دبي - بحسب قانون ضريبة القيمة المضافة في دولة الإمارات والذي بُدئ العمل به في الأول من يناير 2018، فإن أي شخص أو شركة يحققون دخلاً يزيد عن 375,000 درهم إماراتي سنوياً سيخضعون للضريبة التي تبلغ نسبتها 5%. الكثير من الفنانين المستقلين في الدولة لن يتأثروا بهذا القانون، لكن لا يمكن قول ذات الشيء عن المعارض الفنية. هذا القانون يعني فرض ضريبة على صناعة الفن في دولتنا، وقد يعتبرها البعض صناعة تجارية كغيرها من الصناعات، ولكن برأيي أنه يجب منح الاقتصاد الإبداعي في الدولة أكبر فرصة ممكنة لينجح ويزدهر، وأحد السّبل لتحقيق ذلك هو إعفاؤه من ضريبة القيمة المضافة.
• إن قطاعات التعليم والصحة والنقل معفاة من الضريبة، لكن الفن لا يقل أهميةً عنها في إثراء حياة الناس.
• إن السماح بحرية إجراء التبادلات التجارية الفنية دون كلفةٍ إضافية سيكون بمثابة رسالة دعمٍ قوية لكل المبدعين في المنطقة.
• إضافةً لذلك، هذه المبادرة ستكون الأولى من نوعها في العالم. (فعلى حدّ علمي لا يوجد أي بلدٍ قام بها من قبل).
في عام 2015، قمت بتأسيس مستاريا بهدف منح الفنانين الشهرة والدخل والأمان والأهم من ذلك الوقت اللازم لهم للتركيز على الإبداع من خلال الإلهام والتطبيق. نعمل بجدٍّ مع الفنانين في دولة الإمارات لتوفير الحرية الإبداعية لهم، وهذا ما يمنح مستاريا نظرةً عميقةً إلى مجتمع الفنون البصرية ودوره في الاقتصاد الإبداعي مما يتيح لنا متابعة كل قضايا هذا المجتمع عن كثب وعلى نحوٍ يومي.
يعاني الفنانون بصورةٍ مستمرة لتحقيق عائدٍ مادي، ورغم كونه عنصراً هاماً لاستمراريتهم لكنه لا يعتبر مِدادَهم الأساسي للإبداع والابتكار. بمعنى آخر، المال ليس "أوكسجين" الفنانين وإنما مجرّد وسيلة يحتمون بها من البيئة "القاسية" التي غالباً ما تسيطر على عالم التجارة. أي نوعٍ من الضرائب من شأنه أن يزيد الأمر صعوبةً على الفنانين ويهدد وجودهم كأشخاص مبدعين بدوامٍ كامل ولا حاجة للقول بأننا لا نريد تكبيل جيلنا الصاعد من الفنانين بالمزيد من الأصفاد.
شيئاً فشيئاً، تمهّد دولة الإمارات الطريق أمام بناء اقتصادٍ إبداعي متين. وإذا نظرنا حولنا، سنجد أن الإبداع يدخل في صلب الكثير من قطاعات الاقتصاد العالمي. فأكبر شركات العالم مثل Google و Apple و Microsoft وغيرها المزيد مبنية على أساسٍ إبداعي يتخذ فيه الفن حيزاً هاماً بشكلٍ أو بآخر.
وفي حين أنني أدعم قرار تطبيق ضريبة القيمة المضافة وأعتبره خطوة ضرورية في اقتصاد أي أمّة، إلا أنني أقترح إعفاء المبادلات المالية الفنية من هذه الضريبة لأن هذا من شأنه رفد القطاع الفني في الدولة بالمزيد من الدعم ومنحه فرصة كبيرة للنمو.
إن قطاع الفن يعتمد على سوقين أساسيين: أولي وثانوي. السوق الأولي يختص بالمبيعات التي يستفيد منها الفنان بصورةٍ مباشرة، سواء تمت عبر المعارض أو الوسطاء أو أي طرفٍ ثالث. أما السوق الثانوي فيعتمد على "إعادة بيع" العمل الفني وفي هذا السوق لا يتلقى الفنان أي ربحٍ يُذكر عدا عن زيادة القيمة الفنية لعمله وفيه أيضاً يتضخّم سعر العمل الفني.
هناك سببان وجيهان لحماية هذه المبادلات المالية من ضريبة القيمة المضافة. الأول، إعطاء الفنان الفرصة لتحقيق عائد مادي. والثاني، دعم دور المزادات العلنية في المنطقة وغيرها من مرافق السوق الثانوية، والتي تلعب دوراً كبيراً في قطاع الفنون. إضافةً لذلك، إن جذب تجار الفن من حول العالم إلى بيئة مبيعات خالية تماماً من أي ضرائب سيكون له فوائد جمّة على الاقتصاد ككلّ.
والجدير ذكره، أن قضايا اقتصاد الفن تتخطى تلك المتعلقة بكل فردٍ على حدة.
