المزارالشمالي-لطالما كانت الدهون الغذائية مصدرا لجدل واسع النطاق بسبب الأضرار الصحية التي من الممكن أن تسببها، خاصة الدهون الحيوانية وزيت جوز الهند. ومع ذلك، هناك إجماع كبير على الفوائد الصحية الهائلة لزيت الزيتون البكر الممتاز (المحتفظ بخصائصه وفيتاميناته الطبيعية)، إذ يعتبر عنصرا غذائيا أساسيا في حمية البحر الأبيض المتوسط التي يتبعها أكثر شعوب العالم صحة.
وتشير الدراسات إلى أن الأحماض الدهنية ومضادات التأكسد اللتين يحتوي عليهما زيت الزيتون لهما فوائد صحية هائلة، بما في ذلك انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب.
في هذا الصدد، تطرق الكاتب، كريس غانرس، في تقريره، الذي نشره موقع “هيلث لاين” الأميركي، إلى الأسباب التي تجعل زيت الزيتون البكر الممتاز أحد أبرز الدهون الصحية.
ما هو زيت الزيتون وكيف يتم إعداده؟
أفاد الكاتب بأن زيت الزيتون يعد زيتا يستخرج من ثمرة الزيتون، وعملية إنتاجه في غاية البساطة، حيث يستخرج الزيت إثر الضغط على حبات الزيتون. في المقابل، تتضمن الأساليب الحديثة سحق حبات الزيتون، ومزجها مع بعضها بعضا، ثم فصل الزيت عن اللب في جهاز الطرد المركزي.
وبعد عملية الطرد المركزي، تبقى كميات صغيرة من تفل الزيتون، ويمكن استخلاص الزيت المتبقي باستخدام المذيبات الكيميائية التي تعرف باسم زيت تفل الزيتون. والجدير بالذكر أن هذا النوع من الزيت عادة ما يكون أرخص ثمنا، مقارنة بزيت الزيتون العادي، ولا ينصح بتناوله.
يعتبر شراء النوع الصحيح من زيت الزيتون أمرا بالغ الأهمية، حيث يوجد ثلاث درجات رئيسية من زيت الزيتون، ألا وهي المكرر، والبكر، والبكر الممتاز. ومن بين هذه الأنواع، يعتبر زيت الزيتون البكر الممتاز أقلها معالجة أو تكريرا وصحيا أكثر، حيث يستخرج باستخدام طرق طبيعية وموحدة للحفاظ على نقائه وبعض الصفات الحسية مثل الطعم والرائحة.
يتميز زيت الزيتون البكر الممتاز بطعمه المميز، كما أنه غني بمضادات التأكسد الفينولية، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعله مفيدا للغاية. وقانونيا، لا يمكن مزج الزيوت النباتية التي تحمل علامة زيت الزيتون بأنواع أخرى من الزيوت. ومع ذلك، يعد من الضروري فحص الملصق بدقة والشراء من البائع الذي يتمتع بسمعة طيبة.
التركيبة الغذائية لزيت الزيتون البكر الممتاز
زيت الزيتون البكر الممتاز مغذ، حيث يحتوي على فيتامينات “إي وكي” (E&K) والعديد من الأحماض الدهنية المفيدة.
وتحتوي ملعقة واحدة من زيت الزيتون (13.5 غراما) على ما يلي:
● الدهون المشبعة: 14%.
● الدهون غير المشبعة الأحادية: 73%.
● فيتامين إي: 13% من القيمة اليومية.
● فيتامين كي: 7% من القيمة اليومية.
والجدير بالذكر أن زيت الزيتون البكر الممتاز غني بمضادات التأكسد التي يمكن أن يساعد بعضها في مكافحة الأمراض الخطيرة. وتحتوي مضادات التأكسد الرئيسية الموجودة في الزيت على مادة “أوليوكانثال” (oleocanthal) المضادة للالتهابات، بالإضافة إلى مركب “أوليوروبين” (oleuropein) الكيميائي.
