القاهرة - كثيرة هي الاغان التي تم تاليفها عن لانها كانت عبارة عن حدث وهنالك أغانٍ كتبت على إثر أحداث وقعت مع ملحنيها أو شعرائها، أحداث في أغلبها أليمة، تركت فيهم جروحًا عميقة وخرجت ألحانًا من صدورهم الملتهبة. هو تضاد (أو ترابط) الجمال والفاجعة، وهو ما يذكرنا أننا في احتراقنا الحتمي كبشر، عزاؤنا أن آلامنا وأفراحنا تصبح أحيانًا حطبًا لبعض من الجمال
ثورة الشك | أم كلثوم
بعد أن كنت أسمع ثورة الشك لوقت طويل معتقدة أنها عن شك محبوب بمحبوبه، قرأت فيها قولًا آخر، هو أن القصيدة مكتوبة بلسان عبد الله الفيصل لابنه الذي سرت حوله شائعات خيانته لأبيه مع زوجته الثانية. قصة كهذه لو صحت يصعب الإفصاح عنها، خصوصًا في السعودية، زد على ذلك كون الأب وزيرًا للداخلية والصحة. تكاد لا تستطيع منع القشعريرة حين تسمع خطاب الأب قائلًا لابنه: أكاد أشك في نفسي، لأني أكاد أشك فيكَ وأنت مني.
لحظة سجودي | سعاد حسني
لما دخل صلاح جاهين الشاعر والثائر وصديق سعاد حسني الأقرب في غيبوبة، واظبت على زيارته كل يوم، لعشر دقائق، تمسك أذنه وتهمس فيها متضرعة: “يا صلاح ما تمشيش”. بعد وفاته وكمحاولة لاستعادة توازنها ذهبت لمحمود الشريف وطلبت منه أغنية دينية تمتص الغليان الذي فيها، كانت النتيجة أغنية بتسجيل واحد هو لجلسة التدريب عليها. لا نستطيع القول بأنها أغنية دينية بقدر ما هي رجاء روحاني ذو حس طفولي رسخه صوت سعاد البريء، لتغدو الأغنية عفوية لا تكلف فيها، تشبه المرات التي نصنع فيها شيئًا صافيًا واضحًا بعد فورة بكاء.
إعلان
شربت الصبر من بعد التصافي | عبده الحامولي
كانت ألمظ أحسن عوالم زمانها وكان عبده الحامولي أشهر المغنين والملحنين، أحبها وطلب منها التوقف عن الغناء حتى يتزوجا. تم الزواج لكن سعادتهما لم تستمر، إذ توفيت ألمظ. رثاها عبده الحامولي بدور شربت الصبر من بعد التصافي، وغناه من بعده كثيرون من بينهم داوود حسني. يدخل الدور على مقام العشاق المصري في المذهب، مكملًا للغصن ثم الهنك والرنك حيث تترك لداوود حسني حرية التلاعب في الغناء وقول التفاريد والآهات.
حبيتك بالصيف | فيروز
في إحدى المرات تأخر عاصي على فيروز بعد أن طلب منها انتظاره ليذهبا معًا للتسجيل. عشرون عامًا وفيروز تؤنب عاصي وتذكره بما اقترفه حين تركها تحت المطر بانتظاره، زعل فيروز أتى بنتيجة ولحسن الحظ أن النتيجة كانت أغنية، جاءت مطرًا يمسح حروف العتب.
الأولة في الغرام | أم كلثوم
بعد وفاة ابنه، دخل زكريا أحمد في صدمة منعته من البكاء لفترة، حتى زاره صديقه بيرم التونسي وقال: “حطيت على القلب إيدي وأنا بودع وحيدي” فكانت كأنها صفعة للرضيع أول ولادته حتى يتنفس ويدخل الأوكسجين اللازم لجسمه. بكى زكريا دمعًا ولحنًا على شكل الأولة في الغرام، مونولوج مطلق يبدأ بمذهب ولا يعود له حتى تنتهي الأغنية، تقوده أم كلثوم بأداء لا يخلو من تطريب وارتجالات ميزت أغلب أغنيات زكريا أحمد معها.
نتالي | حسام تحسين بيك
أحب حسام تحسين بيك الجورجية نتالي، وطلبها من أهلها إلا أنهم رفضوا زواجهما لأنهما من ديانتين مختلفتين، فهو مسلم وهي مسيحية. قررت الرجوع عن القرار والسفر لأهلها، فقال لها: “معك شهر لترجعي، شهر ويوم لا تجي”. ودّعها وعاد ليؤلف أغنية نتالي التي نجد فيها أثر موسيقى راقصة، فحسام الممثل بدأ كمؤلف ومدرب رقصات فنون شعبية، ألف بعض الأغنيات وألحان بعض المسرحيات.
كانت نتيجة نتالي الأغنية أن عادت نتالي الحبيبة، تزوجت بحسام وأنجبت منه ابنتين وصبي. أعاد غناء الأغنية عدة مطربين منهم ميادة بسيليس ومكادي نحاس.
