دبي - شووفي نيوز - ضمن الاستعدادات الجارية لانطلاقة «أسبوع الفن» في دبي في نسخته السابعة (18 – 24 مارس 2018)، تحدَّث كبار خبراء الفن الحديث والمعاصر لدى كريستيز الشرق الأوسط، وفي مقدّمهم مايكل جيها، المدير التنفيذي، وهالة خياط، مدير المزادات والمدير المشارك، عن توقعاتهم لمسار تطوُّر سوق الأعمال الفنية الإقليمية.
وقال مايكل جيها، المدير التنفيذي لدى كريستيز، الذي يحتفل هذا العام بمرور عشرين عاماً على انضمامه إلى دار المزادات العالمية العريقة وأشرف على كريستيز الشرق الأوسط منذ تدشين مكاتبها بدبي في عام 2005: "يمثل مزاد كريستيز المنعقد سنوياً بالمنطقة أحد أبرز الأحداث المرتقبة في إطار "أسبوع الفن" في دبي، وبعد مرور 13 عاماً على انطلاقة مزاداتنا المنتظمة في الشرق الأوسط نشهد نضجاً واسعاً في جودة الأعمال المطروحة في مزاداتنا، لاسيما لأقطاب الفن الحديث، ونضجاً موازياً في أذواق المقتنين الذين يتنافسون على اقتناء أفضل اللوحات والمنحوتات المعروضة في مزاداتنا من حيث الفرادة والتميّز".
وقالت هالة خياط، مدير المزادات والمدير المشارك لدى كريستيز دبي، التي انضمت إلى كريستيز دبي قبل عشر سنوات: "خلال الأعوام العشرة الماضية من العمل مع كريستيز الشرق الأوسط شاهدتُ نقلة فارقة في مكانة الرسامين والنحاتين الشرق أوسطيين، ولمستُ اهتماماً متنامياً بلوحاتهم ومنحوتاتهم في أوساط المقتنين المخضرمين، العالميين والإقليميين، وأيضاً نقلة ملموسة في الذائقة الإبداعية بالمنطقة، وقد أسهمت كريستيز إسهاماً واسعاً في تحقيق كل ذلك. وكريستيز على قناعة راسخة بأهمية التثقيف والارتقاء بالذائقة الإبداعية من أجل مستقبل المنطقة، وتسهم في ذلك من خلال مواسم مزاداتها السنوية والمعارض المرافقة إلى جانب برامج المحاضرات ورعاية الفعاليات ومبادرات كريستيز التعليمية باللغة العربية، ومنها دورة عبر الإنترنت بعنوان "في خفايا عالم الفن المعاصر العالمي"".
وشدَّد جيها وخياط على الحاجة الماسّة إلى تعزيز حركة البحوث وتوفير المزيد من المواد المرجعية عن الفنانين من أبناء منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الكتب والكتالوجات، وأكَّدا على أهمية توثيق الأعمال المأخوذة من تركة فنانين راحلين بما يوطّد الثقة الحالية في سوق الأعمال الفنية الإقليمية.
وأضاف جيها قائلاً: "الإقبال الهائل في الأعوام الماضية على اقتناء لوحات ومنحوتات الفنانين الشرق أوسطيين جعلها أكثر ندرة، وستواصل كريستيز التركيز على العثور على مثل هذه الأعمال وطرحها ضمن مزاداتها المقامة في دبي ولندن. ونودُّ في عام 2018 وما بعده أن نشهد زيادة متناسبة في نوعية الأعمال المعاصرة المعروضة في مزاداتنا سعياً منا لجعل أسواق مثل هذه الأعمال أكثر تنوعاً واستدامةً، إقليمياً وعالمياً، خلال العقد المقبل. ولاشك أن ازدياد أعداد الصالات الفنية ببلدان المنطقة سيسهم في تعزيز الآفاق المستقبلية للفنانين والمقتنين على السواء".
وكانت كريستيز قد نقلت في عام 2017 موسم مزاداتها المنتظم في شهر أكتوبر من دبي إلى مقرّ كريستيز بالعاصمة البريطانية خلال "أسبوع فريز" الشهير المقام هناك. وحصد المزاد ما مجموعه 6.863.249 مليون دولار وبلغت نسبة المبيعات 85% حسب عدد الأعمال المعروضة و88% حسب قيمة الأعمال المعروضة. وأكَّد تنافُس مزايدين مسجَّلين من 23 بلداً اهتماماً عالمياً متنامياً بالأعمال الفنية الشرق أوسطية. وتصدرت لوحة «بائع البطيخ» لجواد سليم (1921-1961)، أحد أعلام الحركة التشكيلية العراقية، المزاد وبيعت مقابل 668.750 جنيه أسترليني (876.731 دولار أمريكي)، بقيمة تجاوزت كثيراً ضعف قيمتها التقديرية الأولية (250.000 جنيه أسترليني).
