عمان- ربى الرباحي
يدخل المجتمع مرحلة صعبة وقاسية إثر تفشي فيروس كورونا والأرقام الكبيرة لعدد الإصابات والوفيات، ليقف المواطن من جديد أمام قرارات حكومية صارمة الهدف منها تقليل الاختلاط والسيطرة على الوضع الوبائي والتفشي المجتمعي حتى يبقى الجميع بأمان.
تمديد ساعات الحظر الجزئي ابتداء من الساعة السابعة مساء وحتى السادسة صباحا هو أحد القرارات التي جاءت لحماية المواطنين، ولكنها تسببت بـ”إرباك” الأفراد وأشعرتهم بالحيرة والقلق وصعوبة إنجاز ما يترتب عليهم من تفاصيل حياتية يومية.
ورغم أن الوضع الذي يمر به الوطن استثنائيا، إلا أن هناك تساؤلات كثيرة ما يزال المواطن يبحث لها عن إجابات، هل صحيح تمديد ساعات الحظر مجد وفعال لتقليص عدد الإصابات؟ وكيف يمكن للتدافع والتجمع أثناء التسوق أن يسهم في خفض الفحوصات الإيجابية التي تسجل يوميا؟
الأربعيني عمر سالم وهو موظف في إحدى الشركات، يقول “لا أحد منا ينكر خطورة ما يحدث وإن الانتشار السريع لفيروس كورونا والسلالات المتحورة بات مقلقا جدا ومخيفا لنا.. نحن نعرف أن الوضع لم يعد يحتمل المجازفة”.
ويتابع أن الأضرار كثيرة تلك التي أوجدتها الجائحة، فهو شخصيا يجد أن تمديد ساعات الحظر ثقل جديد يضاف إلى حجم المتاعب التي يحملها على كاهله.
يقول سالم إن القيود الجديدة المتعلقة بالحظر، زادت من إرباك الناس، وتسببت بحدوث أزمات سواء في الشوارع أو في المخابز والأسواق التجارية، وذلك لأن الوقت محدود، مبينا أن انتهاء دوامه بالشركة بحدود الساعة الخامسة مساء، صعب من عملية التسوق.
ويضيف أنه وبمجرد خروجه من عمله يكون قد تبقى على الحظر ساعة واحدة فقط، وهي غير كافية طبعا لكون المحال التجارية تبدأ بإغلاق أبوابها مبكرا، فضلا عن خوفه من دخول مراكز التسوق التي تعج بالناس، وبالتالي إمكانية أن يصاب بعدوى المرض، مؤكدا أن الازدحمات بسبب زيادة ساعات الحظر هي في حد ذاتها تعقيدات جديدة تشعر الناس بالإرهاق والعصبية والتعب.
أما سهام إبراهيم فتشعر هي الأخرى بالضيق والاستنزاف مؤخرا؛ إذ إن القرارات الأخيرة، وخاصة تمديد ساعات الحظر الجزئي، أربكت حياة الناس وأفقدتهم القدرة على تنظيم الوقت، وذلك لأن الوقت بات ضيقا وقصيرا جدا، هي عن نفسها تجد أن الوضع يزداد سوءا وأن همومها ومتاعبها تتضاعف باستمرار. تقول “يومي بالعادة يبدأ من الساعة السابعة أعد لأبنائي وجبة الفطور.. وأقوم بترتيب البيت ومن ثم أذهب إلى عملي”.
وتبين أنه حتى بعد عودتها إلى البيت يكون في انتظارها الكثير من المهام؛ أولاها متابعة الدروس لأطفالها الصغار، كل الضغوطات تلك جعلتها مضطربة دائما، كما أنها بدأت تشعر بأنها تحتاج إلى أكثر من 24 ساعة لتستطيع أن تنجز كل ما عليها، وفي الفترة الأخيرة لم تعد تجد الوقت الكافي للتسوق، وترجع السبب في ذلك إلى الأزمات الخانقة التي تشهدها الشوارع يوميا وخاصة آخر النهار باعتبار أن الجميع مضطرون إلى الوصول إلى منازلهم قبل بدء الحظر الجزئي.
وفي تصريح سابق لـ”الغد”، كانت نقابة العاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة، طالبت الحكومة بإصدار قرار يتضمن منح العاملين في القطاع الخاص والعمال فسحة أطول للوصول إلى بيوتهم والتسوق قبل بدء الحظر اليومي، لافتة الى أن العمال الذين يعمل سوادهم في القطاع الخاص “يعانون ضيق الوقت حين انفكاكهم من عملهم عند الخامسة أو السادسة مساء”.
