لندن - تعمل سيسيليا ماندوكا البالغة من العمر 25 عاما في شركة تعتمد على مبدأ "التقييم الذاتي" في تحديد رواتب الموظفين. ويعني ذلك أن الموظف هو الذي يحدد بنفسه الراتب الذي يتقاضاه بناء على كفاءته وأدائه.
فقد قررت في الفترة الأخيرة رفع راتبها بقيمة 7 آلاف جنيه استرليني، ليصبح 37 ألف جنيه استرليني في العام.
وفي حديث لأحد برامج القناة الخامسة في إذاعة بي بي سي، قالت سيسيليا: "ترددت كثيرا قبل أن اطلب زيادة في الراتب. فناقشت الأمر مع عدد من الزملاء، علما أن وظيفتي تغيرت، وعملي توسع أكثر مما كان عليه".
وأضافت: "كنت أعلم أنني أستحق هذه الزيادة، ومع ذلك ترددت، خوفا من أن أوصف بالجشع، لأن السائد هو أن يقنع الإنسان بما عنده. ولكن عندما تحدثت إلى زملائي وطلبت منهم النصيحة، إذا كنت أستحق هذه الزيادة كانت إجابتهم: نعم، تستحقينها بكل تأكيد".
تعمل سيسيليا في شركة غرانت تري، التي تسمح لموظفيها بتحديد الرواتب التي يتسحقونها، وبإمكانهم مراجعة هذه الرواتب وطلب الزيادات التي يرغبون فيها متى شاءوا.
ويعد مبدأ "التقييم الذاتي" في تحديد الرواتب أسلوبا حديثا تلجأ إليه الشركات التي تتنافس على استقطاب الكفاءات العالية والمهارات النادرة بعرض تحفيزات جذابة على الموظفين.
"لا أحد يقول لا"
ولكن تطبيق هذا المبدأ يختلف من شركة إلى أخرى.
في شركة غراند تري يجمع الموظفون المعلومات عن الرواتب التي تدفعها الشركات الأخرى للوظيفة نفسها، بمعنى كم ستدفع الشركة لتعويضهم.
ثم ينظرون إلى إمكانيات الشركة المالية وما الذي يمكنها أن تدفعه لهم، وما يملكونه من الكفاءة والمهارات.
وبناء على هذه المعطيات تقول سيسيليا يتقدم الموظف بطلب زيارة الراتب ينظر فيه زملاؤه. ولكن الموظفين لا يقررون بقبول الزيادة أو رفضها، وإنما يطرحون الأسئلة ويقدمون توصيات فقط، ثم يعود الأمر للموظف، وإذا اقتنع بها فإنه سيحصل عليها.
وقالت سيسيليا أيضا إن اثنين من الموظفين في الشركة قررا بإرادتهما خفض راتبيهما بعدما تغيرت وظيفتهما.
وتحرص الشركات التي تتبنى مبدأ "التقييم الذاتي" في تحديد الرواتب على التحقق من أن مراجعة الموظفين لطلبات زملائهم بزيادة الرواتب تتم بطريقة دقيقة.
وترى منظمة العاملين في قطاع الموارد البشرية إن هذا الأسلوب بإمكانه أن يحقق شفافية أكبر في مسألة الرواتب، ولكنها حذرت من نتائج إساءة استعماله.
ويشيد تشارلز تاورز كلارك، مدير شركة برمجيات، بأسلوب التقييم الذاتي في تحديد الرواتب ويقول إنه فعال في شرطته التي فيها 45 موظفا يحددون رواتبهم بأنفسهم منذ عامين. وإن الشركة صرفت زيادات في الرواتب بنسبة 10 في المئة، ولكنها شهدت استقرارا لدى موظفيها.
"هل تستحق الزيادة التي تطلبها؟"
يقول تشارلز إذا أراد أي موظف زيادة مرتبه يكتب إلى مدير الموظفين الذي يعين بدوره 6 موظفين آخرين لإعداد تقارير عن أدائه.
ويعترف أن بعض الموظفين يطلبون زيادات أكبر بكثير مما هو موجود السوق. ولكنه يرى أن ذلك ليس من باب الجشع وإنما بسبب عدم فهمهم لسياسة الأجور.
ويذكر أن موظفة صغيرة لم تفهم سياسة الأجور طلبت زيادة كبيرة جدا، بلغت 50 في المئة في راتبها وهو أكبر بكثير من العمل الذي تقوم به.
يقول تشارلز: "القرار قرارها فقلت لها يمكنك أن تأخذي هذه الزيادة مثلما طلبت، ولكن إذا أصبحت وظيفتك مرهقة للشركة، والعمل الذي تقومين به لا يبرر راتبك، ليس هناك إلا حل واحد، فقبلت تخفيض الزيادة".
=
يدير توم هاردمان شركة سماركتس، وفيها 120 موظفا يحددون رواتبهم بأنفسهم. ويطلع الموظفون بكل شفافية على معطيات الشركة المالية وعلى الرواتب حتى تكون طلباتهم بخصوص الزيادة معقولة، وفي حدود الميزانية.
يقول توم: "من أجل تحديد الرواتب نناقش مع الموظفين إمكانيات الشركة المالية، وما الذي يمكن أن تصرفه على الرواتب. وعندما يشارك الموظفون في هذا النقاش تكون مطالبهم معقولة".
شفافية الأجور
يبقى أسلوب تحديد الأجور من قلب الموظفين محصورا في عدد قليل من الشركات أغلبها في قطاع التكنولوجيا المتطورة. ولكنه إذا توسع فإنه سيحدث تغييرا في سياسات الأجور فيصبح الحديث عن الرواتب بين الموظفين متاحا لا سر فيه.
فقد غير هذا الأسلوب علاقة سيسيليا بزملائها في العمل، لتصبح منفتحة وخالية من المشاحنات والضغائن. وتقول إن الزملاء الذين يقدمون تقرار عنك يحرصون على تقدير كفاءتك وجهودك في العمل ليكون راتبك مناسبا.
ب ب سي