في شهر الصيام أجد في نفسي حاجة ملحة للعبادة عبر التأمل في أيات الله التي أجراها على أنبيائه ورسله، وللنساء الطاهرات زوجات الانبياء ، ومنهن سارة بنت هاران، بالسيدة المؤمنة المحتسبة والعفيقة الطاهرة. كانت أول من آمن بأبي الأنبياء إبراهيم حين بعثه اللَّه لقومه يهديهم إلى الرشد بعد ان شهدت كيف نجاه الله من النار.
ولنا في السياحة عبر هذه الشخصية العديد من العبر والمواعظ والاقتداء بالزوجات الصالحات المؤمنات كالسيدة سارة أم الأنبياء. واسمها عبراني معناه "أميرة". Sarai ، وصفت بأجمل نساء الارض وهي مبجلة عند المسلمين واليهود والمسيحيين. أتى ذكرها بالتوراة على أن أسمها "سَارَاي" ثم تحول إلى "سارة" بعد وعد قطعه الله لها بولد بعدما كانت عجوز عاقر. وتزوجت من أبو الأنبياء إبراهيم في أور الكلدانيين.
وتذكر بعض المراجع ان سارة ولدت في منطقة كوثي من جبال بابِل وهي منطقة تقع بـالعراق، وانها كانت تملك مزارع ومواشي عديدة، فمنحت جميع ما تملك للنبي إبراهيم.
توفيت سارة في منطقة حبرون ولها 127 سنة، فاشترى إبراهيم مكانا من أهالي المنطقة، ودَفن فيها زوجته، ثم دُفن في هذا المكان إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فعرف المكان لاحقا باسم الحرم الإبراهيمي، ويقع في مدينة الخليل جنوب بيت المقدس.
ورد في رواية منسوبة إلى الإمام علي، أن سارة تعد من النساء المحدَّثات؛ لأن الملائكة حدثتها وبشرّتها بإسحاق. فهي اول امرأة تكلمها الملائكة
يقول تعالى:(وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هود 70-73
وجاء ذكرها في القرآن الكريم أكثر من مرة تكريما لها ولسيرتها العظيمة التي تشهد لها بالصبر الجميل وحسن التبعل لزوجها سيدنا ابراهيم عليه السلام ، في زمن الفوضى والوثنية وعبادة الكواكب بأرض العراق.
نشأت سارة بالعراق، حيث النمرود ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، وهو ممن ملكوا الدنيا وتجبروا في الارض، وارتبط ذكره بسيرة أبي الانبياء إبراهيم عليه السلام.
طغى النمرود في ملكه الذي دام أربعمائة سنة وتكبر على الناس، وادعى الإلوهية، وقد كان الناس يأتون إلى هذا الملك فيعطيهم الميرة " أي الطعام والشراب، شريطة ان يقر بان النمرود هو ربه، ولما أتاه سيدنا إبراهيم عليه السلام قال له النمرود من ربك ؟ أتؤمن أني ربك ؟ فقال سيدنا إبراهيم لا.
دهش النمرود من موقف سيدنا إبراهيم قائلا: أو لك رب غيري؟ فأجاب سيدنا إبراهيم نعم، فقال له النمرود ما صفات ربك ؟ فقال له سيدنا إبراهيم ربي الذي يحي ويميت، فقال ذلك الطاغية أنا أحيي وأميت، ثم دعا برجلين كانا بالسجن فقتل واحدًا منهم ثم ترك الأخر يعيش، ثم قال أنا أحييت واحدًا وتركت الأخر يموت، إذا أنا أحيي وأميت.
واستمر حوار النمرود مع أبي الانبياء ان قال سيدنا ابراهيم: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فإذا كنت ربٌ كما تقول فآت بها من المغرب؟
وبهذا الطلب بين سيدنا إبراهيم كشف خداعه وضلاله للناس أمام قومه، فلم يستطع الإجابة على سيدنا إبراهيم بل سكت وهنا يقول الله عزوجل عنه فبهت الذي كفر، ثم انتقم الله من النمرود ببعوضة دخلت في أنفه، وظلت برأسه أمدًا حتى عذبه الله بها.
قصة سارة تحمل العديد من الدلائل الايمانية ومنها الدعوة المجابة، والمكانة العالية في الدارين نتاج طبيعي لايمانها وعفتها وطهارتها وكفاحها الهجرة في سبيل الله مع زوجها وابن أخيه لوط -عليهما السلام- إلى فلسطين.
ولما اشتد الجفاف فى فلسطين هاجرت مع زوجها مرة أخرى إلى مصر. وسرعان ما انتشر خبرهما عند فرعون مصر الذى كان يأمر حراسه بأن يخبروه بأى امرأة جميلة تدخل مصر.
وذات يوم، أخبره الجنود أن امرأة جميلة حضرتْ إلى مصر، فلما علم إبراهيم بالأمر قال لها: "إنه لو علم أنك زوجتى يغلبنى عليكِ، فإن سألك فأخبريه بأنك أختي، وأنت أختى فى الإسلام، فإنى لا أعلم فى هذه الأرض مسلمًا غيرك وغيري".
