السورية أسقطت خلال اليومين الماضيين منشورات على مناطق يسيطر عليها فصائل الثوار في درعا تحث المقاتلين على إلقاء السلاح.
من جانبه قال قائد فصيل جيش الثورة السوري المعارض في الجنوب سليمان الشريف لـ"الغد" ان القوات التي يتم حشدها في الجنوب قدمت من مخيم اليرموك والغوطة ووصلت إلى منطقة الصنمين والفرقة التاسعة.
ورغم أن الشريف رجح أن "لا يشن جيش النظام هجوما على الجنوب بسبب وجود اتفاق خفض التصعيد"، الا أنه بالمقابل قال إن "النظام لا يجرؤ أن يعارض إيران التي تريد بدء معركة في الجنوب لاعتبارات عدة: أولها رمزية الجنوب للثورة، وثانيها: بسبب موقف الأردن من وجود إيران في الجنوب".
وأوضح أن "الفصائل في الجنوب لاحظت انسحابا للمليشيات الإيرانية في الأيام القليلة الماضية، غير أن هذا الانسحاب اتضح بأنه ظاهريا، فقد عادوا بلباس وهويات عسكرية لقوات النظام، عدا عن أنها تواصل تجنيد الشباب داخل مناطق النظام لحساب حزب الله اللبناني".
أما القيادي العسكري في فصيل جيش حمزة المعارض بالجنوب خالد الزامل فقال إن"الحشود العسكرية لجيش النظام في مدينة الصنمين في الجنوب، بالاضافة الى المنشورات التي القاها على الجنوب، تدخل في إطار الحرب الاعلامية، لإجبار الفصائل والأهالي على المصالحة".
وأضاف الزامل لـ"الغد"، إن "النظام والإيرانيين يعلمون أنهم لن يكونوا قادرين على حسم معركة الجنوب بسبب وجود اتفاق وقف إطلاق النار ومنطقة خفض التصعيد، التي نجمت عنه بضمانة الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والأردن، ولذلك يحاولون حسم المعركة عن طريق المصالحات".
وكان ممثلون عن كل من الأردن وأميركا وروسيا وقعوا في عمان في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على تأسيس منطقة خفض تصعيد مؤقتة جنوب سورية، تتويجا لاتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، الذي أعلن من عمان أيضا في تموز (يوليو) الماضي
فيما وجهت القوات السورية تحذيرها لسكان محافظة درعا جنوب سورية من عملية عسكرية تهدف إلى انهاء تواجد التنظيمات المسلحة بالمنطقة، يرى خبراء عسكريون أن ذلك قد يشكل تهديدا لإمكانية الحفاظ على اتفاق خفض التصعيد بالجنوب السوري.
ويرون ايضا أن ذلك يشكل تحديا أمنيا استراتيجيا للأردن، خصوصا مع موجات لجوء محتملة، قد تحتضن إرهابيين فارين من ساحة القتال.
وكان الأردن أكد أن مصالحه الاستراتيجية في الجنوب السوري تتضمن أساسا عدم تواجد التنظيمات الارهابية أو الميليشيات المحسوبة على ايران، مشددا على تمسكه باستمرار العمل بمنطقة خفض التصعيد.
وفيما تعج منطقة درعا بالعديد من الفصائل والمنظمات المسلحة والإرهابية التي يشكل تحركها باتجاه المملكة تهديدا أمنيا، أكد الخبراء في أحاديث لـ"الغد" على قدرة الأردن على حماية مصالحه وامتلاكه الأدوات والعلاقات اللازمة لذلك.
بيد أنهم أوضحوا ضرورة تكثيف الاجراءات الأمنية، على طول الحدود مع سورية، وضرورة التخطيط للتعامل مع أي طارئ لتجنب عنصر المفاجأة.
وقالوا إن هناك صعوبة في وضع سيناريوهات لمواجهة التهديدات التي يمكن أن تنتج عن التعامل مع المتغيرات الجديدة، إذا ما نقل الجيش السوري ميدان المعركة باتجاه الجنوب السوري، المحاذي للواجهة الشمالية الأردنية.
وتلقي الأوضاع الأمنية المحتدمة في محافظة درعا، بعد تحذيرات القوات السورية من عملية عسكرية وشيكة في ظل دعواتها للمقاتلين المعارضين إلى إلقاء السلاح، بظلالها على الساحة الأردنية، فيما يسعى الاردن الرسمي بالتوافق مع الولايات المتحدة وروسيا للحفاظ على منطقة خفض التصعيد بالجنوب السوري.
ورغم ذلك، يعتقد هؤلاء الخبراء أن استمرار عمليات الحسم عسكريا هو الخيار المطروح حاليا أمام الدولة السورية وحلفائها، لتطهير الجبهة الجنوبية من عصابة "داعش" الارهابية، وبعض فصائل المعارضة المسلحة على مساحات واسعة في محافظتي درعا والقنيطرة، وتعظيم مكتسبات وانتصارات الجيش السوري.
