بيروت - لا تزال الذكورية محورية في عالم «حديث» يتميز بوفرة وسائل التواصل الاجتماعي التي شكّلت منبراً لحقوق النساء وصوتهنّ الغاضب وليس العاجز، خصوصاً في ظلّ صعود اليمين المتطرّف المنحاز الى الرجال.
انتهى عام 2016 بنكسة للنسوية العالمية، بفشل هيلاري كلينتون في تحطيم السقف الزجاجي العالي والوصول الى سدّة رئاسة أقوى دولة في العالم. لكن رغم صعوبة إحراز تقدم، تمكنت المرأة من تفادي التراجع، ذلك أن مرشّحة القوة العظمى هي أول امرأة تدمر سقف الترشيح الرسمي لدى الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وعلى خطاها مشت نساء حديديات نجحن في اختراق عالم الأعمال والسياسة والاقتصاد مثل أنغيلا مركل وتيريزا ماي وكريستين لاغارد وأندرا نويي وسونيا غاندي وغيرهن. لكن الشابات الأميركيات اللواتي وضعن ثقتهن في كلينتون، «هنّ من سيتمكنّ من تحطيم هذا السقف الزجاجي يوماً ما وقريباً»، كما قالت كلينتون في كانون الثاني (يناير) حين جمعت «مسيرة النساء» أكثر من مليوني شخص في الولايات المتحدة والعالم، غداة تنصيب دونالد ترامب. ومثلهنّ العربيات، اللواتي يكسرن الزجاج كل يوم بمفردهنّ في الكواليس والكاميرات، من دون سند أو معين أو رئيسة حزب ككلينتون، غير آبهات بالجندر وأحواله. فهل فكّرت كلٌ من الثائرتين السورية المفقودة اليوم سميرة الخليل والمصرية المقتولة خلال التظاهرات شيماء الصباغ مثلاً، بأنها امرأة أو رجل، حين ثارتا لحرية بلديهما؟ فالمرأة العربية قيادية في نظامها الاجتماعي الفطري وليس المكتسب، كما كانت المصرية هدى الشعراوي والسودانية إحسان فخري والجزائرية جميلة بو حيرد. لكن عندما تنضج وتكبر وتصبح مؤثّرة تصطدم بنظام ذكوري يُنصفها بالصدفة أو لحسن حظها عندما تنشأ في عائلة متحررة كعائلة سلام اللبنانية التي ساهمت في تمكين ابنتها عنبرة في عشرينات القرن العشرين، أو لأن هذا النظام يريد أن ينجح ويكسب جماهيرية ما على حسابها... على كل حال هو ليس نظاماً محليّاً فحسب، بل هو نظام عالمي، إنما تختلف سطوته بين بلد وآخر.
احتفل العالم أمس بيوم المرأة العالمي وعلى رأسه منظمة الأمم المتحدة التي تبنّت هذه المناسبة في عام 1977 وتطرح اليوم أهمية مشاركة المرأة في سوق العمل وتطالب منذ 1945 بتمكينها وتشجّع على توليها مناصب قيادية، في حين أن المنظمة الأكثر دفاعاً عن حقوق المرأة في العالم لم تعيّن في تاريخها أي امرأة لتولي قيادتها، إذ إن الأمناء العامين الثمانية منذ 70 سنة هم رجال! وتطرح المنظمة عبر كلمة أمينها العام اليوم، قضية المساواة في كسب الرواتب مع العلم أن النساء حول العالم يكسبن رواتب تقل بنسبة 23 في المئة عن الرجال، وفق منظمة العمل الدولية التي تعتبر أنه بالوتيرة الحالية سيستغرق إلغاء الفارق تدريجاً نحو 70 سنة. أما في منطقتنا، فتشير الإحصاءات التي يوفرها البنك الدولي أن نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة في البلدان العربية أدنى من معدلاتها في الأقاليم الأخرى ولا تتجاوز وفقاً لإحصاءات البنك الدولي الصادرة عام 2014 عتبة الـ 24 في المئة.
والثامن من آذار (مارس) ليس يوماً نحتفي به بالعنصر الأقوى في المجتمع والذي لولاه لا تستمر البشرية، بل هو يوم قد يكون مهماً لنعيد التفكير مجدّداً في وضع المرأة والإستراتيجيات التي على الحكومات والمنظمات والمجتمع المدني والأحزاب السياسية التخطيط لها، والعمل الكثير الذي علينا القيام به كأفراد (الرجال قبل النساء) لتبرز المرأة على مستويي الاقتصاد والسياسة وسنّ القوانين ووضع الدساتير. فهل فكّرنا نحن العرب ومنطقتنا تثور ببراكين الحروب والاقتتال، كيف نُدخل تلك المرأة المقاتِلة والثائرة والضحية والأم والنازحة والحامية لأولادها والعاملة في ظروف قاسية والمُغتصَبة (الأيزيديات مثلاً) والمستغلّة (من جانب المسلحين) والشهيدة وأم الشهيد والأرملة والمهجورة (زوجها على الجبهات) والبعيدة من أرضها وأهلها...، في عملية السلام الفلسطينية مثلاً، أو في المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام؟
الموضوع لا ينحصر في منطقتنا حيث المرأة تُخلق حرّة ثم تصبح بعد بلوغها مرتهنة، في المساواة في الرواتب وهو حقّ مشروع. فما موقع المرأة العربية اليوم في سوق العمل في ظل الهيمنة الذكورية على سوق العمل وقِيمه وعلاقاته ونظامه (System)؟ إن سوق العمل الفعلي الذي تعاني منه المرأة العربية هو العائلة والبيت حيث لا تسيطر على قوّة عملها.
تبدو المرأة العربية اليوم أكثر حرية وتفاؤلاً عما كانت عليه من قبل، وهذا أمر مهم في مسيرة طويلة تحتاج كثيراً من الصبر والمقاومة والعمل الجادّ.
رنا نجار - الحياة