تقرير خاص - (الإيكونوميست) 31/5/2018
بيروت- قبل ست سنوات، عاد نبيل موسى، عالم البيئة الكردي، إلى الوطن بعد أكثر من عقد قضاه في الخارج، ليجد العراق وقد تغير. تحولت الأنهار التي كان يسبح فيها طوال العام إلى قيعان من الغبار في الصيف. والسماء التي كانت تمتلئ ذات مرة بطيور اللقلق ومالك الحزين أصبحت خاوية. والجفاف دفع المزارعين إلى التخلي عن محاصيلهم. والعواصف الترابية، التي كانت نادرة في وقت ما، أصبحت تجعل الهواء خانقاً. ألهمه هذا الواقع ضرورة عمل شيء، فانضم إلى مجموعة محلية لحماية الطبيعة، تدعى "طبيعة العراق"، والتي تهدف إلى الضغط من أجل ممارسات أكثر خضرة. لكن المسؤولين الأكراد لا يولون هذه المسألة الكثير من العناية. ويقول موسى: "لعل أحد آخر الأشياء التي نريد التفكير فيها هو تغير المناخ".
هذه اللامبالاة تجاه تغير المناخ أمر شائع في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى بينما تتفاقم المشاكل المرتبطة بها في هذه المنطقة. ويقول معهد ماكس بلانك للكيمياء في ألمانيا، إن فترات الجفاف الطويلة وموجات الحرارة الأكثر سخونة والعواصف الترابية المتكررة أصبحت تحدث الآن، من الرباط إلى طهران. وأصبحت المواسم الجافة الطويلة مسبقاً تزداد طولاً وجفافاً، وتؤدي إلى ذبول المحاصيل. كما تشكل ارتفاعات الحرارة معضلة متزايدة أيضاً؛ حيث تشهد البلدان في هذه المنطقة درجات حرارة صيفية مميتة بشكل منتظم. ولنتصور امتداد هذه الاتجاهات لبضع سنوات، وسيبدو الأمر مخيفاً -وبضعة عقود، وستبدو أنها نهاية العالم.
يتوقع المعهد الألماني أن ترتفع درجات الحرارة في الصيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدل ضعفي سرعتها في المتوسط العالمي. وسوف تزيد احتمالية مشاهدة درجات حرارة قصوى عند 46 درجة مئوية (115 درجة فهرنهايت) أو أكثر، خمس مرات بحلول العام 2050 عما كانت عليه في بداية القرن، عندما بلغت الحرارة ذُرى مماثلة في 16 يوماً في السنة في المتوسط. وبحلول العام 2100، ربما ترتفع "درجات حرارة الميزان الرطب" -وهو مقياس للرطوبة والحرارة- إلى ذروة عالية في الخليج العربي لتجعله كله غير صالح للسكن، وفقاً لدراسة نشرت في مجلة "الطبيعة" (على الرغم من أن معظم توقعاتها الكارثية تستند إلى افتراض أن الانبعاثات لن تنخفض). وفي العام الماضي، اقتربت إيران من كسر حاجز أعلى درجة حرارة مسجلة بدرجة موثوق بها، والتي بلغت 54 درجة مئوية، والتي كانت الكويت قد وصلت إليها في العام السابق.
مناخ جاف وغير مستساغ
يشكل الماء مشكلة أخرى في المنطقة. ولا تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الكثير منه كبداية، ومن المتوقع أن يتراجع هطول الأمطار بسبب التغير المناخي. وفي بعض المناطق، مثل المرتفعات المغربية، قد ينخفض الهطول بنسبة تصل إلى 40 %. (قد يؤدي تغير المناخ إلى هطول المزيد من الأمطار على الدول الساحلية، مثل اليمن، لكن من المحتمل أن تقابل ذلك زيادة في التبخر). ويحفر المزارعون الذين يكافحون من أجل تغذية المحاصيل العطشى المزيد من الآبار، ويستنزفون طبقات المياه الجوفية الموجودة منذ قرون. وقد توصلت دراسة باستخدام الأقمار الاصطناعية لوكالة "ناسا" إلى أن حوضي دجلة والفرات فقدا 144 كيلومتراً مكعباً (حول حجم البحر الميت) من المياه العذبة في الأعوام من 2003 إلى 2010. ونجم معظم هذا الفقدان عن ضخ المياه الجوفية لتعويض انخفاض هطول الأمطار.
