يُصنّف جورج رول من بين أكثر الرسّامين التعبيريين موهبة. وقد جرّب الوحوشية قبل أن يتبنّى الأشكال التعبيرية ثم الرمزية، متأثّرا بمعلّمه الرسّام الرمزي غوستاف مورو. كان رول تلميذ مورو المفضّل. وأعماله الأولى، وبينها مواضيع دينية وبورتريهات، نفّذت بطريقة تشبه كثيرا لوحات أستاذه.
مواضيع رول محدودة وتتألّف غالبا من المواضيع الدينية والطبيعة الحزينة، ومن وقت لآخر كان يرسم باقات الأزهار. لكنه رسم أيضا لوحات قاتمة عن بائعات الهوى والفقراء.
"الملك العجوز" هي احد أكثر أعمال جورج رول نضجا، وهي بلا شك تحفته الفنّية بألوانها اللامعة وخطوطها السوداء الثقيلة.
كان الرسّام يبحث عن مواضيع مناسبة لإحساسه بالسخط والتقزّز إزاء شرور البورجوازية. والملك العجوز، الذي يمثّل نموذجا ايقونيّاً للسلطة، يعكس تغيّرا في نظرة الفنّان الانفعالية والأخلاقية. ورغم أن اللوحة لا تشير إلى سياق تاريخيّ معيّن، إلا أن هيئة الملك تذكّر بملوك آشور وبابل وبالنقوش المصرية القديمة. وتصوير الشخصية جانبيّاً يضاهي الصور الموجودة على النقود المعدنية الرومانية واليونانية القديمة.
الألوان اللامعة والخطوط السوداء السميكة والمستمدّة من تصاميم النوافذ المعشّقة تثير إحساسا بالسلطة وبغموض الملوك القدامى. الحاكم أو الملك في اللوحة لا يحمل سيفا أو أيّ سلاح آخر يرمز للسلطة الدنيوية، وإنما يمسك بما يشبه الزهرة البيضاء التي ترمز عادة إلى هشاشة الحياة وحتمية الفناء ودورة الولادة والموت.
ومثل معظم لوحات الرسّام، فإن "الملك العجوز" ممزوجة بإحساس بالتناقض المأساوي الذي توحي به قوّة الملك وضعفه في نفس الوقت.
بدأ جورج رول رسم هذه اللوحة خلال الحرب العالمية الأولى التي أطاحت بالملكيّات القديمة في أوربّا. وأكمل رسمها أثناء السنوات المضطربة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية التي جلبت معها للبشرية فظائع اكبر. وقد اشترى اللوحة متحف كارنيغي للفنّ في بداية تلك الحرب عندما بدا أن رؤية رول المأساوية تذكّر بظلمات وكوارث القرن العشرين.
أسلوب الفنّان يتسم بكثرة استخدامه للألوان الباذخة وضربات الفرشاة السميكة، وهي تقنيات اكتسبها من دراسته تصميم الزجاج ومن التعليم الذي تلقّاه على يد مورو. وهناك أيضا استخدامه للتباينات الحادّة والجانب الانفعالي في أعماله، وهما ملمحان يُعزيان إلى تأثير فان غوخ عليه.
ولد جورج رول عام 1871 في باريس لعائلة فقيرة. وقد شجّعته أمّه على دراسة الرسم في سنّ مبكّرة. وعندما انتظم في كليّة الفنون الجميلة بباريس كان من بين زملائه هنري ماتيس. وقد قرّبته تلك العلاقة من الاتجاه الوحوشي الذي كان ماتيس زعيما له، فرسم لوحات تغلب عليها السمات الوحوشية كالألوان الساطعة والتصميم البسيط.
كان رول يكتب الشعر والنثر، وكانت الطبيعة البشرية دائما في مركز اهتمامه. وفي بعض الأوقات، انجذب إلى الروحانيات والى الأفكار الوجودية للفيلسوف جاك ماريتان الذي احتفظ معه بصداقة وثيقة إلى أن توفّي.
في عام 1902، عانى الرسّام من مرض خطير. وأصبحت رسوماته تعكس اهتمامه العميق بمعاناة الإنسان وتدهور حال المجتمع. ثم رسم عدّة لوحات مكرّسة لانتقاد المحاكم والمهرّجين والمومسات. ولم يلبث أن كرّس وقته بالكامل لرسم اللوحات الدينية.
وفي نهايات حياته، احرق أكثر من ثلاثمائة من لوحاته يقال أن قيمتها اليوم تساوي ملايين الدولارات. وكانت حجّته في ذلك التصرّف الغريب انه لن يعيش بما فيه الكفاية كي يكملها.
توفّي جورج رول في باريس في فبراير من عام 1958 عن 87 عاما. وقد أقيمت له في مناسبات مختلفة معارض تذكّرية في العديد من العواصم الأوربّية وفي اليابان.