عمان – شوو في نيوز - يفتتح اليوم عند السادسة مساء" في جاليري بنك القاهرة عمان ,المعرض الشخصي " للفنان محمد الجالوس , ويأتي هذا المعرض ضمن نشاطات ومعارض الجاليري السنوية والتي ضمت مجموعة من العروض لفنانين شباب وأطفال وفنانون اردنيون وعرب إضافة الى الورشة الدولية التي يدعو فيها البنك سنويا , مجموعة من فناني العالم لاحتفالية سمبوزيوم بنك القاهرة عمان والمستمر للسنة الخامسة على التوالي .
يعود الفنان الجالوس هذا العام محملابحصيلة اشتغال لثلاث سنوات على موضوع أبواب 48 , تلك الأبواب التي غادرها أهلها بعد النكبة في عام 1948 وهي أبواب مجازية , في غياب المفاتيح التي يحتفظ بها أصحاب هذه البيوت , وما زالت هناك تنتظر العودة .
يحاكي الفنان محمد الجالوس في معرضه الشخصي بجاليري بنك القاهرة عمان مفردة الابواب وتحديدا ابواب عام 1948 في فلسطين التي اوصدها اصحابها على اسرارها مغادرين, ويقف الجالوس وقفة الباحث المتامل مستدعيا المخزون الجمالي والتاريخي فيما تركه الاجداد.
يبني الجالوس فضاءاته استنادا الى سطح تصويري متقارب ففي وسط كل اللوحات كتلة رئيسيه وتتوزع منها المفردات مثل الطيور وقطع الاخشاب والثقوب والمسامير والاشكال سواء كانت هندسيه او عشوائيه , وتحمل كل اللوحة الواحدة تكوينا مغايرامن حيث ترتيب التفاصيل .
تكوينات الجالوس مبنية باسلوب راعى فيه التوازان والانطلاق من نقطة مركزية الى الاطراف والربط بين الموضوع والتكوين والصياغة وافصح لنا كيف اصبح الباب جزء من الجدار فلم يبتعد عن تقريب وتوصيف الباب باسلوبه في البناء وهندسة الكتل .
حقق الجالوس في ترتيباته الفنية ما سعى اليه في التعبيرعن مفردة الابواب في حين كانت كل الاضافات الفنية من خطوط وكتل ونقط هي الايقاع الفني الذي خدم الاعمال ذهب بالخطوط والكتل والنقاط ووظفها باماكنها الصحيحه وحرص على ابواب 48 ان تكون كما ارادها عميقة المعنى ضاربة في التاريخ .
الابواب عند الفنان عتيقة من زمن بعيد عليها بصمات اصحابها شامخه غير متهالكه تؤشر على ملمح اصحابها وبساطتهم وعمقهم التاريخي , واذ يعتق الفنان الابواب قاصدا من ذلك التعتيق منحها مزيدا البريق ويرمم الشروخ والجروح في الابواب والارواح معيدا للابواب بهاءها وسحرها باعتبارها منافذ الحياه .
وباسلوبيته المعروفه وتلوينيته وتقنيته المتعدده التنفيذ من الحز والكشط والتبقيع والحفر في جسد اللوحة يكشف الجالوس عن ثراء تلوينيته من خلال تكثيف الملمس والذي يثري التلوين عبر خدود اللون وبين الغائر والنافر ولا يقف عند لون محدد وبالرغم من طغيان الترابيات اللونيه الا ان الانفراجات الزرقاء والبرتقاليات والتدرجات اللونيه الاخرى والرماديات تحضر لتعزز توصيف الفنان لمفردة الابواب .
يعبر الجالوس بكل امانة وانتماء وبما بين يدية من الوان وبما يحمل من افكار وروؤى عن الابواب الاصيلة وفي ابوابه والوانه الامل ويقف المتلقي امام ابواب 48 وهي تحضر بكل بهاءها وسحرها وعظمة اهلها ويحاكي لغة الابواب وكيف اوصدها اهلها بخامات ارضهم بمغالق الحديد وجذوع الاشجار وهي بمثابة بورتريه عنهم .
وبالرغم من اعتلاء طيور الغراب لبعض الابواب والتي قصد بها الفنان المغتصبين الا ان الفنان احكم اغلاق المساحات كما فعل الاجداد وخاب مسعاهم في العبور الى الداخل وترك الفنان طائر الغراب بحجم صغير قياسا بحجم الابواب وذلك للتاشير على رداءة فعل ذلك الطائر المغتصب .
ابواب الجالوس متعدده, موصده تكتم اسرارها او مواربه يتسلل منها الامل ومنها المشرعة على الناس والتاريخ والابواب التي تعرف رائحة اصحابها لا تنفتح الا لهم وكانهم رقمها السري .
وهوية الابواب عند الفنان تؤشر على ملمح اصحابها وبساطتهم وعمقهم التاريخي , واذ يعتق الفنان الابواب قاصدا من ذلك التعتيق منحها مزيدا البريق ويرمم الشروخ والجروح في الابواب والارواح معيدا للابواب بهاءها وسحرها باعتبارها عنوان الحياه .
يقف الجالوس امام ابوابه محللا ازمانها ومقدرا قيمة ما يتناوله ويعيد بناء بواباته مستمدا الوانه منها وتفاصل سطوحه التصويرية من الابواب التي سرد له اجداده قصص عنها فهو يعجن الوانه بتان ويسكبها ويهدم ويبني ويكشط لتمتين الابواب ليحاكي صمودها وشموخها .
يقول الجالوس عن تجربة ابواب (رغم سنوات عمرها التي تجاوزت المائة بقليل، ظلت جدتي لآمي تتذكر تفاصيل تلك الليلة، ليلة الخروج العظيم من ( النعاني ), حاملة معها بعض المتاع الخفيف ، برفقة جدي علي وعائلة مكونه من سبعة اطفال .
