المقارعة الأردنية مع الاحتلال ارتكزت على دعم الفلسطينيين وتحرير الأرض
الأردن كان وما يزال وسيبقى صارما واضحا في موقفه تجاه القضية الفلسطينية
عمان - ليس مستغربا استهداف الاحتلال الصهيوني الممنهج للأردن، عبر الاستمرار باستخدام أساليبه المعهودة في تضليل الرأي العام، وآخر هذه الارتكابات التضليلية، زعمه بأن زيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي أول من أمس إلى إيران، كانت تتضمن حمله رسالة من كيان الاحتلال إلى طهران، وهذا إمعان صهيوني بالتزوير والكذب المعهود عنه.
وهذا الكيان الذي ووجه بالموقف الأردني الثابت، الداعم للحق الفلسطيني بدولته المستقلة، وهو ما أكد عليه منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ليصبح هذا الموقف الصلب للمملكة، ورفضه للحرب العدوانية على قطاع غزة والاعتداءات المتطرفة من قطعان المستوطنين على الضفة الغربية، مصدر إزعاج وقلق، بل وتهديدللكيان الذي لم يتوقف عن ممارسة شتى صنوف القتل والذبح والدمار والإبادة الجماعية بحق المدنيين الأبرياء في غزة، في وقت ما يزال فيه الأردن مواظبا على فضح مجازر هذا الكيان المحتل في كل المحافل والمنابر السياسية الإقليمية والعالمية، بالتوازي مع بذل جهوده الإنسانية المتواصلة في دعم الأهل في غزة، عبر تزويدهم بالمساعدات جوا عن طريق الإنزالات، وبرا بإرسال الشاحنات الإغاثية التي زادت على أكثر من ألفين و897 شاحنة، إلى جانب الفرق الطبية عن طريق المستشفيات الميدانية في غزة والضفة والتي لم يتوقف عملها إلى اليوم في تضميد جراح الفلسطينيين، ومعالجتهم.
وبالطبع، لا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل إن مقارعة الأردن للاحتلال، كانت حاضرة دائما عبر محطات عديدة من التاريخ، وعناوينها المركزية؛ تبلورت في الدفاع عن المقدسات والإنسان الفلسطيني وتحرير الأرض من براثن المحتل الذي يطل برأسه من جحره، مستهدفا - حسب ظنونه - الأردن وجودا ودورا، لكنه دائما يبوء بفشل تلو فشل، أمام أردن يتلاحم فيه الإنسان مع نظامه، مسيجا بسياج الجيش الحامي للوطن.
ومن محطات المقارعة الأخيرة، زعم ذباب الاحتلال الإلكتروني وأدواته الإعلامية المغرضة، ما بثوه خلال زيارة الصفدي إلى طهران، والتي جاءت تلبية لدعوة من نظيره الإيراني، لخبر مفبرك مجهول المصدر، محمولا على نوايا تضليلية واضحة تزعم أن "الصفدي يحمل، أو سيحمل رسائل من طرفي النزاع"، ما يؤشر إلى ضيق أفق وغباء الاحتلال المستفحل، بالإضافة إلى مكابدته لخسائر مهولة في الميدان، وغرقه في العزلة والنبذ الدولي والشعبي العالمي بسبب جرائمه الوحشية في غزة، كل هذا جعل خياراته تضيق مع الوقت، بل ويختنق بها أيضا تحت وطأة إفلاس دفعه للجوء إلى جنون الاغتيالات، فاندفع فيها تحت وطأة انعدام الرؤية وغياب العقل، إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، والقيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر.
حاليا؛ ينتظر كيان الاحتلال والعالم ردا إيرانيا على جريمته التي مثلت خرقا للقانون الدولي باغتيال شخصية سياسية في دولة تستضيفه، وسط ارتفاع وتيرة توتر واضح الزوايا، ومناخ دولي مرتبك وقلق من تداعيات ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، ومحمول على مخاوف على وشك اندلاع نزاع إقليمي واسع النطاق في المنطقة، بعد توعد طهران وحلفائها بالردّ على اغتيال هنية في طهران وشكر في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أيام.
