Off Canvas sidebar is empty

الطفل العامل بقلم سارة طالب السهيل

الاتجار بالأطفال، بأشكاله كافة، ظاهرة منتشرة في المجتمعات العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وقد سبق أن كتبت عن استخدام الأطفال كأيد عاملة، رغم عدم بلوغهم السن القانونية للعمل، ورغم كل المحاذير الصحية، خصوصا في أشغال شاقة على أيديهم الناعمة وأكتافهم الصغيرة.
المشكلة قائمة ولا تحتاج إلى أدلة، ورغم هذا فإن البعض يشيح بناظريه تغاضياً عن الحقيقة، متجاهلاً ما ينتج عن هذه الظاهرة من أضرار، ليس فقط على الطفل العامل نفسه وانما على المجتمع ككل. وأكثر الذين يتغاضون أرباب العمل أنفسهم لاعتبارات تتصل بربحيتهم، لأن أجور هؤلاء العمال الصغار متدنية، تكاد تكون عبارة عن مأوى ومأكل، والفارق بين الأجور القانونية والأجور غير القانونية، يذهب الى حيتان الأسواق وأصحاب الأعمال.
وفي دول العالم الثالث، حيث يتفشى الفقر والجهل واليتم والقهر، وتغيب الدولة ومعها مؤسسات الرعاية الاجتماعية، تحاول الجمعيات الأهلية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنها لا تملك الأموال اللازمة لرعاية وتأهيل الأعداد الهائلة من هؤلاء المشردين. هذه الجمعيات التي تعتمد على بعض التبرعات أو تتلقى مساعدات محدودة، تتعثر أحياناً في مهماتها، وكأنها تتوكأ على عكاز أو تمشي برجل واحدة. وفي بعض الحالات تتحول هذه المؤسسات الى مشروع نفعي أو ربحي، يلبس العاملون فيه أقنعة العمل الخيري، رغم انحرافهم عن مهمتهم الأساسية.
ورأيي الشخصي ان المؤسسات هذه ان استقامت، ليست العلاج المطلوب لهذه الظاهرة، إلا أننا نناشد دول العالم الثالث أجمع، حرصا منا على أي طفل من دون النظر الى جنسيته وعرقه ودينه، بأن تتصدى لهذه الظاهرة كوقاية قبل العلاج، وأن تسن قوانين جادة ورادعة لا صورية من أجل منع الاطفال من العمل اذا كانوا دون السن القانونية، حرصاً على صحتهم، الجسدية والنفسية والاجتماعية والسلوكية، فتتم معاقبة ذوي الطفل العامل ورب العمل معاً، كقصاص لا يفلت منه اي شريك في هذه الجريمة، على ان يكون القصاص مادياً على شكل غرامة يدفعها رب العمل، وعقوبة للأهل ورب العمل لعلهم يرتدعون. فمن تتركه لضميره لن تصل معه الى نتيجة إن كان لديه ضمير، والعقاب هنا ضرورة حتمية.
ثم ان سن القانون وعدم العمل به و متابعة تطبيقه لا جدوى منه خصوصاً في دول العالم الثالث حيث الطفل آخر اهتمامات الناس وحيث تنشغل عادة بقضايا الأمن والارهاب والقمع وإعاقة حريات الأفراد في بعض الحالات. وبعض الحكومات مشغولة بالمحافظة على مكاسب المسؤولين وحمايتهم، وهي تتجاهل أن هؤلاء الأطفال المحرومين من التعليم والرعايا التي يستحقونها من حكومتهم، قنابل موقوتة ستنفجر يوما في وجه هذه الأنظمة الأنانية التي تركتهم يواجهون مصيرهم من دون مد يد العون اليهم والنهوض بهم. وبعض هؤلاء الاطفال مرشحون لأن يصبحوا من أطفال الشوارع أو من المتسولين او المدمنين والمروجين للكحول والمخدرات، وربما المتورطين في أعمال ارهابية كالقتل والتفجير، ومن السهل شراؤهم، لأنهم محتاجون الى المال ولم يتلقوا أي تعليم يجعلهم يميزون الصواب من الخطأ، وأخيرا والأهم في نظري أنهم لم يشعروا بدفء العائلة وحنان الأم وعطف الأب. والدراسات النفسية تؤكد ان العنف يولد عنفاً وان معظم المخربين والارهابين والمجرمين لم يعيشوا في جو أسري صالح وبعضهم في الصغر لم ينعم بلمسات حنان ومحبة من والديه أو كلمة شكر وتقدير منهما. من هنا نستنتج ان على الدولة ان تدرج في أجندتها وقتا وجهدا للقضاء على هذه الظاهرة كنوع من الوقاية المبكرة من الجريمة وانعدام الأمن والسلام.
