عمان - "لم أستوعب الفكرة، 380 دينارا ثمنا لكتب مدرسية.. لماذا؟ وكيف؟ إنها تجارة.. وفاحشة ايضا.. هل نشتري كتبا تحتوي ورقا وحبرا وصورا، أم نشتري ذهبا.. على وزارة التربية وضع حد لسياسة احتكار الكتب، من يتحمل مسؤولية استقواء بعض المدارس الخاصة على المواطنين؟".. هذه العبارات ترددها أم أحمد باستمرار.
والواقع أن الشكوى لا تقتصر على أم محمد وحدها، فهناك على شاكلتها الكثير من أولياء امور الطلبة، ممن يرزحون تحت وطأة اتفاقيات توقعها مدارس خاصة مع دور نشر، تحصر بيع هذه الكتب بها دون غيرها، ويعتبرها البعض اتفاقيات "غير أخلاقية تتنافى مع دور المؤسسة التربوي في نشر العلم والمعرفة".
وتنص بعض هذه الاتفاقيات الموقعة بين هذه المدارس ودور النشر على أن "تمتنع" الأخيرة عن بيع الكتب مباشرة لأولياء أمور الطلبة، وأن لا تقوم بتوزيعها على المكتبات، حيث ترفض هذه المدارس شراء كتب متداولة في السوق، "لتحقيق أكبر ربح"، بحسب تربويين.
"التربية" تنتظر الشكاوى
من جانبها، تقف وزارة التربية أمام هذا الأمر مكتوفة الأيدي، مبررة ذلك بأن تدخلها "مرتبط بشكاوى تقدم إليها من قبل المتضررين، قبل متابعتها الموضوع"، بيد أن مواطنين التقتهم "الغد" يرون أن "تقديم الشكوى لا يعود بالفائدة عليهم، لأن جواب "التربية" دومًا هو "أنتم اخترتم تدريس أبنائكم في مدارس خاصة مرتفعة الأقساط".
ويقول حسن، وهو ولي أمر طالبة تدرس في إحدى المدارس الخاصة: "هل من المعقول أن أرسل ابنتي إلى مدرسة حكومية لتلقي علم في غرفة صفية فيها أكثر من 55 طالبة.. من الطبيعي أن أرسلها إلى مدرسة خاصة، وهذا ليس مبررا منطقيا تسوقه وزارة التربية علينا".
ويضيف: "أكثر ما يثير الاستغراب أن مثل هذه المدارس تبيع أيضا كتب وزارة التربية والتعليم بأسعار مرتفعة رغم وجود قرار رسمي يمنع ذلك".
بدوره، يؤكد مدير إدارة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم أمين شديفات لـ"الغد" أن الوزارة "لم تتلق أي شكوى خطية من قبل أي ولي أمر طالب"، بيد أنه أكد أن "المدارس يجب أن تبيع كتب اللغة الإنجليزية سواء للبرنامج الوطني أو الأجنبي بأسعار معقولة، وان لا تحقق ربحا فاحشا من ورائها".
وأوضح أن الوزارة "لو تلقت أية شكاوى لكانت خاطبت المؤسسات التعليمية وطلبت منها بيع الكتب بأسعار معقولة، بالإضافة إلى الطلب من دور النشر بطباعة أسعار الكتب على أغلفتها".
وأشار إلى أن "الاتفاقيات التي تعقد بين بعض المدارس الخاصة ودور النشر تعد غير أخلاقية، ولا يجوز احتكار الكتب لصالح جهة معينة، وفي هذا الشأن يجب على الأهالي مراجعة المكتبة الوطنية باعتبارها صاحبة الولاية بخصوص منح تراخيص لدور النشر، ومن خلالها يمكن معالجة هذا الأمر".
وفيما يتعلق بكتب وزارة التربية والتعليم، قال شديفات إن "المدارس الخاصة ملزمة ببيع الكتب المدرسية لطلبتها وفق الأسعار المعلنة من قبل الوزارة".