بموازاة ذلك، يظل الأردن متمسكا بموقفه ودوره الإستراتيجي في تطويق أي سعي جنوني يفضي إلى إشعال حرب قد تجر المنطقة إلى الهاوية، لذا جاءت زيارة الصفدي في هذا الجانب، وفيها التقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، لينقل إليه رسالة من جلالة الملك عبدالله الثاني.
وقبيل الزيارة، دعا جلالة الملك عبدالله الثاني إلى تجنّب تصعيد عسكري، وذلك في اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحث خلاله التطورات الخطرة في المنطقة، كما دعا جلالة الملك في الاتصال إلى تكثيف الجهود الدولية للتوصل إلى تهدئة شاملة، تجنب الشرق الأوسط توسع الصراع واشتعال مزيد من الفوضى.
من المؤكد أن الأردن، كان وما يزال وسيبقى صارما واضحا في موقفه تجاه القضية الفلسطينية، فموقفه السياسي يتمثل بشرح أبعاد وجذور الصراع في القضية الفلسطينية، والعمل على وقف العدوان الهمجي والبربري الذي يقترفه كيان الاحتلال، أكان في غزة أو الضفة ضد المدنيين على وجه التحديد، مع التأكيد على الحل السلمي.
على المستوى الإنساني، سيظل الأردن يعمل على مساعدة وإغاثة الفلسطينيين، ما يجعل الاحتلال المارق، وهي يؤق الكيان، الذي يواصل حربه التضليلية بحق الأردن الذي لن يثنيه كل ذلك، عن الاستمرار في جهوده الدبلوماسية والإنسانية، بحسب خبراء.
في هذا الإطار، يقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية د. محمد مصالحة، إن الموقف الأردني واضح تماما، وهو ينافح ويكافح لأجل فلسطين والفلسطينيين، وعلى المستويات كافة، لهذا تأتي زيارة الصفدي إلى طهران برغم أن العلاقات بين البلدين ليست طبيعية، لكنها مبادرة أردنية مهمة جدا، تسعى إلى ترطيب العلاقات بينهما، فالغرب يريد أن يحول العداء العربي لإسرائيل إلى عداء عربي لإيران، وفي واقع الأمر؛ فإن هذا غير مقبول، لأن القضية الفلسطينية أولوية بالنسبة للعرب والشعب الفلسطيني، عبر تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني.
وأضاف مصالحة، أما تحويل الأنظار وعملية الإزاحة للقضية الفلسطينية، فهو هروب من الأزمة وجعلها تتفاقم وتنفجر في أي لحظة، كما أنها تعكس حجم الأزمة التي يعيشها الاحتلال المسعور، لتحقيق "نصر مطلق"، لكنه يفشل يوميا ويهرب من هذا المأزق، عن طريق ارتكاب اغتيالات لا تحقق له أي مستوى من الردع، مشيرا إلى أن الاستهداف الممنهج للأردن، والسعي الى تطويق مساعي رئيس وزراء الاحتلال المتطرف بنيامين نتنياهو لتوسيع دائرة الحرب في المنطقة، يأتي في هذا الإطار، كون الأردن يعي ويدرك المآرب التي يريد الاحتلال تحقيقها بأوهامه، وتوسيعها ونقلها إلى مستوى إقليمي، يعني بالنسبة إليه تخلصه من مأزق غزة الذي يطبق عليه وعلى جنوده، ويوفر له عامل الوقت، الذي يظن أنه قد يحقق له نصره المزعوم.
وفي ظل احتدام التوتر في المنطقة، ما تزال الدبلوماسية الأردنية، تسعى جاهدة إلى تحقيق أهداف التهدئة في المنطقة، لذا جاءت زيارة الصفدي إلى طهران محمولة على رؤية أردنية عميقة، إذ أوصل عبرها رسالة من جلالة الملك إلى الرئيس بزشكيان، حول الأوضاع في المنطقة والعلاقات الثنائية، توضح الموقف الأردني من التطورات الجارية، وأن أولويات المرحلة تقتضي إنهاء الحرب على قطاع غزة، وخفض التصعيد في المنطقة، وتهدئة التوتر الإقليمي في ظل تصاعد التوتر بين إيران والكيان المحتل، عقب اغتيال هنية في مقر إقامته بطهران.
