Off Canvas sidebar is empty

لماذا نحتاج أحيانا العزلة عن الآخرين؟


عمان- هل أنت شخص يميل للبقاء وحيدا؟ وهل تستمتع بهذا الأمر، أم تجد نفسك في بعض الأحيان بحاجة لوقت تمضيه بعيدا عن الآخرين؟ هذه الحالة يشار لها بالعزلة، والتي تشمل غياب أي تفاعل اجتماعي وجسدي أيضا، والتي صاغها جلال الدين الرومي بـ مقولة “الوحدة تعني أن تكون وحيدًا.. أما الخلوة فهي تعني أن تكون وحدك دون أن تشعر بأنك وحيد”.
فالناس تصف بعضها بحسب قدرتها على أن تكون اجتماعية من حيث الطابع، والتي تميز بين من يود أن يكون أكثر انفتاحا أو يميل للانطوائية، ولكن درجة التفاعل الاجتماعي في كثير من الأحيان تختلف بالاعتماد على الظروف العاطفية والظرفية.
ولدى التفكير بأولئك الذي يميلون للبقاء بمفردهم، نظن ببادئ الأمر أنهم مختلفون من باب أننا كبشر ننتمي للنوع الاجتماعي، وتقوم تجاربنا على التطور والانتساب والاعتماد على الآخرين للبقاء والصمود في هذا العالم القاسي، وهذه الحاجة لم تتناقص بالنسبة لمعظمنا بل أن أغلب من يفضل العزلة يدرك أهمية التفاعلات الاجتماعية وينخرطون بها أحيانا بحسب حاجتهم.
فمثل هذه التفاعلات الاجتماعية، تعزز احترام الذات من خلال وجود آخرين يشابهونها، وتنمي مهارات التواصل والإدراك، فضلا عن قراءة الصورة التي يراها الآخرون بك، والتي تظهرها ردود أفعالهم، والتحفيز الذهني والعاطفي، ودافع لتحسين وتطوير الذات في مجالات لم تخطر على البال وتطور رباط الصلة والمشاركة مع الآخرين.
لماذا نحتاج للعزلة؟
الباحثون في علم النفس والاجتماع منهم لارسون يرى أنها تعني الغياب الذي يؤثر على كل الاحتياجات منها الدعم العاطفي والتفاعل مع الآخرين والاستجابة للمحيط، ولكن هل فعلا يؤثر الانفصال عن الآخرين، ومن ثم شعور الفرد بالرفاهية؟
الأمر كله يعتمد على سبب اختيار الفرد للخصوصية، ومنها: استعادة التوازن، والتخلص من التوتر المرتبط بمطالب الآخرين وضغوطات العمل، فرصة لإعادة شحن الذات والذهن، الحساسية للنقد والحكم من المحيط، وأيضا الميل للشعور بالراحة بعيدا عن التجمعات.
فالعزلة وتفضيلها على أي تفاعل اجتماعي، لا يعني أن الفرد يعاني من خطب ما، الا أنها تمثل مساحة للتنفس واستعادة التوازن، للتأمل وإعادة تقييم الأمور والتخلص من كل المشاحنات الحياتية واليومية، وهي مرحلة تنموية مهمة للذات، خاصة خلال فترة المراهقة، حيث يسعى المراهق للعزلة هربا من حكم الآخرين، والتعامل مع مشاعرهم وأفكارهم والقيام بتأمل ذاتي، تأكيدا لأهمية الخصوصية ورسم مساحتها.
كما أن العزلة مطلب لمن يمر بتغييرات حياتية مهمة، وهي فرصة للتفكير فيما يتعلق بأي مشاكل، سواء في اتخاذ قرارات مدروسة، فضلا عن تعزيز الشفاء والتعافي، ولكن لا يمر الكل بحدث رئيسي، ولكنهم يبحثون عن العزلة أيضا كملاذ للتخلص من تلك الضغوطات الاجتماعية، حيث يشعر الفرد بأن وعيه غير متوازن، وهذه العزلة والابتعاد تنشط قدرته على التعامل بوعي مع الأحداث مجددا.
العزلة تعزز الاستقلالية والثقة في قدرة الفرد بنفسه على تجاوز الأمور دون الحاجة لأي دعم اجتماعي، فالهدوء الذي توفره العزلة أيضا يحسن من السلوك الشخصي والعلاقات، لأنها تجربة تخلو من أي تفاعل اجتماعي، وأكثر التجارب المستمدة منها هي الابداع والنمو الروحي واكتشاف القيم والذات دون أي تدخل وإلهاء، وسط تركيز عال.
فهذه العزلة التي يبحث عنها الفرد أحيانا وسط صخب الحياة اليومية، تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على صحته العقلية والبدنية، وتحسن من قدراته على إدارة أموره الحياتية بعزم وتوازن أكبر.