وأضاف أن "أي بيع للكتب المدرسية المقررة من قبل الوزارة في المدارس الخاصة، بأسعار غير تلك المعلنة رسميا تعتبر مخالفة وتستوجب إنذار المدرسة". لافتا الى أن الوزارة "عممت في بداية العام الدراسي الحالي بضرورة التزام المدارس الخاصة ببيع الكتب لطلبتها بالأسعار المعلنة من قبل الوزارة دون أي زيادة عليها".
كما دعت الوزارة، وفق شديفات، المدارس الخاصة إلى "ضرورة إبلاغ ولي أمر الطالب بقائمة الكتب المدرسية المسلمة، وأسمائها والسعر الرسمي المحدد في كتيب طبعات الكتب المدرسية المعتمدة وأسعارها للعام الدراسي الحالي".
احتكار الكتب ضد القانون
إلى جانب الصبغة "غير الأخلاقية" التي تسم عمليات بيع الكتب المدرسية، فإن القانون يمنع ذلك، حيث قال نقيب المحامين السابق النائب صالح العرموطي إنه "لا يجوز احتكار بيع أي كتب أو سلعة، كون ذلك يتعارض مع قانون الاحتكار الذي يعاقب عليه القانون".
وبين العرموطي أن "هذا الأمر يعد مخالفا للسياسات التشريعية في الأردن، لأنه يعني وجود جهات معينة تحتكر سلعة معينة، سواء كانت قرطاسية أو كتبا يتم التحكم بأسعارها، ما يرتب على ذلك مساءلة جزائية، إذ إن من حق جميع المواطنين مراجعة وزارتي الصناعة والتجارة والتربية والتعليم بهذا الخصوص".
وتنص المادة 6 من قانون المنافسة الأردني للعام 2004 على أنه "يحظر على أي مؤسسة لها وضع مهيمن في السوق أو في جزء هام منه إساءة استغلال هذا الوضع للإخلال بالمنافسة أو الحد منها أو منعها، بما في ذلك السعي لاحتكار موارد معينة ضرورية لممارسة مؤسسة منافسة لنشاطها أو لشراء سلعة أو خدمة معينة، بالقدر الذي يؤدي الى رفع سعرها في السوق أو منع انخفاضه".
ونصت المادة على عقوبتين لكل من يخالف المادة السابقة، الاولى "بغرامة لا تقل عن 1% ولا تزيد على 5% من الإجمالي السنوي لمبيعات السلع أو إيرادات الخدمات"، والثانية "بغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار إذا كان رقم المبيعات أو الإيرادات غير محدد".
"الخاصة" تعترف بفحش الأرباح
من جهتها أكدت نقابة أصحاب المدارس الخاصة، على لسان نقيبها منذر الصوراني، طلبها المتزايد والمتكرر للمدارس الخاصة "بمنح الفرصة لأولياء الأمور بشراء كتب المنهاج الوطني من مستودعات وزارة التربية والتعليم بشكل مباشر".
بيد أن الصوراني يؤكد أيضا: "في الأصل يجب أن تمنح هذه الكتب مجانا للطلبة في القطاع الخاص أسوة بطلبة القطاع الحكومي، أو على أقل تقدير بيعها بنفس تكلفتها الأصلية دون زيادة عليها".
وأقر بصعوبة تنظيم بيع الكتب في القطاع الخاص، انطلاقا من أن عدد المدارس الخاصة كبير جدا وتمثل قطاعا واسعا.
وأرجع ارتفاع أسعار كتب المنهاج الوطني بشكل متزايد عاما بعد عام إلى "اتفاقيات توقع مع المطابع"، مقترحا أن تحدد وزارة التربية مراكز بيع الكتب الوطنية، بهدف إعطاء ولي الأمر أحقية الاختيار بين شرائها من المدرسة أو من الوزارة.
