Off Canvas sidebar is empty

تغييرات مناخية متزايدة بالأردن تؤدي لخسائر زراعية وبيئية ومائية كبيرة


عمان- يشهد الأردن وبوتيرة متزايدة أحداثا مناخية متعددة، كانخفاض معدل هطل الأمطار، وتقلب درجات الحرارة، وعواصف غبارية، تسهم جميعها بخسائر اقتصادية وزراعية وبيئية ومائية كبيرة، وفق خبراء.
وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة إجراءات للتخفيف والتكيف مع ظاهرة التغير المناخي، إلا أن الخبراء يرون أنها "ما تزال متواضعة، ولا تشير إلى أن القضية على سلم أولوياتها".
فإحصائيات وزارة المياه والري؛ تشير إلى أن مخزون السدود؛ بلغ العام الحالي؛ نحو 147 مليون م3؛ أي 43٪ من إجمالي المخزون مقارنة بـ 150 مليون م3، أي نحو 45 ٪ العام الماضي.
كما أن انعكاسات الظاهرة؛ لا تقتصر على المصادر المائية وحدها، بل تعدتها لتشمل القطاع الزراعي، الذي تشير التوقعات إلى انه سيشهد "نقصا في إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتغيرا في خريطة توزيعها الجغرافي، وزيادة معدلات التصحر".
وإذ تعمل وزارة البيئة حاليا، على إعداد مشروع نظام سيحدد المرجعية في العمل المناخي، لكن ثمة انتقادات وجهها رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان لبنود المسودة الاولى، اذ "تدل على أن الامور ما تزال تدار في نطاق لجان حكومية".
ولفت الشوشان إلى أن "الحكومة اتخذت مؤخرا؛ قرارين مفصليين يدلان على توجهها بشأن ملف التغير المناخي، والذي يبعد كل البعد عن السياسة الوطنية المتبعة في هذا المجال".
وبين أن "القرار الصادر من وزارة المالية بشأن السيارات الهايبرد، لم يكن مبررا لغاية هذه اللحظة، والذي كان سببا في نقض الحكومة لالتزاماتها الدولية بشأن البيئة، مع أن تقرير التحديثات الأخير؛ أظهر أن قطاع النقل المساهم الأكبر في انبعاثات الكربون في الأردن".
وسيسهم قرار الحكومة بـ"إعفاء مصفاة البترول من التقيد بالشروط والمواصفات، في تدني مستوى جودة الديزل أكثر، ما ينعكس على صحة الإنسان والبيئة"، بحسب الشوشان، مبينا أن هذين الأمرين "يعكسان عدم التزام الحكومة بسياسة التغير المناخي، وأنها لا تتعامل معها بجدية كما يجب".
أما في موضوع التكيف مع الظاهرة، فأكد أن "ما نمتلكه من معلومات في هذا الشأن غير محدثة".
وكان الأردن سلم "تقرير التحديثات والذي يخطو على نحو، لكنه لا يعكس الأثر السلبي للظاهرة على الزراعة والمياه"؛ لذلك "لا بد أن يكون هنالك تضافرا في جهود تتسم بالجدية لتقديم المعلومات على نحو علمي وتقني، وليس فقط من وزارة وحدها، بل ومن مختلف الجهات المعنية الأخرى".
ولا بد بحسبه، أن "يكون هناك فريق تنفيذي، من كافة الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة في تزويد اللجنة المركزية في المعلومات، عبر برنامج بناء قدرات وطني تقني، لكل من له علاقة بهذا الجانب".
وشدد على "أهمية عدم اختزال قضايا التغير المناخي في مديرية تتبع للوزارة وحدها، والذي لا يعد تفكيرا استراتيجيا، يهدف لإشراك كافة المؤسسات للعمل في مجال التكييف والتخفيف من تلك الظاهرة".
أما في قطاع المياه؛ وللتأكد من وجود تغيرات مناخية، وآثارها على هذا القطاع أو غيره، فإن "الأردن بحاجة للكثير من السنوات؛ لقياس تلك الظاهرة والاستدلال على هذا الشأن"، وفق أستاذ علوم المياه الجوفية وكيميائية المياه في الجامعة الأردنية إلياس سلامة.
