الأستاذ نقيب المحامين الأردنيين الأسبق، مرشح الدائرة الثالثة في عمّان لمجلس النواب:
مع الإشارة إلى أنني لا أرجو لك فوزاً، وهذا حقي باعتباري مواطنة لها وجهة نظر في خطابك غير المقنع، وكوني مكترثة بالشأن العام (وهذه ورطتي)، ولفرط يأسي، قاطعت نأياً بذاتي عن هذا الأكوزيون الفج الذي لا يخلو من تهافت، مع ذلك، أكتب إليك، باعتباري زميلةً سابقة تعتقد أنك، وأنت النقيب، ارتكبت أخطاء كثيرة. وأنت النقيب الذي لم يمثلني يوماً، غير أني، وزملاء كثيرين، سلّمنا بفوزك في كل مرة، انصياعاً لصناديق نحترمها، مهما طغت في الميزان، ولم يكن أمامنا سوى الإقرار بالهزيمة، فنحن خصوم نلتزم بالتقاليد الديمقراطية العريقة لنقابتنا. ونحن، كما تعلم، تيار كبير متعدّد الأطياف ممن قد نُعتبر، ضمن تصنيفك البشر، علمانين ملاحدة، نطالب، بدون حياء، بدولةٍ مدنيةٍ تسعى إلى تحقيق أحلام الأفراد بالعدالة والمساواة، كما أننا نحب الفنون بكل أشكالها، لذلك حق علينا عذاب السعير. لم يكن أمامنا، آنذاك، سوى التسليم بالهزيمة الانتخابية التي أملتها فكرة الديمقراطية، انطلاقاً من إيماننا بأهمية الدور الذي ينبغي أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني درعاً حامياً للحقوق والحريات، تطبيقاً لدستورٍ ساوى بين المواطنين، من حيث الجنس والعرق والدين. ولا أخفي، بل أعترف بفخر كثير، بأني اشتغلت ضدك، كلما أتيح لي ذلك.
ما علينا. من حقك، زميلي السابق، أن تكون غير محب للفنون، ورافضاً إياها، ليس الباليه فحسب، بل الرقص الشعبي وعزف الربابة، وبالمرّة الفن التشكيلي يستحق أن تمقته (!). ولا ننسى الغناء والتمثيل، وغيرهما من مظاهر الفسق والفجور!. أنت تكره الفنون، ولا تريد أصوات (الرقّاصين)، على حد تعبيرك. هذه، إذن، مأساتك الشخصية. ويمكن اعتبار ذلك، من زواية ثانية، خللاً شخصياً، غير أنه يمكن علاجه في حالاتٍ كثيرة، إذا أراد المرء منه شفاءً، في حال رغب في أن ينتمي إلى الحياة، وأن يحتفل بها، ويثمّن الإرث الحضاري والجمالي للفنون التي خلدت تاريخ البشر، منذ اهتدى الإنسان إلى الرسم على جدران المعابد، والرقص تحت المطر في الغابات، ونحت الصخر في العراء، وكانت هذه وسائل تعبير سبقت اللغة بمراحل، وأكّدت على دور المخيلة في تمييزنا عن باقي مملكة الحيوان، فكانت البتراء ومعبد هرقل والأهرامات وحضارة بابل وكنعان وآثار أم قيس والمدرج الروماني وسبيل الحوريات، وغيرها، شواهد على عظمة الفنون العابرة للأزمان. ووثقت وسائل التعبير هذه، بالكلمة واللحن والمنحوتة، الإرث الإنساني المعرفي والفني والجمالي العظيم، وهذّبت ذائقة البشر، وارتقت بها. كذلك فعلت الإلياذة والأوديسة والشاهانامة والأساطير الإغريقية وخراريف الجدّات وموسيقى باخ وأفلام جاك نيكلسون وروايات نجيب محفوظ ولوحات شاجال والمعلقات وقصائد محمود درويش وصوت أسمهان، وصوت سيد النقشبدي عندما يهتف، بصوتٍ شجّي، من ألحان العبقري بليغ حمدي، مناجيا الله: مولاي، إنني ببابك قد بسطت يدي/ من لي ألوذ به إلاّك يا سندي.
غير ذلك الكثير مما لا يمكن حصره من تجليات الإبداع الفذّة التي تفجرت، ودامت عصوراً. ومع ذلك، لا مشكلة، أنت حر في ذائقتك، لا يملك أحدٌ محاسبتك عليها، لأن المزاج يحكم، أيها الزميل، وهذه منطقة حرة بالكامل، متعلقةٌ بالمستوى المعرفي ومقدار الحساسية للجمال، وهي متفاوتة بين الناس. أما أن تطلق حكماً أخلاقياً مطلقاً على الفنون (والمشتغلين بها) من على منبر انتخابي، وتعلن، بلا تردّد، أنهم سقوط أخلاقياً، فهذا ما لا يحقّ لك تحت أي ظرف. وبالتالي، أنت مطالبٌ بالاعتذار للفنانين والكتاب والموسيقيين والممثلين والرسامين والنحاتين وراقصي الباليه. وعلى وجه الخصوص، أقترح عليك الاعتذار من السيدة النبيلة، رانية قمحاوي، مدربة الباليه البارعة التي أخذت على عاتقها، على مدى عمر، تثقيف بنات الأردن وأبنائه جمالياً من خلال الفن. أرجو أن تعتذر منهم جميعاً، لأنهم تعرّضوا للإهانه والتجريح، ما آذى مشاعرهم وطاول من كرامتهم، ومن حقهم، والحال هذه، أن يقاضوك على ما صدر منك من تعريضٍ بهم، وأنت سيد العارفين، باعتبارك حقوقياً عريقاً.
دامت الفنون بأشكالها شعلة حضارة متقدّة لا تنطفئ، ولو كره الظلاميون المضادّون للحياة وأفراحها البسيطة