كان الليل قد تسلل الى سماء القرية، وصمت من نوع غريب خيم على البيوت والازقة، صاحبه اخبار هنا وهناك، تناقلها الناس عن عصابات صهيونية، شرعت بقتل كل من صادفها في الاطراف مروراً بوسط القرى المجاورة، اخبار سرت كالنار في الهشيم، موت يتوزع بالتساوي، بين قرى مسالمة وابواب ونوافذ تركت هنا وهناك، مشرعة على امل العودة القريبة، يوماً او بعض يوم، هكذا تخيل اهل القرى، وهذا ما يفسر انهم لم يحملوا معهم الا القليل من محتويات بيوتهم.
لم يخطر ببال جدتي انها ستقفل باب بيتها الخشبي للمرة الاخيرة، وقد حرصت على اخفاء المفتاح جيداً في جيب ثوبها المطرز، قريباً من القلب وفي وسط الصدر تماماً.
كانت البيوت تئن على وقع اقدام من غادروها، ولم تخمد نيران المواقد وما أعدوه لوجبة العشاء، العشاء الاخير، فقد تناقل الناس روايات لطعام ظل هناك ليستوي على مهل وعبر كل هذه السنوات من الشتات العظيم، هنا انقطع الناس بفعل آلة الموت عن ماضيهم ومعاشهم، وكل ما امتلكوه من اراض زراعية وحيوانات، اغنامهم وجمالهم وابقارهم، ظلت هناك وحيدة، تتنظر اليهم بعيون دامعة، وهم يغادرون دون القاء التحية او الوداع.
احاول في معرضي الان، أن اعبر عن فكرة الباب المجازية، ذلك المتروك بفعل الدم والنار وحديد الموت ,هناك في فلسطين , ابواب غادرها اهلها في عام 1948 دون وداع , لاعتقادهم انهم سيعودون خلال ايام على اكثر تقدير , ابواب حملت افراحهم واحزانهم وكانت شاهداً على لياليهم الملاح ، واعراسهم ووقع اقدام زوارهم في الاعياد والمناسبات .
ابواب خشبية، بسيطة، صاغوها بأيديهم وزينوها بـ (الشيد الأبيض والوان الحقول) و حرصوا ان تظل زاهية، مبتسمة في وجه زوارها، انها ابواب الذكرى، وهو ما أل اليه حالها اليوم، فقد دمر منها الكثير، وبقيت تحرسها في الجانبين، حقول الصبر، تلك الشاهد على اثرها، ابواب ابي وجدي , ابواب 48 .
اقدم اليوم هذه التجربة بعد ثلاثة اعوام من العمل عليها، وشجن الذكرى يلفني ويملأ قلبي ووجداني برائحة البلاد، وابواب ما زالت تنتظر أهلها هناك , على شاطئ البحر ).
وقد جاء في تقديم الناقد العربي الكبير صبحي حديد لمعرض الفنان: (في "أبواب 48" يسعى محمد الجالوس إلى ترويض تلك المقاربة الفريدة، النبيلة والعذبة بقدر ما هي شاقة وعسيرة، والتي تكاد أن تداني المحال حتى حين تتحقق في صيغة افتراضية، على هذا النحو أو ذاك: استعادة ما بعد الذاكرة، أو محاولة استذكار عنصر محوري ناظم، مادّي ومتخيَّل، فعليّ شاهد ومجازي رامز، من ذاكرة لم يعشها شخصياً وإن كان قد تمثّل الكثير من عناصرها ضمن انتماء بشري وشعوري جَمْعي، مكانيّ وزمانيّ في آن.
ويضيف حديدي (وقد يصحّ التذكير بأنّ الجالوس ليس غريباً عن مهارات التشخيص، ومشاقّ التصوير الواقعي الانطباعي، في علاقته بالمكان والبيوت والمدن؛ إذْ رسم العمران في الفحيص والسلط والقدس ونابلس، ولم يكن التجريد المحض أو التجريد التعبيري هو الخيار الطاغي على أعماله تلك. وأشتبه شخصياً، أو لعلي أتيح لباصرتي أن تحدس أيضاً، بأنّ الجالوس، إذْ راوده مشروع "أبواب 48" فانخرط فيه بوتائر متعاقبة ومتقاربة، خضع تلقائياً لتجربة ممضة من استذكار ذاكرة الآخرين، أسلافه على وجه التحديد؛ من دون أن يمتلك خزيناً شعورياً شخصياً حول إشكالية إغلاق الباب مع إيمان، وليس محض أمل، بالعودة إليه قريباً؛ ثمّ، بالطبع، محنة تبدّد الأمل تدريجياً، وبقاء المفتاح شاهداً على غياب حاضر، أو العكس. ) .
الجالوس مواليد عمّان درس الفن في معهد الفنون الجميلة في عمّان عام 1979، وفي عام 1982 حصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأردنية. كتب في مجال النقد الفني والقصة القصيرة. يشغل حاليا منصب مدير دائرة الفنون في بنك القهرة عمان وكان عمل في مجال إدارة المعارض والتصميم الفني وتعليم الفن للمرحلتين الابتدائية والثانوية، وتدريس الرسم لطلاب الفنون والتصميم الجرافيكي في جامعة فيلادلفيا – الأردن .عاش بين عامي 1994 - 1995 في مدينة نيويورك وشارك في العشرات من ورش العمل الفنية في مختلف دول العالم، ونظم العديد من المعارض الشخصية إيتداء من 1981.
فاز بذهبية بينالي طهران عام 2003. وهو رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين سابقا ، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، والرابطة الدولية للفنون التشكيلية.