Off Canvas sidebar is empty

"جاسمين" قصة مشروع نسائي لتمكين اللاجئات السوريات


باميلا كسرواني*
"نحن مُعيل ولسنا عالة"، عبارة قد تصلح شعاراً لمشروع "Syrian Jasmine" (أو "الياسمين السوري" بالعربية) الذي أطلقته السورية لارا شاهين من العاصمة الأردنية عمّان العام 2014؛ في محاولة منها لمدّ يد العون للاجئات السوريات، من خلال تدريبهنّ على حرفة وبيع منتجاتهنّ، عوضاً عن مجرد تلقي المساعدات المالية الآنية التي تعتبر غالباً "غير كافية ولا تسد رمقا"، على حد قول شاهين.
وتشرح لنا شاهين خلال مقابلة على "سكايب" بكل عنفوان وإصرار وثقة بالنفس، كيف انخرطت منذ أن كانت في سورية في العمل الاجتماعي والإنساني، ولم تتوقف عنه عند انتقالها إلى عمان العام 2012: "أواخر العام 2013، صرت أفكرّ بطريقة مختلفة تماماً. فنحن عادة نساعد اللاجئين السوريين من خلال توفير الأكل والمأوى والدراسة، إلا أن ذلك غير كافٍ ولا يأخذ بعين الاعتبار العامل النفسي المهم جداً. فأنتِ لاجئة دُمّر بلدها وخسرت كل شيء، وعندما يأتي الناس لمساعدتك تشعرين بالذلّ، ولا سيما أننا شعب مبدع وحرفي وفنان. وحتى لو أن الظروف صعبة، فإننا نستطيع التغيير والسعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي".
العمل هو سلاح عوّلت عليه لارا شاهين عندما قررت أن تأخذ زمام الأمور وتُطلق مشروعها.
شاهين المولودة في دمشق العام 1982 خريجة معهد تجاري. إلا أنها، كما ذكرنا، طالما اهتمت بالعمل الإغاثي الذي واصلته في عمّان داخل المخيمات وفي منازل اللاجئين السوريين. وهنا تشرح لنا: "من خلال زياراتي لبيوت بعض الناس، لاحظت العديد من الأعمال اليدوية التي كانت تزيّن منازلهم، وتساءلت: لماذا لا نحوّل هذه الطاقة إلى عمل يؤمن معيشتهم؟ وهكذا انطلقت "جاسمين" للمشغولات اليدوية"؛ اسم يرتبط بدمشق، عاصمة الياسمين".
40 لاجئة سورية يُشكّلن أسرة "جاسمين" في عمان اليوم، تابعت نحو 1000 امرأة دورات تدريبية مع المؤسسة لتعلّم مختلف الحرف؛ من خياطة الكروشيه وحياكة الصوف، إلى صناعة الصابون العربي. وقد حوّلت أولائك السيدات هذه الحرفة إلى وسيلة لإعالة عائلاتهنّ، حتى إن العديد منهنّ هاجرن إلى مختلف دول العالم وحملن الحرفة معهن من أجل الاستفادة منها في بلد اللجوء.
وتخبرنا شاهين: "العام 2014، بدأت العمل مع 5 نساء سوريات تعرفت عليهن في عمّان، وكنّ يملكْن المصانع في سورية قبل أن تدمرها الحرب. واحدة كانت تمتلك معملاً لصابون الغار، وأخرى مصنعا للصوف والكروشيه... استفدنا من خبراتهنّ من أجل تنظيم الدورات الحرفية، وعلّمنا 250 امرأة في السنة الأولى من إطلاق المشروع".
ينقسم العمل في مؤسسة "جاسمين" إلى نوعين: الأول، في مقر المؤسسة، مع المنسوجات والخياطة والصابون المنزلي. والثاني، هو المنتجات التي تصممها النساء من منازلهن، وغالباً ما تتمحور حول حياكة الصوف أو الكروشيه.
وتشرح شاهين: "نملك أربعة أقسام في المقر: قسم الخياطة، حيث الماكينات والمنسوجات؛ وقسم الصابون؛ وقسم المعرض حيث نقدّم كل منتجاتنا؛ والقسم الإداري". وتضيف أنها توفّر للنساء اللواتي يعملن في المشغل أو من المنزل كل المواد الأولية الضرورية. وهنا تتنهّد قائلة: "في البداية، واجهت العديد من الصعوبات لأكتشف المصادر الرئيسة للمواد الأولية التي تقدّم أفضل الأسعار. كان الأمر صعباً، ولا سيما أنني غريبة عن البلد. أما في ما يتعلق بالمعدات والآلات، فساعدني الكثير من الأصدقاء على شرائها، أكان من الأردن أو من الخارج".
شاهين التي لا تُتقن أي حرفة يدوية من قريب أو من بعيد، إذ هي متخصصة بالأعمال، تراقب عن كثب عملية الإنتاج في المشاغل، لتوفّر أعلى جودة لمنتجاتها، حتى إنّها تشدّد على أنها تابعت دورة في صناعة الصابون للتأكد من أن كل شيء يسير على قدم وساق.