اود هنا ان اؤكد ايضا ان توفير البدائل لهذا الطفل وعائلته ضرورة ملحّة لتغيير الواقع، إذ من غير الممكن أن نمنع الأطفال من العمل، من دون تأمين مدارس توفر لهم الكتب والملابس وعلى الأقل وجبة غذائية واحدة يتناولونها داخل المدرسة اثناء الدوام، كي لا يكون علمهم عائقا في وجه أهاليهم الذين يعتبرونهم مصدرا للدخل في الأسرة، وحبذا لو شمل الإصلاح تأمين السكن الصالح للأهل أو وظيفة لأحد الأبوين.
طموحاتنا ليست صعبة ولابعيدة المنال مقابل ما نقرأه يوميا في الصحف وما نسمع عنه في الكواليس من عمليات نصب وإحتيال بالمليارات تذهب الى المجرمين كي يضمنوا رفاهية الجيل الرقم ثلاثين من هذه السلالة او تلك، خوفا عليها من الانقراض! وكل هذا على حساب الأطفال المحرومين وحقوقهم الشرعية وما يستحقون من عيش كريم. والأدهى ان المختلسين سواء من داخل مؤسسات الدول أو من خارجها لهم ازلام في كل مكان، ولا سيما في الاعلام، وهم يطالبون الأفراد العاديين بتحمل مسؤولية مساعدة المجتمع والأطفال. لا أنكر هنا دور الجميع، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ويد واحدة لا تصفق ولا تحل أزمة ؛ إلا أني ضد أن يتخذها اللصوص ذريعة لتخزين أموالهم التي هي أساسا موارد دولة اي حق كل المواطنين، لا ميراث عائلي مشروع. والجدير بالذكر ان اتفاقية حقوق الطفل التي تم التوقيع عليها من معظم الدول في ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٩ إعتبرت ان كلمة طفل تطلق على كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، وأن القانون يشمل جميع الأطفال من دون النظر الى عرقهم أو لونهم أو رأيهم السياسي. على سبيل المثال نصت الاتفاقية على أن تتخذ الدول الاطراف التدابير التشريعية والادارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة، ولهذا الغرض ومع مراعاة احكام المعاهدات الدولية الأخرى ذات الصلة تقوم الدول الأطراف بوجه خاص بما يلي:
ا) تحديد عمر ادنى او أعمار دنيا للالتحاق بالعمل.
ب) وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه.
ج) فرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة لضمان نفاذ هذه المادة بفعالية.
واذكر اني قرأت في احدى الصحف أن «foxconn» وهي أكبر شريك تصنيع لمنتجات شركة «أبل» الأميركية في الصين، اخترقت قوانين عمالة الأطفال حيث تم اكتشاف تشغيلها لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة كمتدريبن في مصانعها، ومعروف ان السن القانونية للعمل في البلاد هو ١٦ سنة، لكن الشركة بعد اعترافها تحملت المسؤولية الكاملة واتخذت إجراءات ضد الموظفين الذين كانوا مسؤولين عن هذا الانتهاك. نجد انه في الدول المتقدمة سرعان ما يتم الكشف عن هذه التحاوزات وملاحقة المرتكبين لهذه الامور واجبارهم على احترام القانون والعمل به.
