Off Canvas sidebar is empty

نشرات الاخبار والعنف المجتمعي سارة طالب السهيل


القاهرة- تشكل نشرات الاخبار، وبرامج (التوك شو) بالتلفازات والفضائيات، جزءا أصيلا علي موائد الاسرة العربية، تجتمع عليها ولا تستغني عن التعاطي مع موادها الاعلامية اليومية لمعرفة ما يجري في اوطانها وفي العالم .

إن نشرات الاخبار اليومية صارت انعكاسا للصراعات والحروب اليومية والارهاب ، في منطقتنا العربية وفي العالم، فهي تنقل مشاهد لا تنتهي من العنف وارقاء الدماء الناتجة عن الحروب الجارية في سوريا واليمن وليبيا وفلسطين، وتنقل مظاهر الإرهاب مصر والسعودية والعراق والصومال وغيرها، مما يؤثر في سلوك المشاهدين صغارا وكبار، ومع استمرار مشاهدة مظاهر العنف المتلفز في هذه النشرات ، بات وكأن اراقة الدماء والعنف والقتل أمر طبيعي. ووقوعه شيء عادي في حياتنا.

ولا غرابة ان العنف المتلفز يتسرب في الوجدان العربي كما السرطان ، دون ان ننتبه لخطورته كداء متفشي علي عقولنا ووجداننا ،مصيبا بعضنا بالصدمة والفزع، ومصيب البعض الاخر باكتساب العنف وممارسته في حياته اليومية، دون ان يشعر.

ولا تنتهي الآثار السلبية لانتشار العنف والاخبار المؤلمة علي صحتنا الجسدية والنفسية، فالدراسات الحديثة قد اثبتت حقيقة ان كثرة التعرض لأخبار العنف قد تصيب الانسان بحالة من التشبع بهذه الاخبار تتحول إلى تبلد في المشاعر ، مع كثرة التعرض لها، ومن ثم يقل الاحساس، فتصبح اخبار القتل والدمار عادية ويصبح العنف أمراً معتاداً وسلوكاً مقبولاً في المجتمع.

ومن هذه الدارسات الخطيرة ، دراسة أجراها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الاردن ، حول تأثير البرامج الموجهة للأطفال العرب في الفضائيات العربية وتراوح اعمارهم بين سبعة وثمانية أعوام، وتوصلت الدراسة التي أجريت علي عينة من الطلاب ببعض المدارس الحكومية والخاصة، في متوسط اعمار السابعة والثامنة ، إلى ان الطفل المشاهد للتلفاز دون رقابة أو انتقائية ، يصبح اقل احساساً بآلام الآخرين ومعاناتهم، وأكثر رهبة وخشية للمجتمع المحيط به، وأشد ميلاً الى ممارسة السلوك العدواني، ويزيد استعداده لارتكاب التصرفات المؤذية.
كما أشارت الدراسة الى ان ذروة المشاهدة التي تتركز في الفترة المسائية، وتعرض خلالها مشاهد عنيفة بمعدل خمسة مشاهد في الساعة، تعني أن الطفل في عمر 11 عاما يكون قد شاهد نحو 20 ألف مشهد قتل أو موت واكثر من 80 ألف مشهد اعتداء.
أما التأثير الصحي علي جسد مشاهدي العنف في الاخبار والتقارير والبرامج الحوارية علي الكبار فيأخذ اشكالا عديدة ومنها الصداع والشعور بالاكتئاب والتوتر والفزع وفقدان الثقة في المستقبل، وعلي الصعيد العقلي فان التعرض لأخبار العنف والحروب وتشريد المهاجرين تسهم في حالة من البلبلة وتداخل الافكار.
كما تدل الأبحاث العلمية المختصة بهذه القضية علي أن تأثير التلفزيون يفوق وسائل الإعلام الأخرى. وفي دراسة أجرتها منظمة اليونسكو حول مدلولات تعرض الأطفال العرب للتلفزيون، وتبين أن الطالب قبل الثامنة عشر من عمره يقضي أمام التلفزيون اثنتين وعشرين ألف ساعة في حين انه في هذه المرحلة من العمر يقضي أربعة عشر ألف ساعة في قاعات الدرس خلال العام الدراسي الواحد.