بموازاة ذلك أيضا، من الواضح أن هناك قلقا عميقا عند مختلف الأطراف من تبعات أي عمليات عسكرية قد تقود إلى الانزلاق نحو أتون مواجهة إقليمية مفتوحة على كل الاحتمالات.
وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية د. أيمن البراسنة، إنه في ظل احتدام التوتر في المنطقة، ما تزال الدبلوماسية الأردنية، تسعى جاهدة إلى تحقيق أهداف التهدئة في المنطقة، وإن أولويات المرحلة تقتضي إنهاء الحرب في غزة، وخفض التصعيد في المنطقة، وتهدئة التوتر الإقليمي، في ظل تصاعد التوتر بين إيران والكيان، عقب اغتيال هنية.
وأضاف البراسنة، أن الأردن يدرك بأن هذه المساعي الدبلوماسية، ستكون مستهدفة من كيان الاحتلال المستمر بعدوانه على غزة، والساعي لإغراق المنطقة في مواجهات أوسع، كذلك فإن الأردن مدرك ومتيقن من أن الاحتلال، لا يمانع بأن تكون سماء المملكة مسرحا للعمليات العسكرية، ما يعرض أمننا واستقرارنا إلى خطر التصعيد المتبادل، بمعنى آخر، فإن الأمن الوطني الأردني، أصبح ضمن دائرة التوترات والمواجهات الإقليمية، ما استدعى تحركا أردنيا سريعا، لتوضيح الموقف الأردني مما يجري من أحداث في المنطقة.
وأضاف "لذلك، يمكن تصنيف هذه الزيارة في إطار التشاور حول ما يجري، بما في ذلك إدانة جريمة اغتيال إسماعيل هنية، ومحاولة تحسين العلاقات وتجاوز الخلافات بين البلدين، بحيث يحفل سجل العلاقات مع إيران بمحطات كثيرة متباينة، تتراوح بين الهدوء والفتور. بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة احترام القانون الدولي وسيادة إيران، وفي الوقت نفسه، حماية المنطقة من تبعات كارثية، والتأكيد على أن الأردن ليس طرفا في الصراع مع إيران، بل إنّه طرف في المواجهة الدبلوماسية والسياسية ضد حكومة نتيناهو اليمينية المتطرفة، بحيث اتخذ الأردن موقفا متقدما في دعم الفلسطينيين، ووقف بحسم أمام العدوان الإسرائيلي على غزة".
من جهته، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، إن موقف الاردن تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة ثابت منذ بدء الحرب إلى اليوم، بل إن الأردن يرى بأن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، سيؤدي إلى اتساع رقعة الصراع والدخول في حرب شاملة في الإقليم ككل، وأنه يسعى إلى تحقيق الأمن والسلام في المنطقة.
وأتم: أن الموقف الأردني يتعارض تماما مع موقف الاحتلال المستند على استمرارية الحرب على قطاع غزة، واستمرار جرائم الإبادة في القطاع. كذلك الموقف الإسرائيلي رافض للحل السياسي، المتمثل بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، بخاصة تأسيس دولة فلسطينية في القطاع والضفة.
وأضاف شنيكات، أن المقاربة التي ينطلق منها الأردن بتشخيص الصراع وتقديم الحلول، تصطدم بالسياسات الإسرائيلية التي تقوم بها حكومة نتنياهو المتطرفة بخاصة في القطاع والقدس كافة، والمناطق الفلسطينية الأخرى، وهذا ما يفسر الاستهداف الممنهج للأردن في مواقفه، ما يستدعي العمل على الاستمرار بتحصين الجبهة الداخلية بشفافية، تضمن تدفق المعلومات للناس يقابله تمسك بالثوابت الأردنية من الجميع وإيمان بقوة ومنعة الدولة الأردنية وجيشها تقوده بوصلة لا تحيد عن القدس.
زايد الدخيل الغد