Off Canvas sidebar is empty

الشاعر امجد ناصر يرثي نفسه


لندن  - رثى الشاعر الأردني أمجد ناصر نفسه بقصيدة مطولة، بعدما أدرك وفق التقارير الطبية أن أيامه في الحياة أصبحت معدودة، وقد استفحل المرض من دماغه.

ونشر ناصر، الذي عاش في العاصمة البريطانية لندن لسنوات طويلة عاملا في صحيفة القدس العربي، وهو واحد من أبرز رواد ن رواد الحداثة الشعرية وقصيدة النثر، نصا رثائيا، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أعلن فيه نتائج آخر زيارة له إلى أحد مستشفيات لندن، حيث أعلموه بفشل كل الأدوية في اجتثاث المرض الخبيث الذي استأصل بالدماغ.

وذكر ناصر، واسمه يحيى النميري النعيمات وولد عام 1955، أنه سأل طبيبه، عما إذا كان يعرف عدد الأيام المتبقية له في حياته، لأن له أكثر من عنوان كتاب يعمل عليه، مكتفيا بالقول إنها أيام قصيرة.

وبعد مقدمة حزينة تترقب النهايات، نشر ناصر نصا شعريا نثريا رثائيا لنفسه، وقلما يرثي الشعراء أنفسهم، يلخص تجربته مع المرض الذي دب إلى جسده، وهو الآن قاب قوسين أو أدنى من أن يأخذ حياته كلها.


في آخر زيارة إلى طبيبي في مستشفى تشرينغ كروس في لندن. كانت صور الرنين المغناطيسي عنده. من علامات وجهه شعرت بنذير سوء. قال من دون تأخير: الصور الأخيرة لدماغك أظهرت للأسف تقدماً للورم وليس حداً له أو احتواء، كما كنا نأمل من العلاج المزدوج الكيمو والإشعاعي.
كان مساعده دكتور سليم ينظر إلى وجهي وفي عيني مباشرة، ربما ليعرف رد فعلي.

قلت: ماذا يعني ذلك؟
قال: يعني أن العلاج فشل في وجه الورم.
قلت: والآن ماذا سنفعل؟
رد: بالنسبة للعلاج، لا شيء. لقد جربنا ما هو متوافر لدينا.
وفي ما يخصني ماذا عليّ أن أفعل؟
قال: أن ترتب أوضاعك. وتكتب وصيتك!
قلت: هذا يعني نهاية المطاف بالنسبة لي.
ردّ: للأسف.. سنحاول أن تكون أيامك الأخيرة أقلّ ألماً. ولكننا لا نستطيع أن نفعل اكثر.

قبل أن أغادره قال: هذه آخر مرة تأتي فيها إلى عيادتي. سنحولك إلى الهوسبيس. وكانت آخر مرة سمعت فيها هذه الكلمة، عندما دخلت صديقة عراقية أصيبت بالسرطان في المرحلة النهائية. يبدو أن الهوسبيس مرفق للمحتضرين أو من هم على وشك ذلك.
قلت له: لدي أكثر من كتاب أعمل عليه، وأريد أن أعرف الوقت.
حدد وقتاً قصيراً، لكنه أضاف هذا ليس حساباً رياضياً أو رياضيات. فلا تتوقّف عنده.

وفيما يلي النص الكامل لتدوينة الشاعر الأردني أمجد ناصر:

عدو شخصي

ليس لي أعداء شخصيون
هناك نجم لا يزفُّ لي خبراً جيداً،
وليلٌ مسكون بنوايا لا أعرفها.
أمرُّ بشارعٍ مريبٍ وأرى عيوناً تلمع
وأيدياً تتحسس معدناً بارداً،
لكن هؤلاء ليسوا أعداء شخصيين،
فكيف لجبلٍ
أو دربٍ مهجورٍ أن يناصباني العداء،
أو يتسللا إلى بيت العائلة؟

أيها الشيء القاتم الذي أخذ أمي وحبيبتي الأولى
والأنفاس التي رفعت عليها مداميك حياتي إلى الجانب الآخر من التراب
ما أنت؟
ما مشكلتك معي
إن كنت رجلاً اخرج إليَّ من مكمنك
تعال نلتقي في أي جبَّانة تريد
وجهاً لوجهٍ
لسوف ألقنك مواثيق الرجال
كما لقنتني إياها الصحراء والغدران الجافَّة
أرني وجهك قبل أن تنتضي قناعك الذي تسمّيه عقاباً إلهياً
فأنا لي آلهتي أيضاً لكني لن أدعوها لنزال الوجوه السافرة
إن كان لك دين عندي
أو مشكلة شخصية كأن أكون خطفت هيلين الشقراء من حضنك
ومرغت شرفك في الوحل
مع أني لا أذكر شيئاً كهذا
لا تسترد دينك من الذين يمرون في هذه الدنيا
كما تمر أنفاس الرعاة في قصب الناي.

صورة ذات صلة