ميلانو - في 1787 أنجز دافيد رائعته «موت سقراط» التي تصوّر اللحظات الأخيرة في حياة المفكّر والفيلسوف الإغريقي العظيم.
كانت حكومة أثينا قد أصدرت حكمها على سقراط وخيّرته ما بين الموت أو النفي، عقابا له على دروسه ومحاضراته التي كانت تثير الشكوك في نفوس تلاميذه وتحرّضهم على احتقار الآلهة والتمرّد عليها. فضّل سقراط الموت على النفي، بتناول السم.
في اللوحة يبدو سقراط متماسكا وقد غمرته غلالة من النور رمزا للخلود، بينما سيطر على اتباعه الحزن واليأس. ومن خلال توزيع الضوء والعتمة استطاع دافيد تحويل صورة من صور الشهادة إلى دعوة مدوّية للنبل والتضحية والثبات على المبدأ حتى في وجه الموت.
ويبدو سقراط مستمرّا في الحديث إلى تلاميذه حتى وهو يمدّ يده إلى كأس السم، مؤكّدا استهانته بالموت والتزامه الذي لا يهتز بأفكاره ومبادئه.
وبدا اتباعه ومريدوه وهم ملتفّون حوله في حزن، كاشفين عن ضعفهم وعجزهم أمام ذلك الامتحان العسير.
يقال أن التلاميذ حاولوا إقناع سقراط بتهريبه إلى الخارج لكنه رفض الفكرة على اعتبار أنها خرق للقانون لا يصحّ ولا يجوز.
في الزاوية البعيدة من اللوحة يمكن رؤية زوجة سقراط وهي تغادر السجن ، بينما جلس تلميذه الوفيّ أفلاطون عند مؤخّرة السرير، وراح كريتو يمسك بقدم سيّده وهو يواسيه.
وقد أراد دافيد من خلال هذه اللوحة إيقاظ الأنفس الخانعة وتحريضها على البذل والتضحية. أي أنها بمعنى ما دعوة صريحة لمقاومة السلطة الغاشمة.
وعندما كشف الستار عن لوحة «موت سقراط» كان توماس جيفرسون حاضرا وقد بهره المشهد كثيرا، بينما وصفها السير جوشوا رينولدز بأنها لا يمكن أن تقارن سوى برسومات مايكل انجيلو في سقف كنيسة سيستين وبلوحة ستانزي لرافائيل.
قبل أن يشرع دافيد في رسم هذه اللوحة استشار لأسابيع طويلة أصدقاءه المقرّبين بشأن تفاصيلها ودلالاتها وقرأ العديد من المراجع التاريخية التي تحكي عن وقائع المحاكمة التي جرت في العام 399 قبل الميلاد. وقد استند في الأساس إلى رواية افلاطون عن الحادثة، لكنه أيضا اعتمد على مضمون كتاب للفيلسوف الفرنسي ديديرو. بينما استوحى منظر أفلاطون الجالس على طرف السرير من مقطع من رواية للكاتب الإنجليزي ريتشاردسون..