بدون المعارض، لن تستمر المسيرة الفنية للفنانين. فمنذ بداية تاريخ الفن التجاري وحتى الآن، لم تفقد العلاقة بين المعارض والفنانين أهميتها وضرورتها. ولهذا، لا بد للمعارض من تحقيق الربح لضمان استمرارية الفنان. وفي العصر الرقمي الحديث الذي نعيشه الآن، أصبحت هذه العلاقة أكثر تعقيداً وتغيّراً. ولكن هناك أمرٌ أساسي لم يتغير وهو: لا بد من اختبار الفن ولمسه بشكلٍ حسّي لكي نتمكن من تذوقه وتقديره على النحو الحقيقي.
ولهذا، لا شك في أن المعارض في قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم بحاجةٍ إلى مساعدة. فإدارة معرضٍ فني عمل بغاية الصعوبة لأن شراء أي قطعةٍ فنية يعتمد على شعورٍ عفوي ولحظي وليس على حاجةٍ ملحّة. كما أن المعارض تعتمد بشكلٍ شبه حصري على التسويق والعلاقات العامة لجذب الزبائن. وهذا يتوجب عليه نفقات باهظة. من ناحيةٍ أخرى، تحتاج المعارض إلى مساحة كبيرة لتؤخذ على محمل الجدّ ولتعرض القطع الفنية الهامة ولهذا كلفته الكبيرة أيضاً. ولا ننسى فريق العمل الذي يجب أن يكون على كفاءةٍ عالية ولكن اجتذاب خبراء الفن المحترفين يتطلب إنفاق المزيد من الأموال، ناهيك عن النفقات اللوجستية وتكاليف التأمين والتأطير والشحن. إضافةً لكل ذلك، هناك حاجة مستمرة للاستثمار على نحوٍ تخميني قبل تحقيق أي عائدٍ ملموس.
تدير معظم المعارض الفنية مبيعاتها وفق مبدأ "الوليمة أو المجاعة" الذي يعني توفر عائدٍ مالي عالٍ في مواسم الذروة وشحّه في أشهر الركود خلال العام خارج مواعيد العروض الفنية الرئيسية. ومن هذا المنطلق، ستتسبب ضريبة القيمة المضافة بالكثير من المشاكل للمعارض: فالكثير من مورّديها (الفنانون) غير مسجَّلين في الضريبة بسبب شرط الحدّ الأدنى، مما يعني أن المعارض ستتكبد كامل قيمة الضريبة، دون أن تكون قادرةً على استردادها لاحقاً. إضافةً لذلك، عادةً ما تحتفظ المعارض بالأعمال الفنية لشهورٍ أو حتى سنواتٍ عديدة، والآن يجب إضافة نسبة الضريبة وهي 5% إلى أي عملٍ قديمٍ يتم بيعه، ومرةً أخرى، لا تمتلك المعارض أي وسيلةٍ لاسترداد تلك النسبة.
أخيراً، وعلى حدّ علمي، لا يمتلك أي معرضٍ محاسِباً مؤهلاً ضمن فريق عمله، ولهذا السبب ستضطر المعارض لدفعٍ المزيد من المال للحصول على المساعدة الضرورية لإدارة عمليات البيع وفق قانون الضريبة الجديد. صحيحٌ أنه بالإمكان التخفيف من وقع الضريبة عبر زيادة الأسعار ولكن هذا الأمر قد يكون له أثر سلبي من حيث خفض عدد الصفقات التي يجريها المعرض مما يشكل تحدياً جديداً يضاف إلى سلسلة التحديات السابقة التي ذكرتها حتى الآن.
ليس بمقدوري الإدلاء برأيي حيال التعقيدات التي قد تنجم عن إعفاء صناعة الفن من ضريبة القيمة المضافة، ولكن أؤمن تماماً بأن البلد الوحيد القادر على إنجاز أمرٍ فريدٍ من نوعه مهما كان بالغ التعقيد -لمجرد ضرب مثلٍ عالمي يحتذى به- هو دولة الإمارات العربية المتحدة.
يشغل بيتر غودوين منصب الرئيس التنفيذي لشركة مستاريا والمدير التطويري لتطبيق ArteVue، وهو تطبيق الفن الأسرع نمواً في العالم. بين عامي 2012 و2015 شغل غودوين منصب مدير العلميات الإقليمي في Gallery One، وهو أكبر معرضٍ ومجموعة بيع بالتجزئة للأعمال الثقافية في الشرق الأوسط. وقبل ذلك، عمل مع أكبر ناشري الفن في أوروبا لتأسيس أضخم شبكةٍ لبيع الفنون بالتجزئة في المملكة المتحدة. ولقد قام مؤخراً بتأسيس مستاريا المختصة في تمثيل الفنانين وتطوير الشركات الفنية وسوق الفن، وعقد الصفقات التجارية وتنظيم حقوق الفنانين وعمليات التسويق والعلاقات العامة وإدارة الفعاليات. كما شارك مؤخراً في ابتكار وتطوير ArteVue وهو أول تطبيق تفاعلي في العالم يختص بالفن ويربط مجتمع الفنون العالمي ببعضه.
-المقاله تعبر عن راي كاتها ولا تعبر عن راي وكالة شووفي نيوز الاخباري اذا تخلي مسؤولتها