وفيما شدد شديفات على ضرورة تقديم أولياء الأمور شكاوى خطية للوزارة، بين الصوراني، أن "لا سلطة لوزارة التربية على المناهج الأجنبية إلا في حالة واحدة فقط تتمثل بإقرار المنهاج أو رفضه".
وأشار الصوراني إلى ان "تكلفة بعض الكتب الأجنبية تصل الى 120 دينارا"، معترفا بأن "عملية بيع الكتب يدخل فيها عامل الطمع، حيث تقوم بعض المدارس برفع أسعارها، إلى جانب الارتفاع المهول في القسط المدرسي لطلبة المنهاج الأجنبي التي تصل في بعض المدارس وللصفوف الدنيا إلى 4 آلاف دينار سنويا".
ويضيف: "في هذه الحالة لا أعتقد أن ارتفاع أثمان الكتب ستفوق إمكانيات أولياء الأمور الذين يلحقون أبناءهم بهذه المدارس". وقال إن "المبالغة برفع الأسعار أمر غير مقبول ومنفر، لكن لا أحد يستمع إلينا".
من جهتها تتساءل أم حمزة، عن التفاوت في أسعار الكتب المدرسية من مدرسة إلى أخرى، بقولها: "ابني وابن اختي في نفس الصف لكن في مدرستين مختلفتين، الاختلاف ليس في اسم المدرسة فقط، وإنما أيضا في أسعار الكتب رغم أنها هي ذاتها المقرة".
ويرجع الصوراني سبب ذلك إلى أن "أسعار الكتب الأجنبية غير محددة، نتيجة تفاوت أسعار طباعاتها، فهناك نسخ أصلية مطبوعة وأخرى تطبع في بيروت، بالإضافة إلى أن المدارس الخاصة تعمل وفق أهوائها في هذا الشأن، لعدم وجود جهة تضبط الأمر".
ولفت إلى أن "لدى دور النشر وكالات حصرية للكتب الأجنبية، فيمنع بيعها إلا للمدارس وفق ما تختاره كل مدرسة من كتب أجنبية".
وبين أن آلية ضبط هذا الأمر تكمن "في وضع السعر الحقيقي على الكتاب، وعلى المدارس الخاصة أن تلتزم به، وأن يحدد لها هامش من الربح البسيط".
اتفاقيات خلف الأبواب
بدورها، قالت مديرة إحدى المدارس الخاصة في عمان، إن "توقيع اتفاقيات مع دور النشر وحصر بيع الكتب إلا من خلال المدارس يعد أمرا غير أخلاقي يتنافى مع دور المدرسة التربوي ونشر المعرفة والعلم".
وأوضحت المديرة، التي فضلت عدم نشر اسمها لـ"الغد"، إن "الكتب الأجنبية في الأصل أسعارها مرتفعة، وتزداد ارتفاعا سنويا، وبدأت دور النشر تستغل هذا الوضع وتقوم برفع أسعارها، والمدارس الخاصة مضطرة لشراء هذه الكتب".
وأشارت إلى أن "أسعار الكتب تختلف من دار نشر لأخرى، وإن الكتب ذات الأغلفة الصلبة يكون ثمنها أغلى من ذات الأغلفة اللينة"، موضحة أن "لكل مدرسة تدرس المنهاج الأجنبي كتبا خاصة بها، وأن دور النشر هي التي أصبحت تحصل على الموافقات من مجلس التربية، وعندما تقر هذه الكتب تقوم المدارس بشرائها".
ولفتت إلى أن مدرستها "تقوم بتقسيم سعر الكتاب المدرسي الواحد على مدى 3 أعوام"، موضحة ذلك بمثال كتاب ثمنه 60 دينارا، يدفع الطالب 20 دينارا منه ويرجع الكتاب في آخر العام، ثم يأتي عام دراسي جديد فيدفع طالب آخر 20، والطالب الثالث كذلك، وصولا إلى ثمن الكتاب الأصلي.
