سبعون عملاً فنياً لملهمة بيكاسو في المعرض المنفرد الأول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
دبي - شوفي نيوز - تعتبر الفنانة التشكيلية الجزائرية الراحلة باية محيي الدين إحدى أبرز الفنانين التشكيليين الجزائريين، الذين أثروا المشهد الفني الجزائري، وتركوا بصمة مؤثرة في الفن التشكيلي سواء في المحيط الإقليمي، أو العالمي، لا سيما العاصمة الفرنسية باريس، التي جمعتها بالعديد من الفنانين العالميين البارزين.
شاركت باية التي توفيت عام 1998، وتعتبر إحدى مؤسسي فن التصوير الجزائري الحديث، وتقتني متاحف كثيرة حول العالم أعمالها، في العديد من المعارض الجماعية في الجزائر، وعدد من الدول العربية، وأوروبا، واليابان، وكوبا، والولايات، والمتحدة، كما اعتمدت الجزائر لوحاتها على طوابع البريد.
وعلى الرغم من مشاركتها في معارض جماعية، إلا أن أعمالها لم تحظى بمعرض منفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قبل أن تعلن هيئة الشارقة للمتاحف تنظيم معرض منفرد للتشكيلية الراحلة، ضمن سلسلة معارض "علامات فارقة" السنوية في دورتها الحادية عشرة، ويضم أكثر من 70 عملا ً فنياً من بينها لوحات عُرضت في أول معرض نُظم للفنانة في باريس عام 1947.
ويعتبر تنظيم المعرض الذي يستعرض ستة عقود من مسيرة الفنانة في 24 فبراير الجاري، ويستمر حتى 31 يوليو 2021، في متحف الشارقة للفنون، تكريماً يترجم توجهات هيئة الشارقة للمتاحف، وأهداف سلسلة "علامات فارقة" كنافذة مشرعة على إبداعات الفنانين الذين أسهموا في تعزيز المشهد الفني العربي.
وتطل نافذة "علامات فارقة" هذه المرة على حياة الفنانة، وتتتبع طيلة أيام المعرض مسيرتها الفنية، التي امتدت لستة عقود، من خلال باقة متنوعة من الأعمال الإبداعية، التي تروي حكاية تلك المسيرة منذ ولادتها في ثلاثينيات القرن الماضي، مروراً باكتشافها من قبل الفنان السريالي الفرنسي أندريه بريتون، ومساعدتها في تنظيم أول معرض لأعمالها في باريس.
ويكشف المعرض عن المكانة التي حققتها باية محيي الدين، وشهرتها في أوروبا، وعلاقات الصداقة والتعاون التي جمعتها مع فنانين كبار من بينهم بابلو بيكاسو، الذي وصفها بملهمته في سلسلة رسوماته الشهيرة التي أنتجها في منتصف الخمسينيات تحت عنوان "نساء الجزائر"، والفنان الفرنسي جان دوبوفيه الذي قال "إنها تمثل المادة الخام للفن، فضلاً عن الفنان ماتيس، وجورج براك.
ورغم بقائها في باريس لسنوات عدة إلا أن الحنين إلى الوطن دفعها إلى العودة للجزائر حيث تزوجت من فنان يرسم لوحاته عبر الألحان، إذ ارتبطت بالملحن الموسيقي الجزائري الشهير محفوظ محيي الدين، وتضامن كليهما مع الثورة الجزائرية، من خلال إيقاف نشاطيهما لنحو 10 سنوات، قبل أن تعود لمزاولة شغفها حتى وفاتها عام 1998.
ومن خلال أكثر من 70 عملاً سيكتشف زوار المعرض تنوع وفرادة فن التشكيلية الراحلة التي مارست النحت والخزف إلى جانب فن الرسم، الذي غلبت عليه مخيلة طفولية زادته ثراءً، واتسمت لوحاتها بالألوان الزاهية المفعمة بعناصر الطبيعة كالأزهار والحيوانات والطيور والأسماك، في أسلوب أقرب إلى التجريد والاختزال.
وفي هذا الصدد قالت سعادة منال عطايا مدير عام هيئة الشارقة للمتاحف: "أن الاحتفاء بإبداعات الفنانة الجزائرية الراحلة في معرضٍ تنظمه هيئة الشارقة للمتاحف للمرة الأولى في المنطقة، جاء نظراً للإرث الفني الراسخ والبصمة المؤثرة اللذان تركتهما الفنانة ويؤكد تنظيم هذا المعرض بأن الشارقة لا تنسى من أثروا الحياة الانسانية، وارتقوا بإحساس الشعوب، وساهموا في تنوير العقول ونضوج الوعي، كما يؤكد أن تكريم الفنانين والمبدعين حق واجب وتقدير مستحق لهم ولعطائهم، الذي ساهم في صياغة العقل الانساني الجمعي".
وأضافت: "ان الاحتفال بالفنانين والمبدعين هو احتفاء بالقيم الإنسانية النبيلة، كما أنه تثمين للجمال، وتجديد للاعتراف بفضل الفنانين في إثراء ونشر الثقافة بأشكالها التي تساعد بدورها في خلق وحدة إنسانية وترسيخ مفاهيم العدل والمساواة والجمال بين الشعوب، وعلى ضوء هذه المعاني، تَكَرَّس نهج إمارة الشارقة التي أخذت على عاتقها تعميق قيم الاحترام والمحبة والسلام بين الناس، فتحولت الى منهلٍ ثقافيٍ يرتقي بالذوق العام ومركز إشعاع فني في العالم العربي، والمنطقة بأسرها، ومصدرٍ للإلهام".
واستطردت عطايا "سيظل الفن مكوناً أساسياً ثرياً ومتنوعاً في الهوية الإنسانية لا ينضب معينه، فهو إحدى المواهب التي تفرد بها الإنسان، وتميز بها عن سائر المخلوقات، وبالتالي فإن استمرار الفن والابداع وتواصل مسيرتهما يحتاج الى رعاية دائمة لتورق أغصانه، وهو الأمر الذي أخذته هيئة الشارقة للمتاحف على عاتقها، وهي في هذا السياق تحتفي بإبداعات الفنانة الجزائرية الراحلة باية محي الدين، كدأبها في تكريم المبدعين محلياً وعربياً".
يشار إلى أن أهداف سلسلة معارض ”علامات فارقة“ التي تنظمها هيئة الشارقة للمتاحف سنوياً في متحف الشارقة للفنون، واستضافت منذ انطلاقة دورتها الأولى في العام 2010 أعمال العديد من الفنانين من مختلف أقطار العالم العربي مثل آدم حنين، والدكتورة نجاة مكي، ونور علي راشد، وإسماعيل شموط، لا تقتصر على استعراض مواهب الفنانين في الوطن العربي، ومسيرتهم أو مساهمتهم في رفد المشهد الفني في المنطقة، بل تطمح الهيئة لأن تكون "علامات فارقة" منبراً للمواهب الواعدة، ومنصة لإبراز تلك المواهب وتعزيز قدراتهم الفنية.