Off Canvas sidebar is empty

الملابس المثيرة ليست مبرراً للتحرش الجنسي


لندن - ملابس النساء المثيرة قد تثير غريزة الرجال، ربما تبدو هذه النظرية مكررة وتقليدية، ولكن هل تعد ملابسهن مبرراً للتحرش بهن؟ من الناحية النظرية والأخلاقية نتفق أن الملابس ليست مبرراً لأي جريمة خاصة الاعتداء الجنسي، إلا أن العلم أيضاً يثبت ذلك، فليس هناك أي داعٍ للوم الضحية والتبرير للمتحرش بعد الآن.

أورد دين بورنيت، طبيب متخصص في علم الأعصاب، يُحاضر في مركز تعليم الطب بجامعة كارديف البريطاني، في مقاله المنشور على صحيفة The Guardian البريطانية، أن تحقيق استقصائي لمراسلين بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية تسبب في إثارة عاصفةٍ من الانتقادات حول ملهى Presidents الليلي.

إذ تسببت تقاريرهم التي أوردوها عن حفل عشاء سنوي تضمَّن تحرُّشاً شنيعاً ببعض نادلات الملهى - اللواتي يتقاضين أجراً لتقديم الأطعمة والمشروبات من أجل تلبية أهواء رجال أثرياء - في إغلاق الملهى بسرعة.

و بحسب هذه ليست سوى أحدث فضيحةٍ في سلسلة طويلة من الفضائح المتعلقة بتورُّط رجالٍ من ذوي المناصب العالية والنفوذ في إساءة معاملة النساء والتحرش بهن والتلاعب الجنسي بهن. وتشير ردود الفعل القوية على الفضائح التي كُشِفت في ملهى Presidents وحركة #MeToo (أنا أيضاً) المستمرة إلى أنَّنا ربما نَمُر بتحوُّلٍ اجتماعي طال انتظاره حين يتعلق الأمر بسياسات وأفعالٍ جنسية، لا سيما من جانب رجالٍ يستغلون سلطتهم لمضايقة النساء.

هناك حجةٌ جاهزة تقليدية ينبغي مناقشتها: ألا وهي أنَّ النساء اللاتي يتعرضن للاعتداء هُنَّ المسؤولات عن ذلك بطريقةٍ ما بسبب نوعية ملابسهن. وذُكِرت هذه الحجة -التي غالباً ما يستخدمها رجالٌ غاضبون ومعارضون يمينيون سعياً للفت الانتباه إليهم- في فضيحة ملهى Presidents كذلك مع أنَّ النادلات كُنَّ يرتدين ملابس معينة وفقاً لتعليمات صارمة من مديري الملهى.

تستند هذه الحجة إلى استنتاجٍ مفاده أنَّ المرأة يمكن أن ترتدي ملابس معينة تثير رغبةً جنسية قوية لدى الرجل، فتزداد إثارته إلى أن تصبح خارج السيطرة. فالمرأة هي التي اختارت نوعية ملابسها، أمَّا الرجل فقد أُثير مرغماً، ومن ثمَّ فالخطأ يقع على المرأة.

لا نزال بعيدين عن فهم هذا الأمر بدقة، لكنَّ الأدلة الحالية تشير إلى أنَّ الإثارة -أو بالأحرى "الرغبة"- لها العديد من العناصر الإدراكية فضلاً عن الخصائص الفيزيائية الأساسية. فحين نرى شيئاً، تُحلِّله القشرة الجبهية الأمامية - عبر وصلاتٍ إلى الأنظمة العاطفية وأنظمة التحفيز الذاتي الأساسية - وتحدد ما إذا كان جنسياً بطبيعته، وما إذا كان جنسياً "بدرجةٍ كافية" (فعلى سبيل المثال، نجد بعض الأشخاص مثيرين، بينما لا نجد البقية كذلك). وإذا كان جنسياً، يوجَّه اهتمامنا نحوه وتُنشَّط العمليات العاطفية والتحفيزية عبر اللوزة الدماغية والقشرة الحزامية الأمامية على التوالي. تتضمن هذه العملية تفاصيل معقدة إلى حدٍ لا يُصدَّق، لكنَّ الأنظمة العصبية التي تتحكم في الإثارة والرغبة لها بالفعل العديد من التأثيرات القوية عبر أجزاء مُهمة في جميع أنحاء دماغنا.

