الأم هي مصدر والحنان والرعاية الامان والطمأنينة لأبنائها. فبحكم الطبيعة التي فطرها الخالق عليها فان الأم تعطي ابنائها عطاءا بغير حساب دون انتظار اي مقابل لهذا العطاء، فهي تريد فقط رؤية ابنائها سعداء وناجحين.
ولكن الكثيرات من الأمهات يواجهن مشكلات عديدة بسبب عنف الابناء في سني عمرهم المبكرة بسبب تمردهم على سيطرة الأسرة، ويبدأ هذا العنف في مراحله الأولى برفض الابناء للقيود الأسرية التي تضعها الأم بهدف الحفاظ على منظومة الاسرة وتكريس قيم الانضباط السلوكي والقيمي ويتطور رفض الأبناء لهذه القيود الى حد التمرد والعصبية، فيلجؤون الى فرض آرائهم بالعنف مثل تحطيم الأشياء من حوله، أو التعدي على والديه، ولا تدري الأم في هذه الحالة كيف تتعامل مع ابنها.
وكما قيل في الأثر الشعبي الجمعي " قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي علي حجر " فان هذا الاثر الشعبي الدارج يعكس حقيقة حكمة مستخلصة عبر مئات السنين لمظاهر عقوق الوالدين خاصة الام.
فالأم تدفع ثمنا باهظا لما أودعه الخالق في قلبها من رحمة وحب لأبنائها، وتتحمل في سبيل هذا الحب الكثير من الأذى فتغفر دوما بينما تزداد قلوب الابناء قسوة وجحودا ضد امهاتهم، لأنهم خبروا بالتجربة العملية مع الأم انها اكثر صبرا وتحملا وعفوا، وان كلمة صغيرة من ابنها تكفي لجبر خاطرها عند انكسارها نفسيا.
وابناء اليوم مشغولون عن امهاتهم بأصحابهم وأجهزتهم المحمولة، ولا يفكرون بحاجة الام لمبادلتهم الحديث او الاستماع لما يشغلها او يؤلمها، وهي تقابل كل ذلك بالعطاء والعطف والعفو الكريم.
والدراسات الاجتماعية التي أجريت في هذا الصدد ذهبت لتأكيد ان اكثر من 75% من العنف موجه من الآباء والأبناء موجه للأم سواء عنف لفظي بالصوت العالي، أو الألفاظ الجارحة او العنف البدني والتطاول بمد اليد 75% وذلك نتيجة استضعاف الابناء للأم مقارنة بالأب.
وباستطلاع اراء الشباب الذين يمارسون العنف ضد امهاتهم، فان بعضهم يقول نحن نعرف ان اكبر عقاب من الام لنا هو مجرد التوبيخ والصراخ تنفيسا عن غضبها، والبعض الآخر يقول ان الام حريصة على علاقة الحب والود معنا وبالتالي لن تحتمل فراقنا او زعلنا وتنتهي الازمة بيننا بالاعتذار لها وخلصنا و بعضهم يقول والدتي ليس لها مأوى و لا شهادة جامعية و لا وظيفه فأين ستذهب؟
وهنا فان الابناء كما يرى خبراء علم النفس يستغلون حب الام ليفعلوا بهذا الحب ما يشاءون ، ودون ان يحرص على مقابلة هذا الحب بالانتماء والوفاء والرجولة والشهامة.
هذا الاستغلال من جانب الابناء للأمهات يدمر أهم قيمة في حياتنا وهي قيمة الحب وتقديره حتى يفيض بالخير على الانسان دنيا ودين معا، ويهدر نعمة الجهد الذي تبذله الام لأبنائها في رعايتهم بإطعامهم والسهر على راحتهم والعمل على اسعادهم بكل وسيلة.
ويزداد تجاهل الابناء لإماتهم بعد زواجهم وهو نوع من العنف النفسي، وهو جعل صحيفة الجارديان تقول ان الشباب والشابات بعد زواجهم يتصلوا بأمهاتهم 5 دقائق كل اسبوع يعنى 5 دقائق كل 10 آلاف دقيقة، انا ضامن لو لم اتصل هي ستتصل.
ولعل عدم ادراك الابناء لقيمة هذا العطاء المتفاني والمخلص من الامهات، يجعل هؤلاء الابناء فيما بعد غير مدركين لمفهوم القيمة ويفقدون كثيرا من الثوابت الاخلاقية الانسانية الضرورية في الحياة، فضلا عن ادراك اهمية الله الخالق نفسه جل شأنه.
