لندن - البحثُ عن أي شيء يُساعد في جعلنا جذابين للشيء الذي نرغب فيه لم ينقطع منذ أيام الإلهة أفروديت في الأسطورة اليونانية.
فبدلاً من جُرعات الحب القديمة، ثمَّة روائح وعطور اليوم تَدَّعي أنها تُشعل انجذاب من تحب نحوك، وعددٌ منها قد يتفوق على ذلك بعض الشيء مُدعياً استخدام فرمونات بشرية طبيعية، وتحديداً فرمون الستيرويد "أندروستادينون" (Androstadienone) الذي ينتجه الذكور وفرمون الإيستراتيترانول (Estratetraenol) الذي تنتجه الإناث، لزيادة الجاذبية الجنسية.
وبينما يقول صُنّاع هذه العطور إن فرموني الأندروستادينون والإيستراتيترانول ثبت علمياً أنهما يُحفزان الجاذبية الجنسية، يُشكك بعض العلماء بأن الوجود الفعلي للفرمونات البشرية قد تم تأكيده. وفي دراسة حديثة نشرتها مجلة "رويال سوسايتي أوبن هاوس" البريطانية، تكشف قطعياً زيف فكرة قدرة فرموني الأندروستادينون والإيستراتيترانول على القيام بأي شيء لتحسين حياتنا العاطفية.
وفي سلسلة من التجارب مزدوجة التعمية والمُتحكم فيها، جعل باحثون أستراليون ما يقرب من 100 طالب أبيض سَويّ، مُقَسّمين بالتساوي حسب الجنس، يأتون إلى المعمل في يومين متتاليين ويُقيّمون صوراً لأشخاص من الجنس الآخر على شاشة حاسوب. وفي مَهمةٍ أخرى، طلب الباحثون من نصف المتطوعين تحديد نوع وجه شخصٍ تمَّ تعديله ليكون محايداً جنسياً. وقبل المهام، غُطي المتطوعون بواحد من المواد الكيميائية أو بعطرٍ خاص بمجموعة التحكُّم، ثم تمت تغطيتهم بالآخر في اليوم التالي.
ولكن لم يشكل اليوم أو المادة الكيميائية التي تعرضوا لها أي اختلاف في تقييمهم لجاذبية الشخص أو تمييزهم لنوعه.
وقال الباحثون: "إذا كانت الفرمونات البشرية تؤثر على حُكمنا للنوع، أو الجاذبية، أو الخيانة عن طريق الوجوه، فإنه من غير المرجح أن تكون هذه الفرمونات فرمونات الأندروستادينون والإيستراتيترانول".
ونتائج هذه الدراسة ليست صادمة بالنسبة لتريستان وايت، وهو خبير في علم الحيوان في جامعة أكسفورد، والذي لا تربطه صلة بهذا البحث.
وقال تريستان لموقع "Vocativ" الأميركي عبر البريد الإلكتروني: "إن هذه ثاني ورقة بحث تعطي نتائج سلبية خلال ستة أشهر. وبالرغم من أن الاعتداد بالنتائج السلبية يأخذُ وقتاً، فإن الغياب التام لأي أدلة قوية تثبت أن الأندروستادينون والإيستراتيترانول فرمونات، أعتقد أنه حان الوقت للدعوة لإيقاف التجارب التي تستخدم هذه الجزيئات".
كرَّس تريستان وقتاً لكشف زيف كون الأندروستادينون والإيستراتيترانول فرمونات، وذلك على نطاق أوسع في مراجعته للأدلة التي نشرتها أيضاً مجلة "رويال سوسايتي أوبن هاوس" عام 2015. ووجد تريستان أن الولع الأخير بالمادتين الكيميائيتين بدأته شركات العطور لأغراض علمية حسنة النية دون شبهة تواطؤ لكنها انتهت مُضلّلة.
perfume
وفي عام 2000، نشر عالمان ورقة بحثية كشفت دعماً مُشجعاً، وإن كان أولياً، للنظرية. ولأنهما كانا مُوثرين بشكلٍ استثنائي في مجالهما، تبعهما علماء آخرون وأجروا بحوثهم الخاصة عن الأندروستادينون والإيستراتيترانول. ووَجد تريستان أن البحث الأول الذي قاد العالمين في عام 2000 إلى الحدس الذي أعلناه قد أجرته شركة كانت تأمل في أن تجني أرباحاً من وراء الفرمونات البشرية، ولكنها لم تقدم سبباً للاحتمالية التي قام عليها البحث في أن يكون الأندروستادينون والإيستراتيترانول فرمونات.
وحتى وقتٍ قريب، كان العلماء بشكلٍ عام ممتنعين أو غير قادرين على نشر أبحاث تدحض دراسات أخرى معروفة، الأمر الذي زاد صعوبة القضاء على خرافة الأندروستادينون والإيستراتيترانول.
وبالرغم من فشلنا الذي استمر طويلاً في العثور على الفرمونات البشرية المراوغة، فإنها على الأرجح موجودة، وذلك بالنظر إلى عدد أنواع الحيوانات التي تستخدم الروائح المنبعثة من أجسادها للتفاعل مع بعضها البعض. وتريستان ما يزال لديه أمل في أنَّ العلماء سيجدون الفرمونات في الوقت المناسب، بشرط أن يتريثوا وألا ينضموا إلى الضجيج الذي يحيط بالأمر.
وأضاف تريستان: "يجب علينا أن نرجع إلى المبادئ الأولى ونبدأ من جديد. فلا توجد طرق مُختصرة لتحديد فرمون على نحوٍ موثوق".
إلا أن أفضل مُرشح مُحتمل قد لا يكون له علاقة بالجاذبية. فقد بدأ فريق من علماء فرنسيين في التركيز على الإفرازات التي تصدر من حلمات النساء المرضعات التي تبدو أنها تجعل الرُضّع أكثر تحمساً لمصّها، حتى وإن لم تكن المرأة والدتهم. وبسبب هذا التغير السلوكي الواضح، يقول تريستان إنَّ العلماء سيتمكنون بسهولةٍ أكبر من التعرف على المادة الكيميائية الصحيحة في نهاية المطاف.
- هذا المقال مترجم عن موقع Vocativ الأميركي. هافينغتون بوست عربي |