مزاد الأعمال الفنية الشرق أوسطية الحديثة والمعاصرة:
تعقد دار كريستيز مزادها المقبل للأعمال الفنية الشرق أوسطية الحديثة والمعاصرة بدبي يوم الخميس 22 مارس عند الساعة 7:00 مساء في فندق جميرا أبراج الإمارات، وتنظم معرضاً عاماً يستقبل الجمهور يومياً ابتداء من يوم الاثنين 19 مارس. وكما في المزادات المماثلة السابقة يضمّ المزاد المرتقب أعمالاً لفنانين تشكيليين من مصر وسوريا والعراق وفلسطين وتركيا وإيران وعدد آخر من بلدان المنطقة.
نبذة عن بعض الأعمال المشاركة في المزاد:
يتفق النقاد على أن مدينة الإسكندرية تركت بصمة عميقة في مُجمل أعمال محمود سعيد (1897 – 1964)، أحد رواد المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية. وترصد لوحاته جوهر الأشياء والأجسام، فقد جسّدها بتبايُن أخاذ بين الضوء والظل وتوليفة بارعة منهما. فمن ناحية رسم محمود سعيد وفق مفهوم "الفن في الهواء الطلق" المعروف عن المدرسة الانطباعية، غير أنه من ناحية ثانية حملت لوحاته سمات المدرسة التكعيبية. وعلى سبيل المثال، تذكّر اختياراته من الألوان ورؤيته وتأويله للجبال ذات التضاريس بأعمال الرسام الفرنسي بول سيزان، أحد روّاد المدرسة ما بعد الانطباعية، غير أنها في الوقت نفسه تحمل البصمة الفردية المعروفة عن مجمل أعمال محمود سعيد.
وتجسّد لوحة محمود سعيد المعنونة Alexandrie Le Mex والمرسومة في عام 1918 (القيمة التقديرية: 55.000 – 65.000 دولار أمريكي) منطقة "المكس" في الإسكندرية حيث تتراصّ مساكن الصيادين حول مصب مياه ترعة المحمودية العذبة. وتُظهر هذه اللوحة براعة محمود سعيد ليس لقدرته على تسخير معرفته للمنظر من الجو فحسب، بل أيضاً لقدرته على التجريب في ذلك. وتحمل هذه اللوحة سمة المشاهِد ثلاثية الأبعاد على نحو فريد، ناهيك عن التأملات الثقافية المتأصلة في لوحاته مثل مشاهِد الفتيات الفلاحات في أثوابهن التقليدية، أو المعالم المعمارية المتراصة في المدينة، أو المصلّين، والأهمّ من كل ذلك تأثير الشمس المشرقة، والنور الساطع، والتقاليد الساكنة. وفي هذه اللوحة أيضاً تتناغم وتنسجم الألوان البادرة والدافئة بطريقة بارعة.
وتُعدُّ فخر النساء زيد (تركية/أردنية، 1900 - 1991) من بين قلة قليلة من الرسامات من منطقة الشرق الأوسط اللواتي برعن في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فاهتمامها بالحركات الفنية التجريدية ضمن اللوحات التصويرية الحركية وما يتصل بذلك من تأثُّرها بـ"مدرسة باريس" الفنية جعلها في طليعة المؤثرين في تلاقُح الأفكار الفنية بين الشرق والغرب. وتمثّل لوحة Budapest, The Express between Budapest and Istanbul التي رسمتها في عام 1943 (القيمة التقديرية: 80.000 – 120.000 دولار أمريكي) مثالاً أخاذاً على بداية أعمالها الرمزية قبل التحوُّل الملموس نحو التجريد، في نقلة فارقة في حياتها الشخصية وهي تشهد لحظات مبهجة وخاطفة في شوارع المدن خلال أسفارها وأثناء معاناتها من نوبات اكتئاب حادّة. وترصد هذه اللوحة، إلى جانب اللوحة الثانية المعنونة A Winter Day, Istanbul والتي رسمتها في السنة التالية في عام 1944 (القيمة التقديرية: 80.000 – 120.000 دولار أمريكي) ذكريات خاصة من مشاهداتها خلال مرحلة مبكرة من حياتها، ومثّلت منطلقاً لتجريبها لاحقاً في الألوان والضوء. واللوحتان المذكورتان عُرضتا في معرض "فخر النساء زيد" الذي أقيم السنة الماضية في متحف "تيت مودرن" في لندن.