ولذلك فان جل فتاوي العلماء والفقهاء في هذا الشأن تصب في اتجاه حفظ كرامة الام وحفظ مقامها في قلب الابناء عملا وقولا وسلوكا، بل ان الارتباط القوي بين الابناء وامهاتهم قرين بارتباطهم بخالقهم وتقديسهم له جل شأنه.
فطاعة الام اساس عظيم لطاعة الله تعالى، ولعل الامثلة على ذلك في مواقف الرسول صل الله عليه وسلم والصحابة والصالحين تؤكد هذا المعني ـ ومنها علي سبيل المثال لا الحصر ـ عندما سأل طلبة العلم عطاء ابن رباح ماذا أفعل عندما تحبسني امى عن الليلة المطيرة عن صلاة الجماعة ، فقال له اطعها. وفي المسيحية كانت ام يسوع المسيح السيدة مريم العذراء نموذج لاحترام الام وتقديسها .
فجور الابناء
وكثيرا ما يقابل الابناء عطاء الام المخلص في الحب والود والرحمة بالعقوق والعنف الذي قد يصل الي حد الفجور والجريمة بالنهر والزجر و النفي والقتل!. فالكثير من الابناء يقابلون احسان الام ورحمتها بالتطاول ونكران الجميل خاصة عندما تكبر ولا تقوى على تدبير امور حياتها وضعف حالتها الصحية، فيقابل الاحسان بالإساءة بنفيها في دور رعاية المسنين او اهمال رعايتها صحيا او تجاهل احتياجاتها المادية والنفسية وغيرها من أشكال العنف الموجود في كل المجتمعات شرقا وغربا.
ورغم ان الاديان السماوية تكرس لقيمة رعاية الام واحترامها وتقديرها خاصة عند الكبر كما في الاسلام الذي جعل عقوق الوالدين من الكبائر، وكما ورد في محكم كتاب الله تعالى " فإما يبلغن عندك الكبر احداهما او كلاهما، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ".
فإنسان العصر الحديث تجاهل هذا الامر الالهي بالإحسان الى الوالدين خاصة الام وارتكب افظع الجرائم بحق مصدر الحنان والرحمة، حيث سجلت صفحات الحوادث عشرات الجرائم الشيطانية بحق الام من ضرب وطرد من المنزل، وذبح طمعا في المال او تحت ضغط الزوجة التي قد تسعى لتشويه صورة الام بما يدفع الابن الى التخلص منها، وبعضهم يلوي عنق القانون ليرفع دعوى حجر ضد أمه وغيرها من المبررات.
يقع العنف من الابناء ضد الامهات في الوقت الذي تغيب فيه العقوبات الرادعة التي من شأنها وقف هذه الظاهرة.
سجلات مؤلمة
سجلت وسائل الاعلام والشرطة المدنية في مختلف انحاء العالم العربي جرائم مؤسفة ارتكبها الابناء بحق ذويهم خاصة الام من قتل وعنف بما يشكل أعلى درجات العقوق والطرد من رحمة الله تعالى.
فنقرأ عن شاب يقوم بتقييد والدته المسنة بحبل في يديها وقدميها ومن ثم ينهال عليها ضرباً وركلاً بسلك كهربائي حتى أوشكت على الموت لولا لطف الله وتدخل الجيران بسبب خلاف مادي.
وشاب آخر يطعن والدته حتى الموت عقب مشادة كلامية، وشاب ثالث يقتل والدته المسنة المقعدة في جبل عسير ويضرم النار في جثتها من أجل بيع المنزل والحصول على ثمنه.
واضطرت احدى الامهات الدخول لاحدى دور رعاية المسنين وهى سيدة مسنة بعد ان عانت من جحود أبنائها والذين تركوها بلا عائل بعد وفاة والدهم، ورفضوا حتى مجرد الإنفاق عليها.
والشاب الداعشي الذي قتل والديه و عذب امه قبل القتل على زعمه ليدخل الجنة بقتلهم وبعض الشباب من مدمني المخدرات وما يقومون به يوميا من تعذيب نفسي و جسدي لأمهاتهم كما يقومون بالاستقلال المادي و استخدام الترهيب ز التخويف مع استعطاف الام لما تراه من حال ابنها المدمن تقل نسبة تعذيب الام على يد البنات مقارنة بالأولاد الا انه هناك الكثير من البنات العاقات اللواتي يفكرن فقط في مصالحهن و حياتهن و سعادتهم متناسين تعب و عطاء و تضحيات امهاتهن في الصغر الذي حان وقت رد الجميل بالعطف والعطاء كما أن اكثرهن بعد الزواج يتركون امهاتهن للمرض والوحدة فمنهم من يسكنها دار المسنين او المستشفيات ومنهم من يتركها في المنزل مع خادمة ومنهم من يتركها بالشارع .