وبينت أن "الطالب الذي لا يرجع كتابه في آخر العام، عليه دفع ثمن الكتاب كاملا".
وأضافت: "من حق المدارس الخاصة، كقطاع استثماري، تحقيق ربح، لكن بهامش بسيط، وأن لا يكون فاحشا، حيث يصبح الأمر حينها تجارة غير مقبولة كليا".
ووفق أولياء أمور، "تتباين أسعار كتب البرنامج الدولي بين المدارس، ففي إحدى مدارس عمان بلغت 246 دينارا للصف الرابع، مقابل 350 دينارا لمدرسة أخرى في عمان ايضا، وأن كتب البرنامج الوطني بلغ سعرها في إحدى المدارس 104 دنانير، مقابل 150 دينارا في مدرسة أخرى".
بدوره، أوضح مدير إحدى دور النشر لـ"الغد"، أن "كتب اللغة الإنجليزية تعد مساعدة للمناهج في المدارس الخاصة، لكي تتميز عن المدارس الحكومية"، مشيرا إلى أن "بعض دور النشر حصلت على وكالات أجنبية لكتب باللغة الإنجليزية، وأصبحت سياسة بعض المدارس الخاصة منع بيع الكتب للأهالي إلا من خلالها فقط".
ولفت إلى أن "بعض دور النشر أصبحت تخضع لضغوطات بعض المدارس، كونها ترفض شراء أي كتاب أجنبي موجود في الأسواق أو يمكن لأولياء الأمور الحصول عليه من المكتبات ودور النشر".
وبين أن كتب اللغة الإنجليزية في البرنامج الوطني "يتراوح سعرها بين 8 – 20 دينارا، في حين أن بعض المدارس تبيعها بأسعار تتراوح بين 40 الى 60 دينارا"، مؤكدا أن "البيع يجب أن يكون وفق سعر التكلفة أو بتحقيق ربح بسيط لا يتجاوز 4 دنانير وليس الضعف، لأنه يعد ربحا غير طبيعي".
وفيما يتعلق بالبرنامج الدولي، أكد أن أسعار الكتب هي في الأصل "مرتفعة خصوصا وأن قوائم كتب البرنامج الدولي كثيرة، وكل مدرسة يختلف منهاجها عن الآخر حسب النظام الدولي الذي تعتمده"، لافتا إلى أن "تكلفة استيراد هذه الكتب يكون مرتفعا، فلذلك تباع بهذه الأسعار".
وبين أن "الكتب التي يتراوح ثمنها في بعض المدارس من 300 إلى 400 دينار يكون معدل أسعارها الأصلية بين 100 الى 150 دينارا"، مشيرا إلى نسبة الربح "لن تقل عن 100%".
تجارة لا تعليم
من جهتها، قالت معلمة في إحدى المدارس الخاصة في عمان الغربية، إن "المدارس الخاصة أصبحت تبيع الكتب المدرسية والخاصة في النظام الدولي بأسعار مرتفعة جدا، بحيث أصبح الأمر استثمارا وليس تربويا".
وتقول المعلمة التي فضلت عدم نشر اسمها لـ"الغد": "لدي ابن وابنة في هذه المدرسة، وتكلفة كتب البرنامج الدولي وصلت لكليهما إلى 580 دينارا".
ولفتت إلى أن بعض المدارس "أصبحت تسعى للربح، وهذا الأمر بدأت ألمسه من قيام بعضها بتغيير مناهجها سنويا لكي لا يتمكن إخوة الطالب وأصدقاؤه من الاستفادة من الكتب، وهذا الأمر بدأ يزعج أولياء الأمور لأن الهدف منه ليس السعي وراء المناهج الأفضل، وإنما لكسب المزيد من الأرباح".
وأشارت إلى أن "بعض المدارس تربح ضعف السعر الأصلي من الكتاب الواحد، خصوصا في ظل منع أي مكتبة أو دار نشر من بيع نفس تلك الكتب".آلاء مظهر - الغد