ترجمة: علاء الدين أبو زينة
دانيال ديفيس* - (19-فورتي فايف) 11/5/2023
من المرجح أن تضطر كييف في نهاية المطاف إلى السعي إلى نهاية تفاوضية للقتال. ويتعين على الغرب أن يدرك هذا الاحتمال الآن، وأن يبدأ في دعم مثل هذه النتيجة سرا مع المسؤولين الأوكرانيين. وبغير ذلك، قد يحكم رفض اتخاذ مثل هذه الإجراءات على أمل أن تحقق أوكرانيا انتصارا كبيرا في ساحة المعركة على كييف بصفقة أسوأ بكثير في وقت لاحق.
لدى أوكرانيا واقع معقد ينبغي أن تواجهه: على مدى الأيام القليلة الماضية، أعرب كبار قادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عن دعمهم القوي لأوكرانيا وهجومها القادم الذي تم الحديث عنه على نطاق واسع. ومع ذلك، تكشف قراءة بعض التعليقات غير الرئيسية التي أدلوا بها عن إدراك متزايد في الغرب بأن أمل زيلينسكي في تحقيق أهدافه المعلنة المتمثلة في إخراج روسيا تماما من أوكرانيا ينطوي على احتمال ضئيل للنجاح.
وبذلك، فإن هناك حاجة ماسة إلى تغيير السياسة الغربية -قبل أن تتكبد كييف المزيد من الخسائر القتالية التي من غير المرجح أن تغير حقيقة أن الحرب ستنتهي وفق أغلب الاحتمالات بتسوية تفاوضية.
التطورات الأخيرة في حرب أوكرانيا
في الأيام القليلة الماضية فقط، أدلى سرب من كبار القادة السياسيين الغربيين بإعلانات قوية لدعم أوكرانيا والهجوم الذي يلوح في الأفق في البلد المحاصر. وأصدر كل من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، والأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بيانات شديدة اللهجة لدعم أوكرانيا. لكن السؤال هو ما إذا كان الغرب قادرا على الوفاء بمطالبها.
ثمة أدلة متزايدة على أنه خلال الفترة المتبقية من العام 2023، يغلب ألا تكون لدى الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص مخزونات كافية من الأسلحة والذخيرة الرئيسية التي تضاهي ما تم توفيره لأوكرانيا خلال الأشهر الأربعة عشر الأولى من الحرب. في الآونة الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة عن شريحة أخرى من الدعم العسكري لأوكرانيا، هذه المرة في شكل حزمة بقيمة 1.2 مليار دولار.
وكان الشيء الأساسي في هذا الدعم الموعود هو أنه لم يقدم بموجب "سلطة السحب الرئاسية"، وإنما في إطار "مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا". والفرق في البرنامجين كبير وله آثار مشؤومة على عمليات القوات المسلحة الأوكرانية خلال الفترة المتبقية من هذا العام، خاصة في أعقاب نتيجة الهجوم الأوكراني المقبل -الفوز، الخسارة أو التعادل.
السياسة والتوقيت
تعني "سلطة السحب" أن بإمكان بايدن أن يأمر بالتسليم الفوري للأسلحة والذخائر الأميركية الموجودة، مما يعني أنه يمكن، من الناحية النظرية، إيصالها إلى ساحة المعركة في غضون أسابيع. ومن ناحية أخرى، تعني "مبادرة المساعدة الأمنية" أنه يجب كتابة العقود، والإعلان عنها، ومرورها بعملية استدراج وتقديم العطاءات، ومن ثم يتعين على شركات المقاولات الدفاعية التي تفوز بالعطاءات إنتاج الذخيرة أو المعدات العسكرية، وهو ما يستغرق أحيانا سنوات قبل إنجازه. وهذا يعني أن أوكرانيا لن ترى الفوائد الأولى لهذه الجولة الأخيرة من الدعم الأميركي حتى العام 2024 على الأقل.
في مقابلة أجرتها معه في 5 أيار (مايو) "يورونيوز"، اعترف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بقوله: "إذا توقفتُ عن دعم أوكرانيا، فمن المؤكد أن الحرب ستنتهي قريبا"، لأن أوكرانيا "لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها" و"ستسقط في غضون أيام".
وأضاف كليفرلي بتفاؤل أنه منذ بداية الحرب، "فاق أداء القوات المسلحة الأوكرانية التوقعات". ومع ذلك، خلص في كلمة تحذير رصينة إلى القول: "علينا أن نكون واقعيين. هذا هو العالم الحقيقي. هذا ليس فيلما من أفلام هوليوود". وهنا سيكون من الحكمة أن ينظر القادة الغربيون في تداعيات هذا البيان الدقيق.
من الواضح والمفهوم أن أولئك في الغرب سيكونون ضد غزو روسيا العنيف لأوكرانيا وسيرغبون في رؤية كييف وهي تستعيد جميع أراضيها. وإذا كنا نكتب سيناريو فيلم، فهذه هي بالضبط الطريقة التي ستنتهي بها هذه القصة. ولكن، كما يشير وزير الخارجية البريطاني بدقة مؤلمة، يتعين علينا أن نصنع سياسة تستند إلى الاعتراف الأكثر دقة وواقعية ورصانة بالحقيقة على أرض الواقع، وبدرجة أقل كثيرًا إلى تفضيلاتنا المشحونة عاطفيا.
