لولا أن هذه اللوحة تحمل اسم رسّام آخر، لظنّ الناظر أنها لوحة غير معروفة لـ كلود مونيه. فأوجه الشبه بين الاثنين كثيرة.
ولو صحّ أن الرسّامين يمكن أن يُستنسخوا في أزمنة مختلفة، لكان هذا الرسّام الروسي الشابّ أحقّ من غيره بنيل لقب مونيه الجديد.
بل إن في خصائص ألوان دوغارجابوف ما يشي بأنه قد يكون تجاوز المستوى الذي بلغه سيّد الانطباعية القديم.
مناظر دوغارجابوف مدهشة، تأسرك بألوانها وأضوائها الساحرة. والطبيعة في لوحاته تنطق بالكثير من آيات السحر والجمال. كما أن لمعان ألوانه يشهد بموهبته الفائقة وفهمه العميق للعلاقة بين الألوان والفراغات والخطوط.
وصور الرسّام عموما تعكس جمال الطبيعة الروسية: أمسيات الصيف الهادئة، الضباب الذي يلفّ الطبيعة وقت الفجر ولحظات الغسق بهدوئها وغموضها المهيب.
في هذه اللوحة يرسم دوغارجابوف منظرا لشرفة تطلّ على شاطئ البحر. تفاصيل المشهد عامرة بالإيقاعات الموسيقية التي تتشكّل من امتزاج الخطوط والألوان. وكلّ شيء فيها يلمع في وهج الشمس، حتى انعكاسات الظلال. الرسّام يضع جمال العالم تحت نظر المتلقّي من خلال هذا التناغم المدهش للألوان التي ينبثق منها الضوء بنعومة لينعكس على الطاولة والمزهرية والكراسي والسياج المعدني والستارة وعلى كلّ شيء.
دوغارجابوف رسّام متميّز ومختلف. تنظر إلى لوحاته فتظلّ في ذاكرتك لزمن طويل. وستلاحظ أن كلّ شيء فيها مغطّى بطبقة ناعمة من الضوء. الانعكاسات الناعمة والمتوهّجة تطبع كلّ شيء، بدءاً من أزهار الليلك إلى الطاولات والكراسي والمظلات والبيوت والقوارب والأشجار المحتشدة على ضفاف الأنهار.
والسماء والماء عنده يندمجان ويذوبان معا ليتحوّلا إلى وحدة واحدة ومتناغمة.
عشق الرسّام للطبيعة واضح وجليّ في كلّ ضربة من ضربات فرشاته. وكلّ لوحة تخلق عالمها الخاصّ الذي هو مزيج من الروحانية والرومانسية والشعر.
بعض مناظر دوغارجابوف تبدو تجريدية إلى حدّ ما. لكن ما أن تبتعد عنها قليلا حتى تكشف عن إيقاعاتها وتفاصيلها. وكلّما قضيت وقتا أطول في النظر إلى لوحة، كلّما أفصحت لك عن المزيد من مظاهر جمالها المخبوء.
ولد باتو دوغارجابوف في قرية روسية تقع على الحدود مع منغوليا. ومنذ طفولته كان يضع عينه على السهوب الواسعة والمروج الخضراء التي تتخللّها الأنهار والغابات والحقول. المنطقة المجاورة للبحر الأسود أو الريفيرا الروسية كما تُسمّى، كانت وما تزال البقعة المفضّلة التي يستمدّ منها إلهامه. وبعض النقّاد يعتبرونه امتدادا لجيل الانطباعيين الروس الكبار أمثال كونستانتين كوروفين وفيودور زاكاروف وابرام اركيبوف.
درس باتو دوغارجابوف الرسم في موسكو وشارك في معارض في موسكو وباريس. وخلال السنوات الأخيرة وجدت بعض أعماله طريقها إلى المجموعات الفنّية الخاصّة في روسيا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا واليابان.