زيت الزيتون البكر الممتاز يحتوي على مواد مضادة للالتهابات
ذكر الكاتب أن الالتهابات المزمنة تعد من بين الدوافع الرئيسية المسببة للعديد من الأمراض، بما في ذلك أمراض القلب والسرطان ومتلازمة التمثيل الغذائي والسكري والتهاب المفاصل. ويعتقد البعض أن زيت الزيتون قادر على مكافحة الالتهاب بسبب فوائده الصحية العديدة.
ومع ذلك، يبدو أن التأثيرات الرئيسية المضادة للالتهابات الموجودة في الزيت ناتجة عن مضادات التأكسد، ولا سيما أوليوكانثال، التي ثبت أن لها تأثير الإيبوبروفين نفسه، وهو دواء مضاد للالتهابات معروف. وفي هذا السياق، يقدر الباحثون أن كمية أوليوكانثال في خمسين ملليلترا من زيت الزيتون البكر الممتاز، أي ما يعادل حوالي 3.4 ملاعق كبيرة، لها تأثيرات مشابهة لحوالي 10% من جرعة إيبوبروفين وصفت لشخص بالغ بغية تخفيف الآلام.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت إحدى الدراسات أن المواد الموجودة في زيت الزيتون يمكن أن تقلل من التعبير الجيني والبروتينات التي تتسبب في الإصابة بالالتهابات. في المقابل، ينبغي الأخذ بالحسبان أن الالتهاب المزمن ذا المستوى المنخفض عادة ما يكون خفيفا إلى حد ما، ويستغرق الأمر سنوات أو عقودا من الزمن ليتسبب في الضرر، لذلك قد يسهم تناول زيت الزيتون البكر الممتاز في منع حدوث ذلك، مما يؤدي إلى تقليل خطر الإصابة بأمراض التهابية مختلفة، خاصة أمراض القلب.
زيت الزيتون البكر الممتاز والأمراض القلبية الوعائية
أشار الكاتب إلى أن الأمراض القلبية الوعائية، على غرار أمراض القلب والسكتة الدماغية، تعتبر من أكثر أسباب الوفاة شيوعا في العالم. وكشفت العديد من الدراسات الوصفية أن الوفيات الناجمة عن هذه الأمراض منخفضة في مناطق معينة من العالم، وخاصة في البلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط.
كانت هذه الملاحظة سببا في التركيز على النظام الغذائي في بلدان البحر الأبيض المتوسط، الذي من المفترض أن يحاكي طريقة أكل الشعوب في هذه البلدان. وتظهر الدراسات التي أجريت على النظام الغذائي للبحر المتوسط أنه يمكن أن يساعد في الوقاية من أمراض القلب.
يمثل زيت الزيتون البكر الممتاز أحد أهم المكونات التي تقي من الإصابة بأمراض القلب، وذلك من خلال العديد من الآليات:
• الحد من الالتهابات، مما يجعل زيت الزيتون يشكل عاملا أساسيا للوقاية من أمراض القلب.
• التقليل من خطر أكسدة البروتين الدهني منخفض الكثافة وهو ما يعرف بالكوليسترول (الضار)، حيث يحمي الزيت جزيئات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة من الأكسدة، وهي تعتبر عاملا رئيسيا في تطور أمراض القلب.
• تحسين صحة الأوعية الدموية.
• تشير بعض الدراسات إلى أن زيت الزيتون يمكن أن يساعد في منع تجلط الدم غير المرغوب فيه، وهو عامل أساسي مسبب للنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
• خفض ضغط الدم.
ونظرا للتأثيرات البيولوجية لزيت الزيتون، ليس من المستغرب أن يكون الأشخاص الذين يستهلكون أكبر كميات منه الأقل عرضة للوفاة بسبب الأزمات القلبية والسكتات الدماغية. وقد أثبتت العشرات بل المئات من الدراسات التي أجريت على الحيوانات وعلى الإنسان أن زيت الزيتون له فوائد كثيرة للمحافظة على صحة القلب. ونتيجة لذلك، تجعلنا هذه الأدلة الدامغة ننصح الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب أو المعرضين للإصابة بها ليدرجوا زيت الزيتون البكر الممتاز في وجباتهم الغذائية.
