Off Canvas sidebar is empty

تجنيد الأطفال جريمة إنسانية سارة السهيل

تشكل ظاهرة تجنيد الأطفال في منطقة الشرق الأوسط كارثة إنسانية بكل المقاييس، بينما يقف المجتمع الدولي بمنظماته وهيئاته وقوانينه عاجزاً عن مجابهتها، وإذا كان أطفال منطقة الشرق الأوسط وشعوبه يدفعون ثمن هذا التجنيد حاليا في قتل البراءة والطفولة وتحويلهم إلى مجرمين يغتالون الاخضر واليابس، فان شعوب العالم سيدفعون ثمنا اكبر اذا لم تجتث هذه الظاهرة، خاصة وان الإرهاب ينتشر في العالم بسرعة الصاروخ.

فمنطقتنا تموج بالعديد من المنظمات التي تجند الأطفال كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن وافغانستان والسودان، مثل داعش، والقاعدة وبوكو حرام وغيرهما.

والعالم بات يتفرج على تنظيم داعش وهو يجند الأطفال للقيام باعمال العنف والقتل والإرهاب والفوضى وتفتيت الدول، ويفرخ أجيالاً جديدة من الإرهابيين، فهولاء الأطفال الذين تربوا على مشاهد العنف والتفجير والقتل، سينشؤون وهم يعتبرون أن القتل جزء من الحياة اليومية.

حقائق مؤلمة
بحسب التقارير الدولية، فإنه باليمن أيضا يتم  إستغلال الأطفال، اليونسيف اعلنت نسبة الأطفال في صفوف المحاربين من الحوثيين بثلث جميع المقاتلين في اليمن، حيث أن الجهات المقابلة يتم دعمها بجيش وأسلحة خارجية، فيقل استغلال الأطفال في القتال .

بينما يجبر مقاتلي تنظيم داعش الأطفال الإيزيديين المختطفين على أن يصبحون جنوداً وانتحاريين بعد أخذهم لتدريب في المعسكرات الإرهابية، وإعدادهم للحرب.

وفي نيجيريا حيث يشتد الصراع، تقوم جماعة  "بوكو حرام" ولجان أمن شعبية مناهضة لها بتجنيد الأطفال بـشكل قسري للقيام بأعمال المساعدة والتجسس، وفي الصومال تقوم حركة الشباب المجاهدين بإجبار أطفال صوماليين على القتال في صفوفها، بعد خطفهم من ذويهم ومن المنازل والمدارس  .
 
وسائل التجنيد
وتتنوع اساليب التنظيمات الارهابية في تجنيد الأطفال، فداعش يعتمد سياسة التجويع وإغراء الأهالي بإرسال أطفالهم مقابل المال، كما هو الحال مع أهالي الرقة بسوريا، فمن يعمل لدى داعش يتقاضى راتب مقاتل يترواح بين ٤٠٠- ١٠٠٠ دولار شهريا.

ومن اساليب التجنيد ايضا، التغرير بالأطفال من خلال المخيمات الدعوية وتوزيع هدايا عليهم والسماح لهم باستخدام أسلحتهم واللعب بها، وقد يخطفون الأطفال ويجرى تجنيدهم ودون علم الأهالي، كما يتم تجنيد أعداد كبيرة من الاطفال الأيتام أو أطفال الشوارع ومن ليس لهم مأوى أو معيل فيتم استدراجهم من خلال تأمين المسكن والمأوى لهم وإقناعهم انهم أصبحوا عاملين ومنتجين يتقاضون رواتب مقابل عملهم

وبالكفة الأخرة يتم تجنيد الأطفال الذين ابتعدوا عن بيوتهم لساعات طويلة في سوق العمل، هؤلاء الأطفال فقدوا الجو الأسري ودفء العائلة، فأصبحوا بفجوة نفسية تسمح لأي متسلل باقتحام معاناتهم ونقص العاطفة والرعاية، كما أن هؤلاء الأطفال معتادون على الكد والتعب وتحمل المسؤولية والمصاعب .

ويتم تجنيد أعداد كبيرة من الاطفال عن طريق الانترنت والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتواجد الأطفال للتسلية والاستكشاف والتواصل مع  الآخرين .

ومن هنا يكمن خطر عدم مراقبة الأطفال وحساباتهم في هذه المواقع، سواء من الجهات المسؤولة عن مكافحة تجنيد الأطفال أو من قبل الأهالي أنفسهم.

و اتضح أنه ليس كل المجندين من أصحاب الدخل المحدود أو المتدني أو المنعدم، فهناك أطفال من أسر غنية ولكنهم يعانون الفراغ في الوقت والفراغ في العاطفة والفكر، فيتم غسل ادمغتهم بسهولة،
فاي شيء فارغ يسهل تعبئته على هوى القائم بالعمل، ومن هنا حذرت كثيرا بأنه يجب على أولياء الأمور ملىء حياة أولادهم بالدراسة والقراءة والنشاطات ومناقشة الأفكار معهم وطرح المواضيع التوعوية الهامة أمامهم، وتعليمهم وإدخال التعاليم الأخلاقية إلى قلوبهم قبل أن يسبقك أصحاب الأجندات.