الخطورة على الاطفال
فاللقطات التي تبثها الشاشات وصور القتلى مدرجين في دمائهم، ومشاهد المنازل التي دمرت وتحولت الى أطلال و خرابات تسكنها البوم والغربان، واصوات المدافع وطلقات الرصاص الوحشية في دويها تترك اثارا عميقة في نفس مشاهديها صغارا وكبارا، لكن تأثيره الاكبر يكون لدي المراهقين والاطفال باعتبارهم لايزالون في طور التكوين والنشأة الاولي للشخصية وبنائها.

والاطفال بصفة خاصة يشعرون بالخوف والفزع من مشاهد القتل والتدمير وصور الاطفال الغرقى علي شاطئ المتوسط مما يجعل يشعر بالخطر والفزع .

وفي المقابل فان تكرار مشاهد العنف قد تثير في سلوك بعض الأطفال، تبلد الإحساس بالخطر وإلى قبول العنف كوسيلة استجابة لمواجهة بعض مواقف الصراعات، وممارسة السلوك العنيف، ويؤدي ذلك إلى اكتساب الأطفال سلوكيات عدوانية مخيفة، إذ إن تكرار أعمال العنف الجسمانية والأدوار التي تتصل بالجريمة، والأفعال ضد القانون يؤدي إلى انحراف الأطفال.

وقد اثبتت الدراسات ان الاطفال الذين عاشوا في بيئات اتسمت بالعنف من خلال الصراعات السياسية والحروب كما في لبنان والعراق احتاجوا إلى اعادة تأهيل نفسي واجتماعي للتخلص من تأثير العنف على سلوكهم.

وللأسف فإن مسئولي هذه القنوات لا يكلفون انفسهم عبء التحذير من هذه المشاهد الدموية، ولا يعنيه سوى السبق الإخباري بغض النظر عن ملاءمة هذا السبق للمشاعر الانسانية والنفس البشرية وآلامها .

وبموجب ذلك فان علماء النفس والاجتماع يرون في المشاهد الاخبارية في القنوات التليفزيونية او الفضائية مصدرا كبيرا من مصادر العنف، حيث باتت هذه الاخبار تشكل بيئة محيطة بالفرد في غرفة نومه ، حيث ينام ويصحو عليها ، وتشكل وجدانه وتحرك سلوكه، وهو ما يفسر لنا اسباب انتشار العنف والارهاب في المجتمعات العربية خلال السنوات القليلة الماضية .

أزمة التشبع
ان تكرار مشاهدة صور الدمار والخراب والقتلى من جراء التفجيرات والحروب اصاب المشاهد العربي بما يسمى بالتشبع من هذا العنف وخلق عنده نوع من عدم اللامبالاة نتيجة شعوره بكآبة لا تنتهي وحزن لا يتوقف علي الجرحى والقتلى وذويهم، وهذه الازمة قد اكدتها الدراسات الحديثة موضحة ان حساسية المُشاهدين لمشاهد العنف تؤدي إلى نوع من اللامبالاة إذا ما شاهدوا عرض حدث دام يقع امامهم، وقد حدث ان تعرضت امرأة للقتل امام مرأى 37 شخصاً دون ان يحركوا ساكناً او يقدموا شيئاً لمساعدتها .
وهنا ينبغي على صانعي الاعلام الالتفات لخطورة هذه القضية عبر تقليص مشاهد العنف في هذه النشرات والبرامج الاخبارية قدر الاستطاعة، في مقابل زيادة المساحة المخصصة للبرامج التي تعلي من شأن قيم التسامح والاعتراف بحرية الرأي واحترام حرية التفكير، بما يشكل في النهاية بيئة اعلامية سليمة محيطة بالفرد والمجتمع.

دور الرقابة
ومع ايماننا بحرية التعبير، فإن هذه الحرية يجب تقييدها إذا ما عرضت المجتمع للخطر، وهنا يأتي دور الرقابة الحكومية والاجتماعية، حيث ينبغي للحكومات ان تقوم بدورها الرقابي في تقليص مشاهد العنف عبر الشاشات.

ويبقي الدور الرئيس للأسرة بمنع اطفالها من مشاهدة صور العنف عبر هذه الشاشات وتسلية الاطفال بما يحبونه من وسائل الترفيه واللعب عن متابعة هذه المواد الاخبارية، وكذلك تكريس حب الهوايات الفنية والرياضية والثقافية لدي فئة المراهقين بما يبعدهم عن تأثير عنف هذه الشاشات ويشكل وجدانهم على قيم التسامح والتعاون والالفة التي تنميها هذه الهوايات.