لا تكذبي | نجاة الصغيرة
تعددت الروايات حول قصة كامل الشناوي مع محبوبته التي خانته وكتب فيها قصيدة لا تكذبي، لكن أقربها للصحة يبدو في حديث يوسف الشريف عنها في كتابه كامل الشناوي آخر ظرفاء الزمان، يذكر أنه ذهب معه لقهوة جروبي في وسط البلد، حيث دفع كامل حساب بمائة وخمسين جنيهًا، سعر قالب حلوى كبير بخمسة طوابق ليؤخذ إلى بيت “مطربة مشهورة، صغيرة الحجم رقيقة الصوت” في الزمالك، بمناسبة عيد ميلادها. لكنها أثناء إطفاء الشموع اختارت كاتب لتقطع معه الحلوى يعتبر من أجدر كتاب القصة القصيرة، ويجمع الكثيرون أنه هو من خانته حبيبة كامل معه، إذ أن كامل الشناوي لم يفصح عن تفاصيل الحادثة وعن شخصياتها علنًا. لم يستطع كامل إكمال السهرة وذهب هو ويوسف الشريف إلى شقة عبد الرحمن الخميسي ليكملا السهرة إلا أنه كان في مكان وعقله في مكان آخر، فترك السهرة وعاد إلى منزل المطربة الصغيرة ولقي ما خشي أن يلقاه وكانت قصيدة لا تكذبي. حين ألقاها على مسامعها أجابته بكل برود: “كويسة قوي، ممكن أغنيها؟” وغنتها من ألحان محمد عبد الوهاب، وكان كامل قد جند لها ألحان عبد الوهاب وبليغ حمدي، واختلف على أثر ذلك مع عبد الحليم حافظ الذي اعتبر تجنيده هذه الألحان لخدمتها تحيزًا ضده، أهداها لعبد الحليم وغناها وسجلها بنفس ألحان عبد الوهاب الذي غناها بصوته هو الآخر.
ألا ليت للبراق عينًا | أسمهان
ليلى العفيفة، بنت لكيز بن مرّة بن أسد بن ربيعة من بني تغلب بن وائل إحدى قبائل ربيعة بن نزار العربية، اشتهرت بجمالها وأدبها بين الأمصار، ولما سمع أحد أمراء الساسانيين بأمرها أسرها ظانًا أن باستطاعته استمالتها بالمال وتقديم ما يحلو لها لتقبل به لكنها رفضته وصدته، ما كان سببًا في تسميتها العفيفة، واستنجدت بقصيدة ألا ليت للبراق عينًا ابن عمها البراق الذي كانت تحبه، والذي أنقذها وتزوجها فيما بعد. لحن القصبجي اﻷبيات لتغنيها حياة محمد في فيلم ليلى بنت الصحراء قبل أن يمنع الفيلم من العرض، بعد زواج الأميرة فوزية أخت الملك فاروق بالشاه محمد رضا ولي عهد إيران وقتها، والفيلم يعرّض بالفرس، ثم عادت أسمهان وسجلت اﻷغنية بعد منع الفيلم.
قارئة الفنجان | عبد الحليم حافظ
تطوف الأسئلة حول سعاد حسني كالكواكب، حياتها لغز، حبها لغز، وفاتها لغز. كل ما نراه من بساطة وخفة روح على الشاشة مفعم بأسئلة وقصص وحكايا لا نهاية لها ولا آراء حاسمة فيها.
لكن القصة التي ربما شكلت مسار حياتها وكانت كابوس أيامها حتى الوفاة، بدأت حين كانت صغيرة. أحبت شابًا، وأقامت علاقة معه، وإذ يتضح فيما بعد أن هذا الشاب مرسَل من قبل صفوت الشريف أحد ضباط المخابرات المصرية في الستينات. وضع رجاله كاميرات صورت حسني مع من اعتقدت أنه حبيبها، ثم ابتزوها بالفيلم وأجبروها على العمل مع المخابرات المصرية. أحكم صفوت الشريف قبضته على حياة سعاد حسني منذ تلك اللحظة، عرقل جميع علاقاتها، رفض زواجها، احتكرها لخدمة المخابرات كما قيل، حتى جاء اليوم الذي أحبت فيه عبد الحليم حافظ. أحبته حبًا شديدًا وقررت التدبير لقتل صفوت الشريف لئلا يقف بوجهها، لكن المحاولة التي وقعت في فندق الدورشستر الفاره في لندن باءت بالفشل، فانقلبت الأمور ضدها. لطمها صفوت الشريف وهددها بقتل حبيبها، وأخبرها بمعرفته أنهما مقبلان على الزواج، وأنه لن يسمح بحدوث ذلك أبداً. يقال إن الشريف – ربما أرذل رجال الأرض وأفظعهم – دعا عبد الحليم وأراه الفيديو، حتى أن عبد الحليم نزف بعدها بشدة. إجرام مبكل وخطوات مدروسة في إنهاء الأرواح، كانت نتيجة كل ذلك أن التجأت سعاد حسني إلى نزار قباني الذي يقيم في لندن وقتها. أخبرته قصتها، فكتب قصيدة قارئة الفنجان على أثرها، وأصر عليها أن تترك حليم حماية له.
أرسل نزار القصيدة لعبد الحليم وغناها الأخير في عيد شم النسيم سنة ١٩٧٦، بعد أن غير فيها بعض الكلمات والعبارات كجملة ” فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود والقصر كبير يا ولدي وكلاب تحرسه وجنود”، التي عدلها خوفًا من بطش صفوت الشريف لتصبح “فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود.”
نُقل عن سعاد أن ما حصل في الحفل وقتها من استفزاز لعبد الحليم كان مفتعلًا من قبل صفوت الشريف، إذ أرسل بلطجية قاموا بالتشويش والصفير وإطلاق هتافات طوال الحفل أزعجت عبد الحليم ودفعته للصراخ بانفعال: “بس بقى”. هو جرم بين أفعال إجرامية أخرى قام بها صفوت الشريف، دفعت سعاد حسني في النهاية لترك عبد الحليم حفاظًا على حياته.
كلمات بحثية: أم كلثوم, البراق, ثورة الشك, حسام تحسين بيك, داوود حسني, سعاد حسني, عبد الحليم حافظ, عبد الله الفيصل, عبده الحامولي, كامل الشناوي, محمود الشريف, نتالي