كما أن قنوات التلفزيون وما يعرض على شاشاتها من تمهيد لتجنيد الأطفال من برامج وأفكار تدس أحيانا بشكل صريح ومباشر، وأحيانا أخرى بشكل خفيف وتدريجي ومبسط يعتمد على أسلوب التكرار للمعلومات المخففه كما يدس السم في العسل.
 
فمن ذا الذي لا يدرك الآن أن مناهج التعليم والخطاب الديني في بعض دور العبادة الموجهة، وايضا القنوات الإعلامية سواء المرئية أو المسموعة أو الانترنت، كلها ساهمت وتساهم في خلق الإرهاب، ولحد الان لم يتم عمل اي خطوة أو مبادرة لتغيير ذلك.

أنا منذ اكتر من 7 سنوات أطالب بتغيير المناهج، واقترحت أن أشارك في الإعداد لهذا الأمر ولكن لا حياة لمن تنادي.

بعد التجنيد
يتولى التنظيم تعليمهم وتدريبهم على القتال ويجري تخريج دفعات جاهزة للقتال لا تتجاوز أعمارهم ١٦ عاما في مجموعات قتالية، وغالباً ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية أو جواسيس، بسبب قدرتهم على التنقل والتخفي ومعرفة الطرق على الأرض.

ويلعب الجانب الاقتصادي دوراً في الاستفادة من فئة الأطفال لدى التنظيمات الارهابية، حيث أن أجر الصغار أقل بكثير من الأكبر سنا، كما أن انضباطهم وحماسهم يمكن استغلاله في إقناعهم بالعمليات الانتحارية عبر التأثير على عقولهم.

والطامة الكبرى ان الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لم يسلموا من التجنيد الارهابي، حيث يتم استخدامهم دون اراداتهم  في تفجيرات السيارات المفخخة في العراق، كما علق تنظيم داعش حين استخدمهم في عملياتٍ انتحارية، وجرى تفخيخهم دون علمهم او داركهم بما جرى لهم.
 
غسل العقول
 ومن أشد وسائل تجنيد الصغار لدى المنظمات الارهابية هو غسيل الادمغة عبر المدارس التعليمية، فقد رصدت التقارير الدولية وجود أكثر من ١٢ ألف مدرسة تابعة لتنظيمات القاعدة وداعش في سوريا، بما يعني ان هؤلاء الصغار تعرضوا لحالة مسخ للهويّة بأفكار العنف والقتال، مما يجلعهم قنابل موقوتة تنجي وجه مجتمعاتها ووجه المجتمع العالمي بما تشربوه من فكر التكفير والتفجير.

تجنيد الكتروني
ووظف تنظيم داعش تكنولوجيا العصر في تجنيد الأطفال عبر نشر كتيبات على شبكات الإنترنت تشرح للأمهات كيفية تنشئة أطفالهن على الفكر الداعشي، وحثهن على قراءة قصص عن الجهاد عندما يخلدون للنوم، وتشجيعهم على ممارسة ألعاب رياضية، مثل الرماية، من أجل تحسين قدرتهم على التصويب.

وتشجيع الأطفال على اللعب بالمسدسات اللعبة، وتحويل التدريب إلى متعة ومرح للصغار، كما لجأت المنظمات الارهابية إلى استغلال التقنية والتكنولوجيا في تجنيد الأطفال والأحداث الصغار من خلال الألعاب الإلكترونية، وعمل صداقات وهمية معهم واستغلال حساباتهم ومعرفة أرقامهم السرية، ثم يجري ترويعهم وتهديدهم لاحقا.

ويتحمل أولياء الأمور والمجتمع مسؤولية وقوع هذه الجريمة، لانهم يغفلون عن مراقبة أبنائهم حين يلعبون مثل هذه الألعاب الخطيرة، كما ان المجتمع يتحمل مسئولية عدم قدرته على وضع ضوابط لهذه الالعاب تقنن استخدامها ومراقبتها.

فهذه الألعاب الإلكترونية معرضة للاختراق من الجماعات الإرهابية ومن ثم يعرضون الأطفال الذين يستخدمونها لتهديدات الدواعش والقاعدة بقتل والديهم أو خطفهم إذا لم ينصاعوا لرغباتهم وتوجيهاتهم.

نشر الوعي
وهذه القضية الخطيرة تظل قضية مجتمعية تتطلب تعاون المدرسة الاليكترونية، واعتقد انه آن الاوان لكي نستفيد في عالمنا العربي من الدراسات العلمية المتخصصة التي تحذر من هذه الألعاب، ومنها دراسة لمنظمة العدل والتنمية، احدى منظمات الدراسات بالشرق الاوسط، التي  كانت اول من تحذر من انتاج العاب البلايستيشن، والتي يتم بيعها بمختلف الأسواق خلال الاجازة الصيفية نظرا لخطورتها وارتباطها الوثيق بعلم النفس وتاثيرها على العقل الباطن واللاوعي عبر ادخال افكار وصياغتها على شكل قصة مثيرة تصل للعقل البشري بشكل رسائل لا وعي تؤثر على العقل الباطن للاطفال وصغار السن.

