في بلدة موريه سور لوي الفرنسية الصغيرة، يرتفع تمثال نصفيّ لأشهر شخصيّة في هذه البلدة. ولم يكن هذا الشخص قائدا عسكريّا، ولا رجل أعمال موسرا، ولا ديبلوماسيا بارزا. كان رسّاما، وكان اسمه الفريد سيسلي. وقد توفّي في هذه البلدة عام 1899م فقيرا ويعاني من الروماتيزم وسرطان الحنجرة. لكنه قضى السنوات الثلاثين الأخيرة من حياته يعيش ويرسم المجتمع الصغير بحساسية فائقة أكسبته لقب شاعر الألوان.
ولد الفريد سيسلي في باريس عام 1839 لأبوين انجليزيين غنيّين. وتلقّى تعليما مختصرا في لندن عندما كان يحاول بقليل من الحظ أن يتعلّم تجارة العائلة. ولم يكن مستغربا أن يفشل في البيزنس لأنه كان يقضي معظم وقته في المتاحف يدرس طبيعة كونستابل وتيرنر.
ثم أراد أن يصبح رسّاما. وفي عام 1862، وبمباركة ودعم ماليّ من والده، عاد سيسلي إلى باريس وتلقّى دروسا في الرسم على يد الفنّان الأكاديمي شارل غلاير.
كان غلاير رسّام تاريخ وكان يعتبر رسم الطبيعة فنّا منحلا. ومع ذلك، كان من بين تلاميذه كلود مونيه واوغست رينوار وفريدريك بازيل. وقد أحبّ سيسلي هذه المجموعة من الانطباعيين المستقبليين ورافق تطوّر حركتهم الناشئة منذ بداياتها.
وخلال ستّينات القرن التاسع عشر رسم معهم في مارلو قرب غابات فونتينبلو، وعرض أعماله معهم في العديد من المعارض الانطباعية. في ذلك الوقت كان سيسلي يعيش حياة مريحة معتمدا على مال والده.
لكن خلال الحرب الفرنسية البروسية تعطّلت تجارة والده ومات بعد ذلك بفترة قصيرة مفلساً. وعاش سيسلي وعائلته في فقر مدقع طوال ما تبقّى من حياته.
والحقيقة انه نادرا ما باع لوحاته. وعندما كان يبيع بعضها، كان يكتفي بقبول اجر زهيد مقابلها. وبينما عاش مونيه فترة طويلة واكتسب كثيرا من الشهرة، فإن شيئا من هذا لم يتحقّق لـ سيسلي.
لكن التأثير الانجليزيّ لكلّ من تيرنر وكونستابل كان حاضرا وإلى الأبد في جميع لوحاته التي تمثّل مزيجا تعبيريا ونادرا من التقاليد الفرنسية والانجليزية في رسم الطبيعة.