إحدى الحجج الداعمة لمقولة إنَّ الرجال ضعفاء بطبيعتهم أمام الإثارة الجنسية بسبب المظهر، هي الأدلة التي تشير إلى أنَّ الإثارة لدى الذكور لها طبيعة بصرية بدرجة أكبر بكثير من مثيلتها لدى الإناث. يبدو أنَّ ثمة أساساً سليماً للصورة النمطية القديمة التي تقول بأنَّ رغبات الرجال الجنسية أقل تطوراً وتعقيداً من رغبات الإناث (فالرجال مثلًا يفضلون مشاهدة الأفلام الجنسية، أمَّا النساء فيفضلن القصص المثيرة). يقول البعض إنَّ الذكور قد تطوَّروا لـ"ينشروا بذورهم" مع أي أنثى متاحة ومرغوبة، أمَّا الإناث، اللاتي يقمن على مهام تربية الأطفال، قد تطوَّرن ليبحثن عن صفاتٍ أعقد وأكثر رسوخاً في شركائهن من جمال مظاهرهم.

ويبدو أن اللوزة الدماغية، التي سبق ذكرها، تقوم بدور في تحديد مدى ملاءمة الاستثارة في السياق. شخص عارٍ جميلٍ يقف أمامك في غرفة النوم؟ بالتأكيد، يحق لك أن تُستثار. شخص عارٍ جميل يقف أمامك في أحد المتاجر يمسك سكيناً كبيراً؟ الاستثارة خطأ هنا. اللوزة الدماغية هي المنطقة التي يُعتقد بأنَّها مسؤولة عن هذا.

ومع هذا، فمن الممكن أن تتعرض أنظمة التحكم هذه إلى الاختراق. تناول الكحول يمكن أن يعيق عمل المناطق العليا والمعقدة من الدماغ، مثل القشرة المدارية الجبهية، تاركةً الرغبات الأكثر بدائيةً لتتحكَّم في الاستثارة دون ان تؤثر فيها. واللوزة تفعل ما بوسعها، لكنها تعمل وفقاً للمعلومات المتاحة. إذا كان الموقف ملتبساً، أو غير مؤكد، فربَّما تتخذ قراراً خاطئاً.

للمرأة أن تختار ارتداء ملابس ملفتة، لكن قرار لمسها دون دعوة أو موافقة لا يزال مسؤولية الرجل. إذا كان الرجل في حالة سُكرٍ بحيث لا يستطيع التحكم في أفعاله، فقد كان الوصول إلى هذه الدرجة من السكر قراره هو. قول "لم أستطع منع نفسي" ليس عذراً مقبولاً عن أمور مثل القيادة تحت تأثير الخمر، والقاعدة نفسها ينطبق هنا، او على الأقل هذا ما ينبغي أن يكون. قول "أنا مسؤول عن أفعالي.. إلا في هذا الموقف" هو حجة ضعيفة مهما قلَّبت النظر فيها.

يمكن للمرء أن يشير بإصبع الاتهام إلى كثير من الناس عندما يأتي الحديث على الاعتداء الجنسي، لكن إلقاء اللوم على الضحايا من النساء واختياراتهن من الملابسن يحتاج إلى ليِّ عنق المنطق السليم لياً. لكن لوم الضحايا، الذين هم عادةً الأضعف والأقل نفوذاً في أي موقف، هو، للأسف، رد فعل إنساني شائع؛ لأنه يتجنب معالجة القضايا الكبرى وتحدي الوضع القائم. لا يبدو أنَّ الذين يلومون الضحية يستطيعون التحكم في شهواتهم؛ لذا فربما لا عجب أنَّهم غالباً ما يحاولون الدفاع عن الآخرين الذين يبدون مثلهم؟