Off Canvas sidebar is empty

ابن المقفع في مطعم ادام في الدوحه

الدوحة -شووفي نيوز– رسمي الجراح *
ان تتناول غداؤك او عشاؤك في مطعم برفقة ابن المقفع ذلك امرا مغايرا وممتعا الى حد بعيد , ففي مطعم ادام في متحف الفن الاسلامي في قطر يحضر ابو عبدالله بن المقفع في كل ركن من اركان المطعم المطل على الكورنيش وسط المدينة فكتاباته من روائع الف ليلة وليلة تلهمك وتثري معرفتك وترتفع باللغة العربية وجمالياتها ورشاقتها الى علو وتقدير لما فيها من تعبير راق وافكار خلاقه .
ابن المقفع يروي في مطعم ادام قصص ترجمها في زمن مضى لكنه حاضر يرويها بخط عربي في كل ارجاء المطعم والراوي يقص عليك السندباد البحري والثعلب والحمامة ومالك الحزين و قصص اخرى طريفه ومثيره .
ان تناول الطعام ليس لمجرد الاكل والمضي مثقلا متثاقلا بل هو تثقيف واستمتاع بالتاريخ والادب فتناول الطعام في مطعم ادام طقس تاريخي بامتياز فجولة الزائر في متحف الفن الاسلامي قبيل التوجه الى المطعم تنقله الزائر اولا الى غياهب التاريخ ويكتشف المخفي والمجهول والغائب عن الذاكرة وتحضر الحقب التاريخية وجمالياتها وابداع الفنان الاسلامي على مر العصور وفي مختلف بلاد العالم
بساطة تصميم المطعم واعتماده على الكتابات الشعرية واعتماده اللونين الاسود الابيض له دلالات كثيرة وحتى اسم المطعم ادام الذي يعني ما يؤكل مع الخبز لتطيبه فاللون الاسود والابيض هما الضدان لا يتركان نفسيا أي تشتت للحاضر او من يتناول وجبته والسجادة الضخمة التي تتوشح بكتابات ابن المقفع عن الطعام وهي اشبه بالنصائح الغذائية مثل صفحة من كتاب انفتح على التاريخ , والكراسي التي نسجت عليها من الخلف كلمة السرور تعني ما تعني من البهجة للنفس والاقبال والترحيب وكلمة الجمال التي نسجت على طاولات المطعم فيها ما فيها من ترحيب اخر وهي اختيار لاكثر كلمة محببة للنفس الجمال والتي تحتمل الحب والطيبة والاشتياق وكل مفردات المودة .
والصحون والمعالق لها دلالات اخرى سكبت فيها احرف وكلمات عربيه بخطوط الرقعة والنسخ مما يعطي الاكل طقسا مختلفا فضلا عن طريقة الاستقبال والترحيب من طاقم المطعم فضلا عن مكتبه عموديه طويله وطاوله سطحها مرآه فيها الكثير من الايحاء وخزانتين فيهما مئات الانواع من اكواب الشرب الزجاجيه .
يمزج المطعم بين التقاليد المحلية مع الحداثة والمرتاد للمطعم يجد الاستمتاع بتجربة الطعام الذي يتجاوز الزمان و يفوق التوقعات, والديكور الذي يعتمد أحادية اللون هي تكريم للثقافة العربية وهي لمسة مدروسه فضلا عن بعض المفاجآت لفتح ذهن الناس وتناول الطعام بطريقة مختلفه .
عبد الله بن المقفع (106 - 142 هـ)(724 م ـ 759 )هو أبو مٰحَمَّد عبد الله روزبه بن داذویه وهو مفكّر فارسي زرادشتي اعتنق الإسلام, وعاصر كلاً من الخلافة الأموية والعباسية.
درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء واشترك في سوق المربد. نقل من البهلوية إلى العربية كليلة ودمنة. وله في الكتب المنقولة الأدب الصغير والأدب الكبير فيه كلام عن السلطان وعلاقته بالرعية وعلاقة الرعية به والأدب الصغير حول تهذيب النفس وترويضها على الأعمال الصالحة ومن أعماله أيضاً مقدمة كليلة ودمنة.
اشتهر (عبد الله بن المقفع) بذكائه وكرمه وأخلاقه الحميدة ونستطيع أن نعرف عنه صدقه من خلال كتاباته وحبه للأصدقاء حتى قال:"ابذل لصديقك دمك ومالك" وذات مرة سُئل ابن المقفّع عن الأدب والأخلاق فقيل له: "من أدّبك"؟ فقال: "إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته". وقد اتهمه حساده بفساد دينه، وربما كان الاتهام واحد من أسباب مقتله، ولا نجد في شيء من كتاباته ما يؤكد صدق هذا الاتهام.
جمع بين الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية، فنال من كل هذه الثقافات نصيبًا وافرًا من الفصاحة والبلاغة والأدب، ولا يخفى هذا الأثر الطيِّب إذا تصفّحتَ مؤلفًا من مؤلفاته، فتنهال عليك الحكمة من بين الأسطر، وتنعم بالأسلوب السلس، والذوق الرفيع
كان حافظا للجميل فمن أهم اقواله :"اذا أسديت جميلاً إلى إنسان فحذار ان تذكره وإذا اسدى إنسان اليك جميلاً فحذار ان تنساه " والعديد والعديد من الصفات الرائعه
في ظل الدولة العباسية اتصل ابن المقفّع بعيسى بن علي عم السفاح والمنصور واستمر يعمل في خدمته حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور. والأرجح أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ابن المقفع ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور، أماناً لعبد الله بن عليّ عم المنصور. وكان ابن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين (عبد الله بن علي والمنصور) حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في كتاب الأمان: إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت "نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته"، مما أغاظ المنصور فقال: "أما من أحد يكفينيه"؟ وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر فقيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور ويكرهه على أكل جسده مشويًا حتى مات.
* صحفي وفنان تشكيلي اردني