وبين سلامة أن "كثيرا من الدلائل تشير إلى أن التغيرات المناخية وتأثيراتها؛ نشهدها الآن، ولكن لا يوجد أدلة للآن عليها"، لكن "هنالك ما يؤشر إلى أن الأمطار في الأردن بدأت تقل، بخاصة في الشمال، وتزداد جزئيا في الجنوب".
وحذر من " استمرار الوضع على ما هو عليه، فالمصادر المائية أكانت سطحية أم جوفية، ستقل، ولا بد من بدء اتخاذ الاجراءات الضرورية، لتأمين أخرى بديلة وإضافية"
من وجهة نظره؛ فإن ذلك الأمر "لا يمنح الأردن سوى الذهاب باتجاه التحلية أو استيراد المياه من سورية والعراق، وهو حاليا صعب تنفيذه، نظرا للوضع السياسي الراهن"؛ مضيفا أن "الحل الوحيد المتاح؛ تحلية مياه العقبة وضخها، والتي تعد قضية تقنية غير معقدة، ورخيصة، ولا يوجد أي مشاكل تنتج عنها".
لكنه أوضح أن "ضخ المياه باتجاه المناطق الأخرى، قد يكون مكلفا بعض الشيء، في وقت يشكل فيه إيقاف إسالة مياه الديسي للعقبة، الحل المؤقت لتلك المعضلة، الى حين انشاء محطات تحلية متعددة في تلك المحافظة، تكون المصدر المائي الرئيس للمملكة".
وأوضح أن "السماح للشركات ببناء المحطات، مقابل أرباح مالية تعود اليها، يجب أن يتناسب مع الانظمة والقوانين والتشريعات المعمول بها بما يجذب الاستثمار في هذا المجال، بعيدا عن فرض الضرائب، التي لا تجعل من الأردن مكانا للمنافسة".
"فقضية بناء الثقة بين رأس المال والحكومة، قد يسهم باستقرار الاستثمار، وعدم التخبط في هذه المسألة"، منوها أن "وزارة المياه والري تسير ضمن استراتيجية جيدة، لكن تنفيذها على نحو صحيح، مرتبط بالقوانين والأنظمة التي تسمح للقطاع الخاص، بأن يكون شريكا لها في بناء محطات التحلية"، وفق الناطق الإعلامي باسم "المياه والري" عمر سلامة.
وبلغ الهطل المطري لهذا العام، ولغاية مطلع أيار (مايو) الحالي، 87٪ من المعدل السنوي الطويل الأمد لهطل الأمطار، والذي يبلغ نحو 8 مليار م3، في حين أن ذلك المعدل انخفض العام الماضي لنحو 83٪، وفق احصائيات وزارة المياه.
ولا يعد ذلك الأمر بحسب سلامة، معيارا يظهر أن العام الحالي شهد هطلا للأمطار، أفضل من الأعوام السابقة، فالتوزيع والوقت يلعبان دورا رئيسا في تلك القياسات، فما شهدته المملكة الشهر الحالي والماضي من تساقط للأمطار؛ لا ينعكس على ما يخزن في السدود، كما هو الحال في الشهور الاولى من العام، نتيجة عدة عوامل، من بينها تبخر للمياه".
وبلغ مخزون السدود لهذا العام؛ نحو 147 مليون م3، أي بنسبة 43٪، مقارنة بـ150 مليون، أي نحو 45٪، العام الماضي.
وللتخفيف والتكيف مع ظاهرة التغير المناخي، بدأت "المياه والري" بتنفيذ برامج تحلية المياه المالحة والبحر، ببناء أول محطة في محافظة العقبة، وبطاقة استيعابية تبلغ 5 ملايين م3مكعب، وتعمل على تزويد المناطق بالمياه المحلاة، تبعا له.
وتعمل الوزارة كذلك على عدة مشاريع مماثلة، بحسب سلامة، كتوسيع الحصاد المائي لزيادة سعة السدود ورفع طاقاتها الاستيعابية لـ400 مليون م3، وتوسيع الاستفادة من المياه المعالجة لاستخدامها في الزراعات المقيدة، ووصلت الى نحو 90 م3، مبينا أن "النية تتجه لرفعها لنحو 240 مليون م3، بحلول عام 2025".