وطلب فرعون من جنوده أن يحضروا المرأة، ولما وصلت إلى قصر فرعون دعت اللَّه ألا يخذلها، وأن يحيطها بعنايته، وأن يحفظها من شره، وأقبلت تتوضأ وتصلى وتقول: "اللهم إن كنتَ تعلم أنى آمنتُ بك وبرسولك، وأحصنتُ فرجى إلا على زوجي، فلا تسلط على هذا الكافر". فاستجاب اللَّه دعائها، فشَلّ يده عنها فقال لها: ادعى ربك أن يطلق يدى ولا أضرك. فدعت سارة ربها؛ فاستجاب الله دعاءها، فعادت يده كما كانت، ولكنه بعد أن أطلق اللَّه يده أراد أن يمدها إليها مرة ثانية؛ فَشُلّت، فطلب منها أن تدعو له حتى تُطْلق يده ولا يمسها بسوء، ففعلت، فاستجاب الله دعاءها، لكنه نكث بالعهد فشُلّت مرة ثالثة.
فقال لها: ادعى ربك أن يطلق يدي، وعهدٌ لا نكث فيه ألا أمسّك بسوء، فدعت اللَّه فعادت سليمة، فقال لمن أتى بها: اذهب بها فإنك لم تأتِ بإنسان، وأمر لها بجارية، وهى "هاجر" -رضى الله عنها- وتركها تهاجر من أرضه بسلام.
ورجع إبراهيم وزوجه إلى فلسطين مجددا ،دون ان تنجب سارة ابنًا لإبراهيم، وغلف الحزن قلبها لكنها سرعان ما قاومت حزنها وغيرتها الانسانية الفطرية وقررت ان تتخذ من هاجر التي وهبها لها فرعون مصر لتكون في خدمتها، زوجا لزوجها سيدنا ابراهيم عليه السلام.
كان سيدنا ابراهيم يحب زوجته سارة حبا اسطوريا
كونها امرأة جميلة جدا وزوجة صالحه له وكان يحب غيرتها عليه ويعد حبهما من أروع قصص الحب والتضحية فهي كانت امرأة وفية وبقصتها هذه ضربت السيدة سارة أروع الأمثال في الوفاء للزوج، وفي الايمان بدعوته للتوحيد، وفي التضحية بالنفس والقسوة علي قلبها ارضاءا لحبيها وزوجها، بعد ان فقدت الأمل في أن تصبح أما وتنجب له ابناء بتزويجه من هاجر المصرية
لكنها لم تستطع إسكات غيرتها طويلاً، عندما ظهرت معالم الحمل على السيدة هاجر حتى تجددت غيرتها فلما وضعت طفلها إسماعيل طلبت سارة من سيدنا إبراهيم أن يبعدها وابنها، ولأن الله يرى ويعلم ما بقلب سارة أمر سيدنا إبراهيم بأن يذهب بالسيدة هاجر إلى مكة ويتركها هناك، ولبى إبراهيم أمر ربه.
وقد أجرى الله آيات عديدة في قصة ستنا سارة عليها السلام، ومنها ان غيرتها كانت سببا في هجرة سيدنا ابراهيم بزوجته هاجر إلى مكة ولتتفجر على يديها ماء زمزم لسقيا الرضيع اسماعيل ولسقيا حجيج الرحمن فيما بعد.
وتجري السنون مع السيدة سارة لتتحقق آيات الله فيها وتصبح أما وهي في عمر التسعين، وذلك عندما جاء نفرٌ لزيارة إبراهيم عليه السلام؛ فأمر بذبح عجل سمين، وقدمه إليهم، لكنه دهش لما وجدهم لا يأكلون، وكان هؤلاء النفر ملائكة جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- فى هيئة تجار، ألقوا عليه السلام فرده عليهم.
وأخبرت الملائكة إبراهيم - عليه السلام- أنهم ذاهبون إلى قوم لوط؛ لأنهم عصوا نبى الله لوطًا، ولم يتبعوه.
وبشر الملائكة نبي الله ابراهيم بأن زوجته سارة سوف تلد إسحاق، وأن هذا الولد سيكبر ويتزوج، ويولد له ولد يسميه يعقوب.
ولما سمعت سارة كلامهم، فعبَّرت عن فرحتها، ودهشتها ، وقالت: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ)[هود: 72-73].
وحملت سارة بإسحاق - عليه السلام - ووضعته، فبارك اللَّه لها ولزوجها فيه؛ ومن إسحاق انحدر نسل بنى إسرائيل.
فالله برحمته الواسعة لم ينس أمنية السيدة سارة وحملها بالأمومة فحققها لها في سن الشخوخة ، بل ان الله تعالى قد كرمها بجعلها أم الأنبياء وجعل أكثر الأنبياء فى ذرية إبراهيم منها.
أما عن معنى اسم إسحق «يضحك».
و كان سبب تسميته بيضحك
جاء في قاموس الكتاب المقدس أن السبب أن أباه أبراهيم عليه السلام ضحك سروراً لمّا بشّره الملاك بأنه سيولد له ابن من سارة زوجته التي احبها حبا لا يوصف.
وضحكت سارة لمّا علمت أنها ستنجب طفلاً حين بشرتها الملائكة
و بما ان كل شيء بتقدير الله وبحكمة من الله لربما كان سيدنا إبراهيم صبر ليحضى بطفله اسحق من شريكة عمره وحياته وقدطال انتظاره ولكن أراد الله بهذا أن يبين أمرا.
سارة طالب السهيل