لم يكن دافيد مجرّد رسّاما مشهورا فحسب، فغالبية لوحاته مشحونة برسائل حماسية ومضامين سياسية ووطنية.
رسم دافيد اللوحة بناءً على طلب القصر في فرنسا. وبعد أربع سنوات من ذلك التاريخ اندلعت أولى شرارت الثورة الفرنسية.
والفكرة التي تدعو إليها اللوحة هي تغليب الولاء للدولة على كل ما عداه من ولاءات عائلية أو حزبية أو دينية.
موضوع اللوحة استمدّه دافيد من حادثة ورد ذكرها في التاريخ الروماني القديم، حينها قرّر أهالي مدينتي «روما» و «ألبا» أن يحسموا بشكل نهائي الصراع الطويل والمستمرّ بين الشعبين.
وقد استقرّ رأي الطرفين على أن ينظّموا مبارزة دامية يختارون لكلّ طرف فيها أفضل ثلاثة مقاتلين لديهم، فاختارت روما ثلاثة أشقاء من عائلة هوراتي، واختارت «ألبا» ثلاثة أشقاء من عائلة كورياتي المعروفة بنبلها وعراقتها.
في اللوحة نرى والد الأشقاء هوراتي حاملا بيده حزمة من ثلاثة سيوف ومحرّضا أبناءه على القتال بشجاعة واستبسال.
نظرات الإخوة الثلاثة تبدو مصمّمة وأيديهم ممتدّة بصلابة بينما يعلنون ولاءهم لروما ويقسمون على التضحية بحياتهم من أجل الواجب الوطني.
جوّ المشهد يوحي بالرهبة. وما يعمّق هذا الشعور طريقة الفنان البارعة في توزيع الضوء وتمثيل الظلال على امتداد مساحات اللوحة.
هناك أيضا هذا التضادّ بين نوعين من الانفعالات المتباينة كما يظهران على جانبي اللوحة.
فإلى اليسار لا يوحي المنظر سوى بالقسوة والعنف والصرامة. فالأب يقف بملامح جامدة ونظرات باردة، غير مكترث كثيرا باعتبارات النسَب والمصاهرة التي تربط بين العائلتين.
وعلى الجانب الأيمن صورة للضعف الإنساني في أجلى صوره كما يمثله منظر النساء الباكيات الحزينات.
المرأة التي ترتدي الملابس البيضاء هي كاميليا شقيقة الإخوة، وأن التي إلى جانبها «سابينا» زوجة أحدهم.
وفي الخلفية تظهر امرأة ثالثة بملابس سوداء وهي تحتضن طفلين يبدو الأكبر منهما وقد اكتسى وجهه بعلامات الخوف والتوتّر.
اختار لوي دافيد أن يشحن القصّة بالتوتّر والمهابة بمضمون وطني وأفكار عن الاتّحاد وقوّة الإرادة.
نهاية المبارزة: تقول الروايات إن المعركة أسفرت عن مصرع الإخوة كورياتي الثلاثة، كما قتل اثنان من الهوراتي،وعندما عاد الثالث إلى بيت عائلته، وجد شقيقته في حال
من الحزن والغضب وسمعها تلعن روما التي بسببها مات خطيبها وشقيقاها، فأقدم على قتلها.
وقد ُحكم عليه بالموت على جريمته. لكن تمّ العفو عنه بعد ذلك على أساس أن بطولته وتضحيات
عائلته مبرّر كاف للصفح عنه والإبقاء على حياته.