وقالت، على لسان نقيبها خالد أبومرجوب، “رأينا جميعا الصور التي تم تداولها عن الازدحام على مواقف النقل العام من قبل أفراد الطبقتين الوسطى والفقيرة الذين ليس بمقدورهم إلا استخدام النقل العام وسيلة نقل وحيدة”. وأضاف أبومرجوب “خلال الأيام الماضية، بتنا نشهد تكدسا ليس فقط في المواصلات وإنما في الأسواق والمحلات وغيرها بسبب عدم وجود فسحة للعاملين للحصول على حاجاتهم اليومية، ما جعلهم يتدافعون على الأسواق والمواصلات بين ساعة انفكاكهم من العمل وبدء سريان حظر التجول اليومي”.
استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان، يقول إنه منذ بدء جائحة كورونا اتخذت الجهات الرسمية إجراءات عدة بهدف الحد من انتشار الوباء، منها الحظر الشامل والحظر الجزئي ومنع التنقل بين المدن ومنع التنقل بالسيارات وإغلاق بعض الأحياء، إضافة إلى تغليظ العقوبات على المخالفين لإجراءات ارتداء الكمامات والتباعد الجسدي للأفراد والمنشآت.
ويضيف، وبعد تزايد أعداد الإصابات مؤخراً، اتخذت الجهات الرسمية قراراً بزيادة ساعات الحظر وتقليص ساعات العمل، وهي إجراءات أعلن أن الهدف منها تقليل أعداد الإصابات والوفيات.
وجاءت هذه الإجراءات بعد حوالي عام من بدء انتشار الوباء في الأردن، وفق سرحان، وما رافقه من آثار صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية وغيرها، تزايد أثرها مع مرور الوقت بل وربما تضاعفت عما كانت عليه خلال الأشهر الأولى.
ويلفت إلى أن زيادة ساعات الحظر تسببت بتقليص ساعات العمل عند الكثيرين، خصوصاً العاملين في القطاع الخاص والأعمال الحرة، والتي تقتضي طبيعة علمهم العمل على فترات ولساعات متأخرة من الليل، وهي مصدر الدخل الوحيد لديهم، والذي لا يكاد يلبي احتياجاتهم في الظروف العادية، ما زاد من معاناتهم وفاقم من مشكلاتهم.
ومنذ بدء تطبيق هذا القرار، تشهد الطرق ازدحامات كبيرة في ساعات المساء، وفق سرحان، ما يستنزف الوقت والجهد ويؤخر العودة الى المنازل إلى ما بعد الساعة السابعة.
وقد فاقم من هذه المشكلة، تقليص السعة المسموح بها في وسائل النقل العام إلى خمسين في المائة، حيث شهدت المجمعات والطرقات أزمات خانقة، وتواجد أعداد كبيرة من الركاب الذين اضطروا للعودة إلى منازلهم في ساعات متأخرة، إضافة إلى الاكتظاظ والتقارب في انتظار وسائط النقل.
الى ذلك، زادت معاناة الكثير من الموظفين، في عدم تمكنهم من التسوق خلال الفترة الفاصلة بين انتهاء العمل وبدء حظر التجول، وهذه الظروف، وفق سرحان، تؤدي إلى الشعور بالاضطراب وغياب الرضا والإرهاق، ما ينعكس سلباً على نفسية العاملين وأفراد الأسرة عموماً.
ويرى سرحان أنه وبعد مرور عام على بدء انتشار الوباء، فإن أعداد المتضررين والمتعطلين في ازدياد، والخسارة الاقتصادية كبيرة، وقد وصلت عند الكثيرين لدرجة يصعب التعايش معها. وربما تكون عملية الموازنة بين الصحة والاقتصاد ليست بالسهلة في ظل انتشار الوباء، لكن الآثار المترتبة على عدم القدرة على تأمين المتطلبات الأساسية للأسرة، لها انعكاسات سلبية على الجميع قد يصعب تداركها.
ويؤكد “أن تأمين المطاعيم والحث على تلقيها، والتوعية بأهمية الالتزام بالإجراءات الوقائية الصحية، وفي مقدمتها ارتداء الكمامات والتباعد الجسدي والنظافة واستخدام المعقمات، أفضل الطرق للتعامل مع وباء يتحدث المتخصصون عن ضرورة التعايش معه لفترة ربما تكون طويلة”. وهذا، بحسب سرحان، يتطلب من الجميع الالتزام بالإجراءات المتخذة من الجهات ذات العلاقة، فالمسؤولية جماعية في مواجهة الوباء، وهي ليست مسؤولية جهة دون أخرى، فالفرد مسؤول والأسرة مسؤولة، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني.
إلى ذلك، دور الجميع مهم في نشر التوعية والحث على الالتزام بالتعليمات، وأن يكون الأبوان قدوة حسنة للأبناء في الالتزام بالتعليمات وعدم تجاوزها. - الغد