وفي القطاع الزراعي؛ فإنه ولغاية "هذه اللحظة، لا تولي الحكومة الأهمية لهذه الظاهرة، والدليل على ذلك بأن دائرة الأرصاد الجوية تتبع لقطاع النقل، بدلا من البيئة والزراعة"، وفق مدير عام اتحاد المزارعين محمود العوران.
وتعد "هذه الظاهرة من المشكلات التي تواجه القطاع الزراعي، بسبب الارتفاع والانخفاض الحاد في درجات الحرارة، وعدم انتظام الهطل المطري، وتداخل الفصول"، وفقه، إذ يؤثر ذلك، "على الحصاد المائي، فالانحباس المطري يؤدي لعدم تغذية السدود، اذ لم تتجاوز نسبته هذا العام الـ30٪، والتي تستخدم للري".
ولفت العوران إلى أن "مناطق الاغوار أصبحت تتعرض ونتيجة ظاهرة التغير المناخي لموجات صقيع، تسببت بتلف المحصول وخسارة المنتجين، بل وبارتفاع أسعار المنتوجات على المستهلكين، نتيجة نقص الكميات المعروضة".
وبين أن "الارتفاع الحاد في درجات الحرارة صيف العام الماضي، والتي سجلت بأنها اعلى من معدلاتها السنوية، وبنحو 13 درجة مئوية، تسبب كذلك في تلف المحاصيل، لكون ثمارها لم تنعقد".
وللتخفيف والتكيف مع ظاهرة التغير المناخي على القطاع الزراعي، لا بد في رأي العوران من "تفعيل دور البحث العلمي لإنتاج أصناف تتناسب وتتكيف مع هذه الظاهرة، سواء في حالات الصقيع، أو ارتفاع درجات الحرارة، او في حال شح المياه".
وتشير التوقعات المستقبلية العالمية للتغيرات المناخية الى ان الاردن، سيقع في دائرة زيادة درجة الحرارة بين 3 الى 4 درجات بين 2071 الى 2100. وان معدل سقوط الامطار سيتأثر بنقص مقداره 5% لفترة الماضية.
ومن الآثار للتغير المناخي المتوقع، أن هنالك نقصا في إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتغيرا في خريطة التوزيع الجغرافي لها، وزيادة معدلات التصحر، والتقليل من إمكانية زراعة المناطق الهامشية نتيجة زيادة الحرارة، وفق مساعد الأمين العام لقطاع الثروة النباتية في وزارة الزراعة، جمال البطش.
ولمكافحة آثار ظاهرة التغير المناخ، دعا إلى "ضرورة إجراء الدراسات والأبحاث اللازمة للوقوف على مدى التغير المناخي في الأردن ووضع الخطط الفعالة لمعالجة آثاره، والتخطيط السليم لاستعمالات الأراضي، واتخاذ الاجراءات التشريعية الجادة لحماية ما تبقى من الاراضي الزراعية.
كما ولا بد من وجهة نظره، تخصيص أراضي المراعي الواعدة وتسجيلها كمراع وإدخالها في خطط التطوير، واختيار الأصناف النباتية الملائمة لظروف الجفاف واستعمالها، ووضع الخطط اللازمة لتحريج الاراضي المملوكة المهملة والمعرضة للانجراف والتدهور، والاسراع في تنفيذ شبكة المحميات الطبيعية.
وكانت المبادرة الاقليمية لندرة المياه في الشرق الادنى وشمال افريقيا التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "FAO في حزيران 2013 بمشاركة ستة بلدان في الإقليم مصر، والأردن، والمغرب، وعمان، وتونس، واليمن، هدفت الى وضع أطر لإدارة المياه وزيادة الإنتاج الزراعي لمواجهة التغيرات المناخية في الإقليم.
ووفق البطش فإن الوزارة نفذت العديد من المشاريع لتعزيز الأمن الغذائي والحفاظ على الموارد الأرضية والمائية".
كما ركزت الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية للأعوام 2002-2010 وتلك الخاصة بالتنمية الزراعية للأعوام 2016-2025، وكذلك الوثيقة الزراعية للعام 2013 على أهمية تأثير التغير المناخي على القطاع الزراعي، بحيث اشتملت عددا من المشاريع الزراعية والإجراءات التي تساهم في التكيف مع هذه التغيرات.