عندما نقلب بين قنوات الفضائيات أو بين أوراق الصحف أو المواقع الإلكترونية نجد الدسم و الخفيف .الجيد و السيء الوطني و المدسوس فبدانا نميز و نختار بينهم بعدما غربلت الظروف التي تشهدها بلادنا هذه المنابر بمواقفها الوطنية أو اللاوطنيه
فمنذ خمسة عشر عاما استطاع الاعلام الخاص بأوعيته المقروءة والمسموعة ان يجذب اليه الجماهير العربية بما استخدمه من جرأة في الطرح وكشف المسكوت عنه في فضاءات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية بينا بقي الاعلام الرسمي فاقدا لهذه الجرأة لكنه حافظ على منظومة القيم الاخلاقية والحضارية التي تربت عليها الاجيال قديما.
ومع تطور الاعلام الخاص وتقنياته العالية فرض حضورا طاغيا في المعالجات الاعلامية منذ الغزو الامريكي للعراق وتواصله مع ثورات الربيع العربي لكنه في المقابل لم يهتم سوى بجانب الاثارة التي تجذب الجماهير ومن ثم تجذب المعلنين ولأن سلاح الاعلام أشد فتكا من قاذفات القنابل، فان بعض وسائل الاعلام الخاص تم استخدامها في تفكيك الشعوب وتذكية الفتن الطائفية عبر عمليات غسل العقول مثلما حدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا، والله يستر على باقي الدول العربية.
اخيرا انتبه بعض الساسة لمخاطر الإعلام الخاص بعد ان ثبتت أضراره على الأمن القومي العربي، وما يحدثه من فرقة بين الشعوب العربية وهدم للهوية وللروح الحضارية، ولكن يقظة الساسة العرب جاءت متأخرا جدا لان بعض وسائل الاعلام الخاص نجح خلال ما يقرب من خمسة عشرا عاما في صناعة أجيال من الشباب تعاني خللا في منظومتها الفكرية والأخلاقية بعد أن نشأت على أفكار هذا النوع من الأعلام الذي قلب موازين القيم الأنسانية والدينية المتعارف عليها فجعل عبر الافلام والمسلسلات الدرامية من السرقة والسطو بطولة، وحول النصب ذكاء، وقدم مفهوم بر الوالدين على انه ذل، ويقدم الميثاق الغليظ كالزواج باعتباره رق واستعباد.
وأصابت بعض وسائل الإعلام الخاص المجتمعات العربية بأمراض مستعصية بتحويل طاقات الشباب إلى طاقات مهدرة واناس كسالي عبر برامج استنزفت أوقاتهم وعملت على إلهائهم عن النبوغ العلمي والفكري ببرامج هابطة، ومسابقات خاوية ثقافياً، و الأنكى من ذلك انها غرست في عقولهم ووجدانهم الحاجات المادية وأماتت الجوانب الروحية فتحولوا الي مستهلكين غير فاعلين ولا منتجين في مجتمعاتهم .
المتفرج!
الساسة العرب والعلماء المنتخصصين والمجتمع وقفوا حيال قدرات الاعلام الخاص في سلب الشباب موقف المتفرج لسنوات طويلة وهو يترك الشباب فريسة سهلة للأفلام الهابطة والأغاني التي أفسدت الذوق العام تعرضها هذه الفضائيات دون رقيب أو حسيب ليشاهد الاعمال الفنية التي تلعب على وتر إثارة الغرائز ونشر الرذيلة والعلاقات المريضه، والترويج لإدمان الخمور وتعاطي المخدرات.
لم يخجل أصحاب هذه الوسائل الاعلامية يوما من تقديم البرامج اللاأخلاقية التي تهدم الكيانات الأسرية مثل برامج تدريس الأطفال مواضيع أكبر من أعمارهم و توعيتهم على مواضيع لا تعني مرحلتهم العمرية بالإضافة الى برامج تتكلم عن ظاهرة المثليين، او صورة الام التي تركت ابنائها لتلحق بمن تحب، او صورة الاب المدمن الذي لا يتورع عن العلاقات المحرمة أو المريضة في داخل الأسرة أو خارجها وغيره الكثير.
واستمرارا في ضرب الشخصية العربية بالصميم وهدم هويتها الاخلاقية فان هذه تواصل سمومها بإعلانات بعض المنتجات التي لا تناسب عرضها على الشاشات، ونشر برامج الخرافات والشعوذة مثل برامج فك السحر وطرد العفاريت، وجلب الحبيب وغيرها.