ودللت المنظمة في دراستها وجود عدد كبير من الالعاب تستخدم للسيطرة على العقل وهو علم يرتبط بالمخابرات يتم فيها التحكم الشامل بالشخصية وتحرير العقل من القوانين والاخلاق وتبيح الرذيلة بالمجتمع عبر غرس تلك المفاهيم بعقول الأطفال.

واستخدمت المخابرات الدولية استراتيجية التحكم بالعقل لتنفيذ العمليات الارهابية في الدول التي فشلت الدول الكبرى باختراق امنها القومي، وعلى رأسها الجزائر والمغرب وتونس والسودان، حيث تستخدم الرموز والشيفرات بتلك الالعاب لعمليات ارهابية كبرى، اضافة الى دورها في عمليات التحكم بالعقل وتجنيد الاف الشباب للقتال بصفوف التنظيمات المتشددة بعد عمليات السيطرة على العقل، ولذلك استخدمها داعش وجندت بها الاطفالَ في معسكراتٍ يتدربون فيها على القتل والتفجير.
 
موقف الشريعة السماوية
 الأديان السماوية ومنها الدين الاسلامي ينهى عن استخدام الأطفال في الحروب والنزاعات حسب ما يذكر مرصد التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية في تقرير له، مؤكدا ان الشريعة الإسلامية شددت على حماية الأطفال أثناء الحروب والنزاعات المسلحة ومنعهم من الالتحاق بالجيش وخوض غمار الحروب، لأن الطفل ضعيف البنية لا يقدر على تحمل ويلاتها، كما نهت عن قتل الأطفال في الحروب وقضت بعدم التعرض لهم، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهياً صريحاً عن قتل النساء والصبيان في الحروب، حيث قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام بلغ بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية؟، ألا لا تقتلوا ذرية، ألا لا تقتلوا ذرية".

ومن أهم هذه المبادئ التي أقرها الإسلام وحذر المرصد الازهري من تجنيد الأطفال لانها ستروض جيلاً قادماً يحمل أيديولوجية التنظيمات والإرهابية.

 وكذلك الدين المسيحي وسيدنا يسوع المسيح الذي حث على حماية الأطفال وإعطائهم الاهتمام والرعاية والمحبة وتعليمهم التسامح والتراحم والمحبة.

تجنيد الاطفال والقانون الدولي
تعد عمليات تجنيد الأطفال دون ١٥ سنة  للقتال  أمرا محظورا بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقًا للمعاهدات والأعراف، كما يجري تعريفه بوصفه جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية.

كما يُعلِن قانون حقوق الإنسان سن ١٨ سنة بوصفها الحد القانونى الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، وتضاف أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال بواسطة الأمين العام في قائمة العار التي يصدرها سنويا.

بينما تظل منظمة اليونسيف المعنية بحقوق الطفل عاجزة عن ايقاف هذه الجريمة التي تتسع في الشرق الاوسط، وليس بمقدور اليونسيف تقديم أية مساعدة لهؤلاء الاطفال الواقعين تحت سيطرة التنظيمات الارهابية الا بعد تحررهم من قبضتها، وحينئذ يمكن لليونيسف العمل على دعم هؤلاء الأطفال بمجرد تسريحهم من المجموعات المسلحة، باعادتهم إلى أسرهم، وتوفير الرعاية الصحية، وتوفير الضروريات، والدعم النفسي، وتوفير التعليم واعادة التأهيل الاجتماعي.
 

التعاون لغسل العار
وتبقى عمليات تجنيد الاطفال لدى التنظيمات الارهابية في الشرق الاوسط  عار على جبين المجتمع الدولي يتطلب التعاون مع المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني للضغط على حكومات هذه المنطقة ولوقف وصول اي تمويل للجماعات الارهابية .

وعلى المخلصين من حكماء هذه المنطقة ان يبذلوا قصار جهدهم لنشر الوعي لخطورة تجنيد الأطفال في النزاعات، مع بذل المؤسسات التعلمية والدينية والاجتماعية والاعلامية ادوار موازية العمل على تقوية الروابط الأسرية ونشر التوعية بين الآباء والأمهات بحماية ابنائهن من الاضطرار للعمل في ظروف مرعبة وتحصين اطفاهم من غسلِ العُقول الذي يجري عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر الألعاب الالكترونية وغيرها من الوسائل .

وفي النهاية على كل الدول أن تقوم مؤسساتها الحكومية بتوفير مناخ صحي للأطفال من مأكل وملبس ومسكن صحي ومدارس إجبارية وتغيير مناهج التعليم ومراقبة الإرهابيين ووسائلهم لحماية الأطفال من شرورهم، و أخيرا وليس آخرا تعليمهم الدين الصحيح حتى يكون لديهم الوعي التام للتمييز بين الصح والغلط .

والأهم من كل هذا أن البداية من المنزل والعائلة، فالام التي لا تعطي أبنائها الكثير من الحب والعاطفة ستخسر هذا الطفل الذي سيصبح قاسيا عنيفا فكيف يتعلم الطفل المحبة أن لم يشعر بها من الصغر.