زيت الزيتون والسرطان
يعتبر السرطان سببا شائعا للوفاة. ويمكن تعريفه على أنه نمو عشوائي للخلايا. وقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعيشون في بلدان البحر المتوسط أقل عرضة لخطر الإصابة بالسرطان، مما جعل البعض يقر بأن لهذا الأمر علاقة وطيدة باستهلاك زيت الزيتون.
تعتبر الأكسدة الناتجة عن الجزيئات الضارة التي تسمى الجذور الحرة أحد العوامل المحتملة في المساهمة في الإصابة بالسرطان، ولكن يحتوي زيت الزيتون البكر الممتاز على نسبة عالية من مضادات الأكسدة التي تقلل من نسبة التأكسد. بالإضافة إلى ذلك، يعد حمض الأوليك oleic acid الذي نجده في زيت الزيتون من أبرز المكونات المقاومة للأكسدة وقد ثبت أن له تأثيرا مهما على الجينات المسببة للسرطان.
كما أقرت العديد من الدراسات المجهرية بأن المركبات الموجودة في زيت الزيتون يمكن أن تساعد في مكافحة السرطان على المستوى الجزيئي.
زيت الزيتون ومرض ألزهايمر
يعتبر مرض ألزهايمر من أكثر أمراض التنكس العصبي شيوعا في العالم، وهو السبب الرئيسي للخرف. ومن أهم خصائص مرض ألزهايمر تراكم لويحات بيتا إميلويد (تكتلات مجهرية من البروتين) في بعض الخلايا العصبية في الدماغ.
وكشفت دراسة أجريت على الفئران أن مادة في زيت الزيتون يمكن أن تساعد في إزالة هذه اللويحات. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة أجريت على البشر أن اتباع نظام غذائي متوسطي غني بزيت الزيتون يحسّن وظائف المخ ويقلل من خطر الإصابة بالضعف الإدراكي.
هل يجب استعمال زيت الزيتون في الطهي؟
يقر الكاتب بأنه أثناء الطهي، تتأكسد الأحماض الدهنية عندما تتفاعل مع الأكسجين فيتسبب ذلك في إحداث تلف بها. وتعتبر الروابط المزدوجة في جزيئات الأحماض الدهنية أساسا المسؤولة عن ذلك والسبب الذي يجعل الدهون المشبعة التي ليست لها روابط مزدوجة مقاومة للحرارة العالية. في المقابل، تعد الدهون المركبة وغير المشبعة التي لها العديد من الروابط المزدوجة، غير مقاومة للحرارة مما يتسبب في تلافي تأثيرها.
يحتوي زيت الزيتون أساسا على أحماض دهنية أحادية غير مشبعة، ليست لها سوى صلة مزدوجة واحدة فقط، وهي تقاوم إلى حد كبير الحرارة العالية. ففي إحدى الدراسات، قام الباحثون بتسخين زيت الزيتون البكر الممتاز إلى 356 درجة فهرنهايت (180 درجة مئوية) لمدة 36 ساعة. وكان الزيت مقاوما للتلف إلى حد كبير للغاية.
كما استخدمت دراسة أخرى زيت الزيتون للقلي، واستغرقت العملية من 24 إلى 27 ساعة للوصول إلى مستويات التلف التي تجعله ضارا. وعموما، يعتبر زيت الزيتون آمنا للغاية حتى عند استعماله للطبخ في درجات حرارة عالية.
ويختم الكاتب بتأكيد أن زيت الزيتون مفيد للغاية للصحة. وبالنسبة للذين يعانون من أمراض القلب أو المعرضين لخطر الإصابة بها، يعتبر زيت الزيتون غذاء مثاليا. ويمكن أن نقر بأن فوائد هذه الدهون المدهشة تعد من بين الحقائق القليلة المتفق عليها في مجال التغذية.-(الجزيرة)