ومن سلسلة "جِرار" للفنان التشكيلي الإيراني العالمي فرهد موشيري (وُلد 1963) تُعرض في مزاد كريستيز المرتقب لوحة بعنوان Le jeu est fini التي رسمها في عام 2003 (القيمة التقديرية: 120.000 – 180.000 دولار أمريكي). ويُعرف موشيري بشغفه باقتناء الخزفيات الفارسية، ما جعله يسهم إسهاماً ثرياً في النقاش حول أهميتها وقيمتها التراثية على مرّ العصور.
فعبر التاريخ عُرفت الجرار بأهميتها الوظيفية وأيضاً قيمتها الجمالية والزخرفية. وقلبَ موشيري رأساً على عقب طريقة عرض الجِرار بتقديمها على أسطح مستوية ليحدِّق بها كلُّ من يراها، وأوجدَ ما يشبه الحوارية من خلال تضمين أشعار تراثية ونصوص دينية. وبسبب الطبيعة المتجوية للجرار فقد اختار موشيري تجسيدها باستخدام وسائط متنوعة وألوان. وتقيَّد موشيري بطريقته الخاصة بالحفاظ على التشققات في اللوحة من خلال الاعتماد كثيراً على العشوائية في عملية معقدة تشمل صف طبقات سطح اللون وفركها وطيّها ومعالجتها قبل ترك العمل تحت المطر حتى يتشرب الماء، ومن ثم تحت الشمس بقصد تقسيته مع وضع الصمغ عليه.
وتُعدُّ الفنانة التشكيلية اللبنانية أوغيت كالان (وُلدت 1931) فنانة مخضرمة وواحدة من أشهر الفنانين اللبنانيين المعاصرين من أبناء جيلها. وُلدت أوغيت خوري كالان في عام 1931 في بيروت لعائلة لبنانية معروفة، فهي ابنة بشاري الخوري، أول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد استقلال لبنان في عام 1943. ودرست أوغيت كالان في الجامعة الأمريكية في بيروت مع رسّامين طليعيين من أمثال شفيق عبود (1926 – 2004)، وهيلين خال (1923 – 2000)، وعارف الريّس (1928 – 2005). وفي عام 1970 انتقلت أوغيت كالان إلى باريس تاركةً زوجها وأطفالها وراءها. وفي فينيسيا بولاية كاليفورنيا، ابتداء من عام 1987، رسخّت نفسها بالانتقال إلى اللوحات التجريدية. وقامت بتجريب نطاق عريض من الوسائط واستخدمت الكانفاس للتأمُّل في ذكريات عاطفية من ماضيها الذي سيطرت عليه مفاهيم العائلة والحرب والحرية. كذل تُظهر لوحاتها عالماً مصغراً من عبق بيروت وزخارفها. وتعجُّ لوحات أوغيت كالان بالألوان النابضة مهما اختلفت ألوانها ورِيَشُها. ومما يشدُّ في لوحاتها هذا التباين بين الخطوط والألوان، وهو ما يظهر جلياً في لووحتها المعنونة Good Luck (القيمة التقديرية: 80.000 – 120.000 دولار أمريكي).
وأما الفنان التشكيلي الإيراني تيمو ناصري (وُلد 1972) المبهور بزخرفة الآثار الإسلامية فيستخدمُ نسباً هندسية وخصائصاً رياضية في تنفيذ أعمال أخاذة. وُلد تيمو ناصري لأبٍ ألماني وأمّ إيرانية، ويقيم في برلين، ونشأ متأثراً بثقافتين مختلفتين تماماً. وعكف تيمو ناصري في بداية حياته على استكشاف الأشكال ودراسة المنظور وفهم قوى الفيزياء، وبدأ حياته المهنية مصوراً تجارياً إلى أن شدّته الفنون بعد رحلة عبر إيران في مطلع العقد الأول من هذا القرن. ويتمثّل مصدر إلهامه الأول في زخرفة معمارية فارسية تعود إلى القرن العاشر وتُسمى "المقرنصات"، إلى جانب مداخل المساجد.
وفي عمله الأخاذ المعنون Parsec #11 والذي أتمّه في عام 2010 يعرض تيمو ناصري وصفاً جديداً لما يمكن وصفه باللامتناهيات الرياضية. وتكشف سلسلة أعماله المعنونة Parsec ، والتي أنتجها في الفترة من عام 2009 إلى عام 2011 عن رؤية جديدة للفنان الذي قرّر الحفاظ على حجم المنحوتة (القيمة التقديرية: 35.000 – 45.000 دولار أمريكي).
لوحة الىفنان المصري محمود سعيد