أما العنف فحدث عنه ولا حرج، حيث تتبارى أدوات الاعلام الخاص في بث كل مواد العنف من أفلام ومسلسلات أو حوادث الارهاب التي تقع في العالم شرقا وغربا، لتغرس بذلك مشاهد العنف والقتل و إراقة الدماء في نفوس الأجيال الناشئة على انها ثقافة يومية وليست جرائم تهدم المجتمع .
بينما تحفل البرامج السياسية في الإعلام الخاص بنشر انواع العنف اللفظي الذي يتجاوز الادب إلى القذف والسب والشتم ين الضيوف المتحاورين خادشين بذلك حياء الجمهور، ومكرسين لنوع من ثقافة الحوار العنيف، فأي تسامح وآداب يمكن ان ننتظرها في مجتمعات يسيطر عليها هذه الانواع من الاعلام؟!
وبات لكل صاحب وجهة نظر، ان هذا اللون الاعلامي لا يعرف سوى نشر الفوضى بلغة الاثارة تماما كالصحافة الصفراء قديما لتحقيق مكاسب وقتية وتصفية الحسابات بين الخصوم علي حساب مجتمع بأسره، و التوظيف في نشر أفكار الطائفية والمذهبية لتفتيت شعوب المنطقة وتناحرهم.
ناهيك عن التقسيط السياسي لمن يستحق ولمن من لا يستحق و استخدام الإعلام وسيله للانتقام و نشر الشائعات و الروايات الكاذبة و الدباجات للصور و الأخبار الكاذبة و تركيب الفيديوهات للتعتيم على الحقيقة و إلقاء الضوء على الأكاذيب ليتساوى المجرم مع البريء فيقوم المجرم بتشويه صورة البريء حتى يفقده مصداقيته و جمهوره و يشتت الجمهور من حوله حتى لا يتم مقارنة الجيد بالسيء و يستسلم الشعب كونه لا يوجد على الساحة إلا السيء فيقبلون بالموجود و الأمر الواقع.
في المقابل، فان هذا اللون الاعلامي يفتقر المهنية الحقيقية ويقدم أنماطا مغلوطة لفهم الحريات ضربت القيم العليا في مقتل، بينما وقف الاعلام الحكومي عاجزا عن التصدي لوسائل جذب الاعلام الخاص لقلة موارده من جانب أو لعدم توافر الحرية اللازمة لتقديم معالجات اعلامية جاذبة للجمهور تتسم بالمصداقية واحترام عقول المشاهدين .
و أصبح لك حزب قناة و لكل فكر موقع و لكل طائفة صحيفه و لكل دين رجال ليسوا برجال دين و إنما فتوات تتناحر و تنشر الفتن و السب و اللعن و الشتم
فلا يضير ابدا وجود مواقع و قنوات تعبر عن جهة أو فكر معين لصالح الناس و لكن ليس لنشر التفرقة و الانقسامات
فهل الانفتاح الإعلامي كان إيجابيا على حياتنا اليومية الاجتماعية العائلية الأسرية ام كان نقمه غوغائية دمرت كل شيء
الإجابة ستكون عندما نقارن المجتمع و الأجيال و الاستقرار قبل 20 عام و الآن
فالإعلام ليس إلا أداة تعتمد نتائجها على كيفية إستخدامها
حسم
ان التشرذم والاقتتال المنتشر بين أبناء الوطن الواحد في أكثر من بلد عربي، استخدمت به المخابرات العالمية سلاح الاعلام بقوة لتقسيم دولنا العربية، والتفتيت الاجتماعي لقيمنا العربية والدينية والأخلاقية الرفيعة جاء أيضا بسلاح الاعلام ، وهو الامر الذي يوجب على الدول العربية مراقبة مصادر التمويل الخارجي لبعض الوسائل الاعلامية الخاصة، ومن يثبت تورطه فيعاقب فورا ليكون عبرة لغيره.
أما المؤسسات الاعلامية التشريعية في عالمنا العربي فهي مطالبة بسرعة تشريع القوانين الإعلامية والصحافة التي توفر الضوابط المهنية التي تحفظ المجتمع من التدني الاخلاقي والحضاري ليتحول العمل الاعلامي كما كان، بدلا من أن تعمل على تدمير الهوية العربية بداخل أطفالنا ويخلق لنا جيلا لا يشبه العرب بل مسخ ليس له روح.
وفي المقابل، فانه ينبغي تحفيز اية وسيلة اعلام خاص تكرس للحفاظ على قيمة الوطن، وتكرس برامجها لتشكيل الوعي ونشر القيم المعرفية والثقافية والاخلاقية والفنية الراقية التي ترتقي بالإنسان بعيدا عن أي ابتذال او عنف، وتحفز الشباب على العمل والعلم معا للمستقبل الواعد بالخير .