يعمل تغير المناخ على جعل المنطقة أكثر تقلباً من الناحية السياسية. فعندما اجتاح الجفاف المناطق الشرقية من سورية في الأعوام من 2007 إلى 2010، فر نحو 1.5 مليون شخص إلى المدن، حيث واجه الكثيرون العنت والمصاعب. وفي إيران، تسببت دورة من الجفاف الشديد منذ تسعينيات القرن الماضي في خروج آلاف المزارعين المحبطين من الريف. أما كم غذت هذه الأحداث بالضبط الحرب التي اندلعت في سورية في العام 2011 والاضطرابات الأخيرة في إيران، فهو موضوع لنقاش كبير. لكنها أضافت بالتأكيد إلى المظالم التي يشعر بها الكثيرون في كلا البلدين.
يمكن أن يؤدي مجرد احتمال مواجهة نقص في المياه إلى نشوب الصراعات؛ حيث تتسابق الدول لتأمين إمدادات المياه على حساب الدول الجارة على مجاري الأنهار. وعندما بدأت إثيوبيا ببناء سد هائل على نهر النيل، والذي يمكن أن يحد من التدفق، هددت مصر، التي تعتمد على النهر في كل مياهها تقريباً، بشن الحرب. وأثارت السدود التركية والإيرانية على طول نهري دجلة والفرات والأنهار الأخرى غضباً مماثلاً في العراق الذي تهاجمه موجات الجفاف.
وضع العلماء خطوات يمكن أن تتخذها الدول العربية للتكيف مع تغير المناخ. وعلى سبيل المثال، يمكن تحويل الإنتاج الزراعي إلى محاصيل مقاومة للحرارة. وتستخدم إسرائيل الري بالتنقيط، الذي يساعد على توفير المياه، ويمكن نسخ تجربتها. كما يمكن تعديل تصميم المدن للحد من "تأثير الجزر الحرارية الحضرية"؛ حيث تعمل الحرارة المنبعثة من المباني والسيارات على جعل المدن أكثر حرارة من المناطق الريفية المجاورة. وقد جربت الحكومات العربية القليل من هذه الجهود، لأنها غالباً ما تكون منشغلة بمعالجة مشاكل أخرى. ويقول السيد موسى إن المسؤولين الأكراد الذين ينشط للضغط عليهم كانوا مشتتي الانتباه بحرب مع "داعش"، واستفتاء فاشل على الاستقلال، والآن، بإصلاح العلاقات مع الحكومة المركزية العراقية في بغداد.
غالباً ما تعترض السياسة طريق حل المشكلات المناخية. ونادراً ما تكون البلدان قادرة على الاتفاق على كيفية تقاسم الأنهار وطبقات المياه الجوفية. وفي غزة؛ حيث يؤدي تسرب المياه المالحة ومياه الصرف الصحي وإجهاد طبقة المياه الجوفية إلى زيادة خطر الإصابة بالمرض، جعل الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر من الصعب بناء وتشغيل محطات لتحلية المياه. وفي لبنان، ثمة أمل ضئيل في أن تقوم الحكومة، المقسمة على أسس طائفية، بفعل أي شيء لوقف تراجع إمدادات المياه الذي تنبأت به وزارة البيئة هناك. وسوف تصارع دول مثل العراق وسورية؛ حيث دمرت الحرب البنية التحتية، للاستعداد لمواجهة مستقبل أكثر حرارة جفافاً.
تحاول بعض الدول كبح الانبعاثات على الأقل. وتقوم المغرب ببناء محطة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء، وكذلك تفعل دبي في الإمارات العربية المتحدة. ولن تتوقف المملكة العربية السعودية عن تصدير النفط، لكنها تخطط لبناء مصنع هائل للطاقة الشمسية، والذي سيكون حجمه أكبر بنحو 200 ضعف من المنشأة التي تعمل هناك اليوم. ومثل غيرها من البلدان التي تغمرها الشمس في المنطقة، تنظر السعودية إلى الطاقة الشمسية كوسيلة فعالة من حيث التكلفة لزيادة إمدادات الكهرباء وخفض دعم الطاقة. وتقول صفاء الجيوسي من "إندي أكت" IndyACT، وهي مجموعة لحماية البيئة في بيروت: "عندما بدأتُ العمل أول الأمر، كان الناس ينظرون إلى أنصار حماية البيئة باعتبارهم مجموعة عاطفية من محبي احتضان الأشجار. أما الآن، فأعتقد أن القضية الأهم هي الحجة الاقتصادية".
تستطيع الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تفعل القليل من أجل تخفيف تغير المناخ. ومع ذلك، فإنها ستحتاج بشكل حتمي إلى التكيف. وحتى الآن، تم فعل القليل في هذا الصدد إلى حد محبِط. ويقول موسى: "أشعر أحياناً بأننا ندور في حلقة مفرغة".
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Climate change is making the Arab world more miserable