وتسود الآن في الكثير من الدول تشريعات وقائية تحول دون تشغيل الأطفال. هذه القوانين تمنع من حيث المبدأ تشغيل الأطفال ممن تقل أعمارهم عن سن معينة، كما تمنع تشغيل الأطفال خلال اليوم الدراسي أو لعدد من الساعات يتعارض مع أداء الأطفال واجباتهم المدرسية لمن هم في سن الدراسة. كما تمنع هذه القوانين تشغيل الأطفال في حمل ما هو فوق طاقتهم أو رفعه. وتنص هذه القوانين على كثير من الشروط التي تضمن حماية الأطفال والشباب من العمل في المصانع والتعدين والتحجير وصناعة السفن. كما أن عمل الأطفال في المسارح والأفلام وصناعة الترفيه بصورة عامة يحتاج إلى ترخيص. وفي الدول العربية، صدرت قوانين تمنع تشغيل الأطفال في سن معينة. ففي المملكة العربية السعودية مثلاً، صدر قانون العمل والعمال الرقم 2299 تاريخ 19/9/1389هـ، والذي ينص على عدم جواز تشغيل الأطفال الذين لم يبلغوا الثالثة عشرة، وعدم السماح لهم بدخول أماكن العمل. كما نصّ بشكل عام على عدم جواز تشغيل الأطفال ممن هم دون سن الثالثة عشرة في الأعمال الخطرة أو الصناعات الضارة كالآلات في حالة دورانها بالطاقة والمناجم ومقالع الأحجار وما شابه ذلك. كما نص القانون على عدم جواز تشغيل هؤلاء الأطفال في فترة الليل. كما نص على أنه لايجوز إطلاقًا تشغيل الأطفال لفترة تزيد عن ست ساعات يوميًا.
قانون العمل الفلسطيني يعرف الحدث بأنه «كل من بلغ الخامسة عشرة من عمره، وبالتالي فإن الأحداث فئة عمرية لم تتجاوز الثامنة عشرة»، وفق مرحلة الطفولة من منظور قانون الطفل الفلسطيني، الذي عرف الطفل بأنه كل إنسان لم يتمم الثامنة عشرة من عمره، حسب المادة 1 من قانون الطفل الفلسطيني. وقد ميز قانون العمل بين فئتين عمريتين في مرحلة الطفولة، الفئة الأولى من لم يبلغوا سن الخامسة عشرة، وقد حظر القانون عمل هذه الفئة ًكليا، والفئة الثانية: من بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة، وهذه الفئة أكسب القانون عملها المشروعية، ولكن ضمن شروط وضوابط معينة هي:
 الكشف الطبي: اشترط قانون العمل الفلسطيني إجراء الكشف الطبي على الأحداث قبل التحاقهم بالعمل للتأكد من ملائمتهم الصحية له، وبعد ذلك يخضع الأطفال العاملين لكشف طبي دوري كل ستة أشهر. كما ألزم القانون صاحب العمل قبل تشغيل الحدث الحصول على شهادة صادرة عن اللجنة الطبية للبت من مدى ملاءمته للعمل.
ساعات العمل اليومي: تبلغ ساعات العمل الفعلي بوجه عام 45 ساعة أسبوعيا، أما في ما يخص الأحداث فتخفض ساعات العمل لهم ما لا يقل عن ساعة عمل واحدة يوميا. وقد حظر مجلس الوزراء تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات ونصف الساعة يوميا، وتواجده في مكان العمل لأكثر من سبع ساعات ونصف يوميا.
وأوجب القانون أن تتخلل ساعات العمل اليومي فترة أو أكثر للراحة لا تقل في مجملها عن ساعة بحيث لا يعمل الحدث أكثر من أربع ساعات متواصلة.
وطبقا للقانون المصري، يعتبر طفلا- في تطبيق أحكام القانون – كل من بلغ الرابعة عشرة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يبلغ سبع عشرة سنة كاملة. ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلا دون سن السادسة عشرة بمنحه بطاقة تثبت أنه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب القوى العاملة المختص.
وفي الهند صدر قانون المصانع في العام 1948، وهو يمنع استخدام الأطفال في المصانع، كما ينظم ظروف عملهم. ثم صدر بعد ذلك قانون بمنع استخدام الأطفال دون سن الرابعة عشرة في الأعمال الضارة أو الخطرة، كما ينظم ظروف عمل الأطفال في وسائل المواصلات والورش والمزارع. وفي هونغ كونغ يمنع الأطفال دون الخامسة عشرة من العمل في أي صناعة مهما كانت. وفي الفيليبين لا يسمح للأطفال دون الخامسة عشرة بالعمل إلا مع والديهم أو الأوصياء عليهم، وقد يسمح للأطفال بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة بالعمل عددًًا من الساعات يوميًّا بشرط ألا يتعارض ذلك مع التزاماتهم الدراسية.
هذه مجرد نماذج قانونية في التعاطي مع جريمة تشغيل الأطفال، ونأمل من المسؤولين معالجة هذه الظاهرة التي تعرض أطفالنا يوميا لشتى انواع العذاب من الضرب والاهانة والاعتداء الجسدي والعنف والقهر وانتهاك الكرامة، والمطلوب حلول حاسمة لا مسكنات ظرفية.