وينتشر في مدينة درعا وريفها العشرات من التنظيمات الارهابية، واخرى مسلحة معارضة، على اختلاف مسمياتها، كجبهة النصرة، جيش خالد المرتبط بداعش، فصائل حوران، كتائب لواء المقدس وغيرها، فيما تسيطر جبهة النصرة على كامل ريف درعا باستثناء الريف الجنوبي الغربي، حيث تنتشر عصابة داعش الارهابية.
ويؤكد اللواء المتقاعد وليد فارس كريشان ان توجه الجيش السوري وحلفائه الى محافظة درعا، بعد حسم القوات السورية لمعركة الغوطة الشرقية وتأمين دمشق ومحيطها، يشكل تحدياً أمنياً استراتيجياً للاردن، مع احتمال حدوث موجات لجوء جماعية متوقعة.
وشدد على قدره الاردن على حماية مصالحه، مطالبا بضرورة التخطيط للتعامل مع أي طارئ لتجنب عنصر المفاجأة.
سياسياً، يرى كريشان أن الجيش السوري، سيعزز في حال تمكن من تحرير بعض البلدات في محافظة درعا، من الأوراق الرابحة للدولة السورية في مفاوضاتها مع الدول الحاضرة في المشهد السوري، بالإضافة للسيطرة على الحدود السورية الأردنية وإعادة فتح معبر نصيب التجاري.
وكثفت القوات السورية خلال الأيام القليلة الماضية من وتيرة إلقائها مناشير من الطائرات المروحية، فوق مدن وبلدات محافظة درعا، دعت في معظمها إلى الانضمام للمصالحة الوطنية، ومحذرة من اقتراب موعد العمليات العسكرية في المنطقة، بالتزامن مع إعلان قوات النظام سيطرتها الكاملة على دمشق وريفها، بعد إنهاء آخر جيوب عصابة داعش الارهابية في مخيم اليرموك وحي الحجر الأسود.
من جانبه، يرى العميد الركن المتقاعد حافظ الخصاونة أن طبول الحرب المقبلة بحسب المعطيات الميدانية ستكون في محافظة درعا، التي تعيش اتفاق خفض التصعيد برعاية أردنية روسية أميركية منذ تموز (يوليو) 2017.
ويؤكد الخصاونة ان تمدد المعارك الى جنوب سورية، وتحديدا لمحافظتي درعا والقنيطرة، هو في الحسابات الاردنية، مبينا أن تحليل الوضع في سورية "صعب" باعتباره بات معقدا لدرجة كبيرة، حيث يصعب من خلال المعطيات المتلاحقة والمعلومات المتضاربة في صحتها، في ظل مؤشرات لخلاف سوري ايراني روسي، الحفاظ على اتفاق خفض التصعيد بالجنوب السوري.
وبين الخصاونة ان المعطيات الميدانية تشير الى أن الأولوية لدى النظام السوري هي تأمين الجبهة الجنوبية واستعادة السيطرة عليها من عصابة داعش والميليشيات المسلحة المتواجدة على مساحات واسعة في محافظتي درعا والقنيطرة، في حين تسعى روسيا لتقديم ضمانات تحترم وتحافظ على اتفاق خفض التصعيد بالجنوب السوري.
وتوقع الخصاونة أن تمتد معركة درعا إلى ريف القنيطرة المحاذي لهضبة الجولان المحتلة، وبالتالي السيطرة على جميع الحدود السورية في الجنوب، وانهاء التواجد المسلح بكامل تلك المنطقة.
من جهته، لم يخف العميد الركن المتقاعد محمد العلاونة، خشيته من حدوث موجات لجوء جماعية من سورية، هرباً من شدة المعارك المتوقعة في محافظة درعا، وما سيشكله ذلك من أعباء أمنية على الأردن، وحدوث حالات تسلل عبر الحدود السورية الأردنية، من قبل أفراد ينتمون لعصابة داعش وجماعات متطرفة أخرى.
ورأى العلاونة أنه في ظل هذه المستجدات السريعة ثمة صعوبة في وضع سيناريوهات لمواجهة التهديدات التي يمكن أن تنتج عن التعامل مع المتغيرات الجديدة، اذا ما نقل الجيش السوري ميدان المعركة باتجاه الجنوب السوري.
وبين العلاونة أن خيارات الأردن في التعامل مع الوضع الحالي هي البقاء متمسكاً بسياسة التوازن، والبحث عن آليات اتفاق وتفاهم بين جهات الصراع ، "أما إذا تطور الوضع وبات يهدد المنظومة الأمنية والوطنية، فإن التدخل العسكري للدفاع عن المملكة وامنها لن يكون مستبعدا".وكالات