وبالفعل، حتى الآن نجحت في أن تُعيل اللاجئات السوريات اللواتي يعملن معها. فهي تقدّم راتباً ثابتاً شهرياً للواتي يعملن في المشغل، في حين تتقاضى السيدات اللواتي يعملن في منازلهن حصة بحسب كل قطعة وتأخذ المؤسسة نسبة معينة على المنتج. وتشرح: "غطاء الطفل مثلاً قد يكلّف 10 دولارات، وأجرة السيدة هي 10 دولارات. وبالتالي، أُضيف نسبة بين 15 و20 % على سعر البيع النهائي". وهي نسبة ضرورية من أجل استدامة "جاسمين"، ولا سيما أن شاهين تشدد على أن المؤسسة ليست خيرية، لا بل مؤسسة فردية ربحية لا تقبل التبرعات والمساعدات؛ لا بل إن المساعدة الوحيدة التي توافق عليها هي من الذين يعرضون عليها أن يبيعوا منتجاتها.
وبيع منتجاتها يعتمد بشكل أساسي على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديداً صفحة "ياسمين" على "فيسبوك". كما تعوّل على المنظمات الأجنبية التي تزورها وتشتري البضائع لتبيعها في بلدانها على غرار كندا والسويد وألمانيا والسعودية والكويت والإمارات، حتى لو بكميات قليلة، لأن المنتجات لا تملك شهادات منشأ.
المبيعات تساعد "ياسمين" على الاستدامة وتوفير لقمة العيش للعديد من اللاجئات السوريات، حتى لو أن البداية كانت بمبادرة شخصية من شاهين التي تقول: "بدأت مع 2000 دولار ومكتب بمساحة 40 مترا وأدوات بسيطة جداً، لأنني كنت أريد جسّ النبض واختبار نجاح فكرتي. ومبلغ 2000 دولار تحوّل إلى 4000 ثم 6000 وتمّكنا من تطوير ذاتنا".
لكن من هنّ النساء السوريات اللواتي استفدن وما يزلن من "ياسمين"؟ توضح شاهين: "جميعهنّ عشن الحرب وهربن من مدنهنّ؛ حمص، ودمشق، وحلب، ودرعا. هنّ بنات عزّ يعشن في المناطق المتضررة، خسرْن كل شيء في الحرب. هن سيدات يردْن تقديم شيء ولو بسيط لوطنهنّ من خلال العمل والتدريب. يعتبرْن أنهن يدربْن أجيالاً ستُساهم، عند العودة، في إعادة الإعمار، كما يحاولْن تفريغ الطاقة ونسيان ما حلّ بهنّ".
أم عماد، على سبيل المثال، لجأت من حمص، وهي قد تجاوزت الستين من العمر وأم لشهيدَين ومعتقل. يسكن معها 11 ولداً فقدوا الأم والأب. وهي ترفض أن يُشفق أحد عليها، وبالتالي جعلت من الخياطة التي تتقنها بمهارة عملها، ولتحضر يومياً إلى المشغل بغية العمل.
أما أم نورس، فقد توجهت إلى الأردن آتية من دمشق. وهي ما تزال حتى اليوم لا تصدّق ما حدث معها ولا تعرف شيئاً عن ابنها المفقود. وتسعى من خلال "الموزاييك"؛ أي الرسم على الخشب، إلى تفريغ مشاعرها والتعويض ولو بشكل بسيط عن ما خسرته.
هذه ليست إلا عيّنة صغيرة من قصص اللاجئات السوريات اللواتي انضممْن لأسرة "جاسمين" من أجل تغيير الوضع الراهن، واللواتي تجاوز عمر غالبيتهن الأربعين عاماً. ولعلّ إحدى السيدات اختصرت مهمة "جاسمين" بالقول إنها سورية الصغيرة في الأردن؛ كأننا نجتمع معاً في الشام، وعندما ينتهي العمل نعود إلى عمّان.
بعد نحو ثلاث سنوات على إطلاق "ياسمين"، قد تكون شاهين تخطّت العديد من العقبات، وساهمت ولو قليلاً في تحسين أوضاع اللاجئات السوريات في الأردن، إلا أنها تحلم بالقيام بالمزيد. إذ تريد أن تساعد المزيد من السيدات، وتدرس إمكانية توسيع نشاطاتها في دول أخرى مضيفة للاجئين السوريين. إلا أن أهم حلم لديها هو "رؤيتي لـ"جاسمين" في دمشق. أحاول تأسيس وتدريب كوادر قوية وعملية قادرة على العمل لاحقاً في سورية لتكون المؤسسة متواجدة في كل المحافظات السورية. هذه رؤيتي التي تشاركني فيها كل سيدات المؤسسة".
ويبقى الأهم، بانتظار أن يتحقق حلم العودة والعمل على أرض الوطن، أن "جاسمين" ساعدت في تغيير حياة العديد من السيدات السوريات؛ أكان على مستوى توفير لقمة العيش أو بناء شخصيات متينة. فتقول شاهين: "لاحظت التغيير على مستوى شخصية المرأة التي غالباً لم تكن تحتكّ بالعالم الخارجي. باتت قيادية وصار لها دور مهم في المجتمع، وتحولت من امرأة ضعيفة إلى امرأة قوية تريد أن يكون لها دور اقتصادي واجتماعي وسياسي".

الغد

*متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية