موسكو - لطالما كان فلاديمير بوتين رجلاً مثيراً للجدل في عالم الجغرافيا السياسية، وعلى مدى العقد الماضي على الأقل، يبدو أن بوتين كان دائمًا لديه هدف واحد كبير، وهو أوكرانيا، حيث كانت روسيا وأوكرانيا ذات يوم جزءًا من نفس الأمة، ثم حلفاء مقربين لاحقًا، وأعداءً لدودين في نهاية المطاف، فلديهما تاريخ معًا يعود إلى آلاف السنين. لكن كيف وصلت العلاقات بين روسيا وأوكرانيا إلى هذه النقطة؟ ولماذا بوتين مهووس بأوكرانيا؟ دعونا نلقي نظرة:
لفهم مدى أهمية هذه المنطقة من العالم بشكل أفضل، علينا العودة إلى القرن التاسع، عندما تضافرت عدة قبائل سلافية وشكلت كييف روس، وتحتل روس كييف مساحة كبيرة مما نعرفه الآن باسم أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا. وخلال القرون القليلة التالية شهدت روسيا فترات مضطربة للغاية، حيث تم تغيير العاصمة في نهاية المطاف من مدينة كييف إلى موسكو في أواخر القرن الثالث عشر.
ولطالما كان هناك تنافس بين كييف وموسكو، ففي مرحلة من التاريخ، كانت كلتا المدينتين جزءًا من نفس الأمة ولاحقاً أصبحتا منفصلتين، وبعد سنوات عديدة بدأت تظهر معالم الانفصال الثقافي، حيث تمركز الروس بشكل أساسي حول موسكو ، بينما تمركز الأوكرانيون بشكل أساسي حول أوكرانيا، وعلى مدى التاريخ، حاول القوميون الروس المجادلة بأن كلا من الأوكرانيين والروس هم نفس الشعوب ، وينحدرون من كييف روس ، بينما لطالما أراد القوميون الأوكرانيون هوية منفصلة ومستقلة تمامًا عن روسيا.
فبالعودة إلى عام 1991، أعلنت كل من الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية والجمهورية الاشتراكية السوفيتية الروسية الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، وللمرة الأولى منذ عدة قرون، كانت روسيا وأوكرانيا دولتين منفصلتين تمامًا ذات سيادة، وعلى الرغم من استقلال أوكرانيا ، كانت أوكرانيا تعتمد بشكل كبير على روسيا، حيث كان المجتمع الدولي يصف أوكرانيا بأنها دولة “دمية” أو دولة “عميلة”.
وفي عام 2000، أصبح فلاديمير بوتين، الذي يُطلق عليه العديد من الأسماء منها الشيوعي والرأسمالي والديكتاتور والقومي، رئيسًا لروسيا، وأراد بوتين تغيير اتجاه روسيا بعيدًا عن الاضطرابات التي واجهتها في التسعينيات، حيث ركز في البداية على استهداف الانفصاليين في الشيشان وتحسين النمو الاقتصادي للبلاد، ولكن الأهم من ذلك، ركز على استعادة بعض المجد الذي فقدته روسيا على المسرح الدولي بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، وكانت معظم دول الاتحاد السوفيتي السابق إما مناهضة لروسيا بشدة مثل دول البلطيق، أو مؤيدة بشدة لروسيا، مثل بيلاروسيا أو كازاخستان، في حين كانت أوكرانيا نوعا ما في مكان ما في الوسط، مع وجود عدد كبير من السكان المناهضين لروسيا والمؤيدين للغرب.
و شهدت العلاقات بين روسيا وأوكرانيا أيضًا الكثير من الاضطرابات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن بوتين بصفته جاسوسًا سابقًا في المخابرات السوفيتية، بدأ في ممارسة المزيد من الضغط على أوكرانيا لحل نزاعات الغاز والنزاعات الأخرى بين البلدين.
أما بالنسبة للهدف الذي يسعى إليه بوتين فهو أن تصبح روسيا قوة عظمى مرة أخرى، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو ثقافية، وهو يعتقد أيضًا أن أوكرانيا تابعة روسيا، وفي رأيه روسيا غير مكتملة بدون كييف، التي وصفها بأم المدن الروسية.
وفي عام 2010، شهد بوتين انتصارًا كبيرًا في روسيا عندما تم انتخاب فيكتور يانوكوفيتش كرئيس لأوكرانيا بعد فوز انتخابي بفارق ضئيل، فببساطة كان يانوكوفيتش دمية روسية، حيث تلقت حملته الرئاسية ما يصل إلى 200 مليون دولار من مانحين روس مجهولين والتي ربما لعبت دورًا في فوزه، وعند فوزه في الانتخابات، نفذ يانوكوفيتش أي أمر أعطته له روسيا، وتم حل جميع الخلافات تقريبًا بين البلدين.
وفي هذه الأثناء، بدأ الشعب الأوكراني في القلق من أن تصبح أوكرانيا دولة عميلة لروسيا، وازداد القلق في عام 2013 عندما رفض يانوكوفيتش عرضًا لأوكرانيا لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، على أمل تحسين العلاقات مع روسيا، في وقت أراد فيه الشعب الأوكراني اندماجًا أفضل مع الاتحاد الأوروبي.
وبحلول نهاية العام، اندلعت الاحتجاجات في أوكرانيا في جميع أنحاء البلاد، ومع نمو هذه الاحتجاجات تشكلت ثورة كاملة ضد إدارة يانوكوفيتش والنفوذ الروسي في أوكرانيا، حيث كانت الثورة عنيفة للغاية قُتل فيها مئات المتظاهرين على يد الحكومة الأوكرانية، بدعم روسي كامل، ولكن في النهاية، أصبح الأمر أكبر من أن تتعامل معه الحكومة.
وفي النهاية، فر يانوكوفيتش إلى روسيا في 21 فبراير 2014، حيث أجرى البرلمان الأوكراني تصويتًا على عزله في اليوم التالي، وصوّت 328 من أصل 447 عضوًا في البرلمان الأوكراني على عزل يانوكوفيتش من منصب الرئيس، وتم انتخاب رئيس قومي أوكراني مناهض لروسيا يُدعى بترو بوروشينكو، مما حوّل أوكرانيا وروسيا إلى أعداء لدودين.
وخلال السنوات التالية، قام بوتين بمحاولات متكررة للضغط على أوكرانيا، وأمر بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، وعمل على تسليح العديد من الجماعات المتمردة الروسية على الجانب الشرقي من البلاد، ولكن مع تزايد تأييد أوكرانيا للغرب، يبدو أن بوتين ليس لديه خيار سوى التخلي عن قوميته الروسية، أو بدء حرب شاملة ضد أوكرانيا.
وهذا يقودنا إلى ما نحن عليه اليوم، حيث جمعت روسيا أكثر من 200 ألف جندي ومسلح وانفصاليين روس على طول حدود أوكرانيا، وبدأت روسيا بالفعل في شن هجمات على أوكرانيا معلنة بهذه الخطوة بداية الحرب.