Off Canvas sidebar is empty

العالم اذا تغير قليلا للصحفيه المصريه سوسن مراد


ألا تصدقني؟ لن ألومك بالتأكيد، فالأحداث المتسارعة حوّلت واقعنا إلى عقدة كبيرة بها مليون "شنيطة"، لكنني أطلب منك منحى فرصة لإثبات حسن النوايا، فقط تصور معي كيف سيكون العالم إن تغيرت ثوابته المادية قليلاً.

أول ما أريد تغييره هو الأسعار، فماذا لو انخفضت أسعار الأشياء باهظة الثمن وأصبحت متاحة لكل الناس؟ تلك فرصة ليستمتع الجميع بالأرائك الوثيرة والمصابيح الأنيقة والوسائد الهشة والسجاد الثرى والأسرّة المريحة، وفى المقابل ستتضاعف أسعار الأشياء الرخيصة، قلم الرصاص، بكرة الخيط وإبرة الخياطة، شريط لاصق..تخيل ذلك، فالمقايضة بينهما ستتيح فرصة لنعيش الحياة من منظور مختلف تمامًا.

كما أريد أن يتمكن الجميع من تناول صنفين فقط من بين كل أصناف المأكولات مجانًا، وليكونا اللحوم والشوكولاتة، فإن أصبحا متاحين دون عوائق، سيكونان كفيلين بمنحنا كوكتيل الرضا والسعادة.

وماذا لو زرعت شجرة كاكاو في حديقة كل بيت؟ نعم، سيكون لكل شخص بيت وحديقة صغيرة، ولن يزيد ارتفاع أي مبنى على خمسة أدوار، ولنرى ما سيحدث إن انخفضت قيمة الذهب إلى الحضيض، وارتفعت قيمة القطن عشر مرات، حينها الكل سيتباهى بعدد "التيشيرتات" التي يرتديها بدلا من أن يفنى حياته في كَنْزِ قطع من المعدن لن يعود نفيسًا حينها.

أريد أن يثور الناس على القبح، وأن تحدد عقوبة رادعة لمن يؤذى أي حيوان ما لم يكن دفاعًا عن النفس، وأن يتم تصنيع سيارة وطائرة وقطار آمنين تمامًا، ولم لا!كما أريد إلغاء منظومة المال مقابل العلاج، بل سيكون عليك أن تساند مريضًا خلال محنته لتضمن علاجًا مجانيًا إن احتجته لاحقًا.

وأريد أن يكون نجوم السجاد الأحمر هم الفنانين والمعماريين والأطباء والمبتكرين والمفكرين، وليقف أصحاب السلطة والمال في صفوف المتفرجين انتظارًا لمرور النخبة الحقيقية تحت الأضواء الساطعة.

أريد أن يكون الفن الوجبة الرابعة من الوجبات الأساسية في اليوم، وأن تنطق التماثيل الأثرية والأعمال الفنية لتروى لنا ما شهدته من حكايات، بينما يعزف الهواء موسيقى ذاتية الإيقاع طوال اليوم كتلك التي تصاحب أبطال الأفلام في السينما.

الخطأ الأكبر في حلم تغيير العالم، هو التصور بأن الشر يمكن أن يخرج من المعادلة، تأكد أنني لن أطرح تصورًا بهذه السذاجة، لكنني أحلم بتحسين مكونات المعادلة نفسها لتكون الحياة بخيرها وشرّها أفضل حالاً.

لكن يتبقى السؤال..إن تحققت كل تلك الأحلام وتغير العالم بالفعل، هل سيكون عالمنا أفضل؟ وهل سيسعد كل الناس بهذا التغيير؟

أعلم أن الإجابة ستنسف كل تلك الأفكار، لنعود إلى متاهة "العقدة وشنيطة"، في انتظار عبقري لم تلده أمه بعد ليصيح "وجدتها!".