أولاً، يجب أن نفهم ضخامة المهمة التي تواجه القوات المسلحة الأوكرانية المتحدة عشية شن هجومها. وبصفتي شخصا قاتل في معركة دبابات هجومية واسعة النطاق وتدرب على مدى سنوات عديدة على القيام بعمليات دفاعية في وحدات مدرعة، يمكنني أن أقول بشكل قاطع إن الدفاع هو شكل الحرب الأقل تحديا وصعوبة، وأن هجوم الأسلحة المشترك هو الأكثر صعوبة وتعقيدا.
استراتيجية أوكرانيا تتطور
عانت أوكرانيا من خسائر فادحة خلال الأشهر الأربعة عشر الأولى من هذه الحرب. ويخوضها حاليا جنود وقادة لديهم خبرة محدودة في الحرب وتدريب على المستوى السطحي فقط في عمليات الأسلحة المشتركة. يجب على المرء ألا يقلل من شأن التحدي الذي يواجه القوات المسلحة الأوكرانية في هجوم على مستوى مسرح القتال، والذي يتطلب تنسيقا وثيقا لكل وحدة على مدى مئات الكيلومترات، خاصة عندما لا يكون أي جندي أو ضابط أو جنرال في أوكرانيا قد شارك في تنفيذ مهمة بهذا الحجم.
ثانيا، كانت روسيا تعد مواقع دفاعية كثيفة على نطاق واسع منذ أكثر من نصف عام تقريبا عبر الجبهة التي يبلغ طولها ألف كيلومتر تقريبًا. ووفقا لبعض المحللين الأميركيين، صمم الروس وبنوا سلسلة رائعة من الأحزمة الدفاعية التي سيكون من الصعب اختراقها حتى بالنسبة للجيوش الغربية المدربة تدريبا كاملا. ولتحقيق النجاح، سيتعين على قوات زيلينسكي مهاجمة هذا الدفاع المتقن بقوة جوية هجومية محدودة، ودفاع جوي محدود، وكميات غير كافية من قذائف المدفعية، وقوة مجهزة بخليط من الدروع الحديثة والعتيقة -يعمل عليا مزيج من المجندين الذين ليست لديهم خبرة قتالية وبعض الضباط والأشخاص الذين تلقوا تدريبا أساسيا فقط على يد مدربي الناتو.
يدرك بعض القادة الأوكرانيين حجم التحدي. وقال وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، لصحيفة "الواشنطن بوست" الأسبوع الماضي، إنه يشعر بالقلق من أن "التوقعات من حملتنا الهجومية المضادة مبالغ فيها في العالم"، وهو ما يخشى أن يؤدي إلى "خيبة أمل عاطفية". وحذر من أن مستوى النجاح قد يصل إلى "عشرة كيلومترات". لكن ما لم يتطرق إليه وزير الدفاع هو ما قد يحدث بعد ذلك.
حتى لو تجاوزت أوكرانيا مرة أخرى التوقعات الغربية واستولت على 50 أو 100 كيلومتر من الأراضي، فإن عدد الضحايا الذين تكون قد خسرتهم سيكون مرتفعا في ظل أي سيناريو، مما يجعل القوات المسلحة الأوكرانية أضعف مما هي عليه اليوم. وكما هو موضح أعلاه، من غير المرجح أن يتمكن الغرب من استبدال المعدات المفقودة أو توفير ذخيرة كافية لدعم الأوكرانيين لبقية هذا العام، ووفقا لصحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية، فإنه إضافة إلى الـ300.000 جندي الذين لدى روسيا حاليا في أوكرانيا، هناك 200.000 آخرون يعسكرون على أهبة الاستعداد عبر الحدود مباشرة.
وبمجرد أن ينتهي الهجوم الأوكراني -بغض النظر عن مدى نجاحه أو فشله- يكاد يكون من المؤكد أن هجوما مضادا روسيا سوف يأتي في أعقابه. وعندها ستكون أوكرانيا عرضة، لأشهر عدة، لمثل هذا الهجوم بينما سيكون لديها عدد أقل من قذائف المدفعية وصواريخ الدفاع الجوي والقوات. وكما يوضح هذا التحليل الرصين، فإن هذه تحديات هائلة تقف في طريق شن هجوم ربيع أوكراني منتصر وحاسم.
إذا كان هذا هو واقع الحال، فإن فرص زيلينسكي في تحقيق أهدافه المتمثلة في إجبار روسيا على الخروج من أوكرانيا ستكون غير محتملة إلى حد كبير. والنتيجة الأكثر ترجيحا هي أن الحرب ستستمر بغض النظر عن هذا الهجوم، لكن الظروف ستستمر بمرور الوقت في الميل في اتجاه روسيا. وفي نهاية المطاف، من المرجح أن تضطر كييف إلى السعي إلى نهاية تفاوضية للقتال. ويتعين على الغرب أن يدرك هذا الاحتمال الآن، وأن يبدأ في دعم مثل هذه النتيجة سرا مع المسؤولين الأوكرانيين. وبغير ذلك، قد يحكم رفض اتخاذ مثل هذه الإجراءات على أمل أن تحقق أوكرانيا انتصارا كبيرا في ساحة المعركة على كييف بصفقة أسوأ بكثير في وقت لاحق.
*دانيال إل ديفيس Daniel L. Davis: المحرر المساهم في"19-فورتي فايف" 19FortyFive، هو زميل رفيع لأولويات الدفاع ومقدم سابق في الجيش الأميركي ذهب للمشاركة في مناطق القتال المختلفة في العالم أربع مرات. وهو مؤلف كتاب "الساعة الحادية عشرة في أميركا 2020".
*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Ukraine’s Long-Expected Offensive: Why It Won’t Beat Putin