وقد شاهدت بنفسي الكثير من الحالات الصعب جدا احتمالها عاطفيا في دور المسنين التي كنت ازورها بشكل دوري فكنت أرى بنفسي واسمع القصص فاحد الأمهات الحسنات روت لي كيف اخذها ابنها الى شارع بعيد لا تعرف كيف تعود للمنزل فأحضرتها الحكومة للدار بدلا من البقاء في الشارع و روت لي سيدة مسنة كيف كتبت املاكها لأولادها في حياتها فطردوها من ملكها الذي اهدته لهم و روت لي سيدة أخرى كيف أن زوجة ابنها الشريرة لم تقبل وجودها بحياتها و اودعتها دار المسنين تتعدد مظاهر العنف والجريمة بحق الامهات بصفة خاصة وهي جرائم لا يغفرها الخالق، وان كانت الام تغفرها، لان هذه الجرائم تعكس من جانب أخر قسوة القلوب، وهذه القسوة تفضي فيما بعد أي جريمة محتملة.
وأنا لا تصور ان تبذل الام كل ما في وسعها من عطاء معنوي ومادي وتقابل بجحود الابناء، فالإحسان الذي تقدمه الام لابد وان يوازيه احسان من الابناء بالتقدير والاحترام والرعاية عند الكبر للام التي بذلت روحها ونفسها لأجلهم. فهؤلاء الأبناء لهم خلل مؤكد نفسي يحتاج إلى علاج و اعتقد ايضا انه كان هناك خلل بالتربية عند الصغر ربما كثرة الدلال او عدم تحمل المسؤولية و من الممكن استخدام العنف معهم و احتمال بسبب الغيرة من الام منذ الصغر لأسباب نفسيه و قد يكون لأسباب تربوية أدت إلى تكون شخصية الأبناء على تفضيل المال عن العاطفة و الاهل .
من هنا يجب تلافي هذا الأمر ومواجهة أسبابه اولا لمعرفتها و تحليلها و العمل على إصلاح المجتمع و خاصة في صغار اليوم شباب المستقبل من المهم أن تقوم الام على تربية أولادها تربية صحيحه و تعليمهم كيفية احترامها و تقديرها و ان يحسبون لها حساب و تعليمهم ان الدنيا اخد و عطاء و نبذ الأنانية و تحمل المسؤولية و التعاليم الدينية في هذا الشأن و تعليمهم قيم المحبة و العطاء والتضحية .
أما وان يترك الابناء امهاتهم بلا نفقة أو رعاية او يتطاولن عليهم بأي شكل من أشكال العنف والجريمة فهذا يخالف الفطرة التي خلقها الله في الانسان من نعمة البر والاحسان.
وفي تقديري ان القوانين العربية غير كافية في حماية الامهات من عنف الابناء، وهي بحاجة للتغير والتطوير بما يضمن وجود عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه ممارسة العنف والضرر بالأم خاصة عند كبرها .
[وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه و بالوالدين أحسانا ] فقرن الله عبادته بالإحسان للوالدين كما قال رسول الله امك ثم امك ثم امك و قال الجنة تحت أقدام الأمهات ، وفي الكتاب المقدس - أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (سفر الخروج 20: 12)-
وقال وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 1-5)
وفي الدين الاسلامي [وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ]
وحتى ان لم يكونا من المحسنين او لم يربياك صغيرا حتى وان كانوا مقصرين او حتى ظالمين فلا تكن انت اسوء منهم بل على العكس اكرمهم ليس ردا لعطاء او جميل إنما الخير من أجل الخير من أجل القلب الأبيض الذي بداخلك من أجل الضمير والأم ليس فقط امك التي انجبتك فالبر يجب أن يمتد الى زوجة الاب و الخالات و لا العمات، والأهم ام الزوج فوالدة زوجك هي امك الثانية يسري عليها كل القوانين الأخلاقية و الأدبية التي تسري في تعاملك مع امك ، وتأكدوا انه كما تدين تدان و انك تحصد من أبنائك ما زرعته انت مع امك وأبيك .