بقلم / سارة السهيل
يشكل اللعب أهمية كبيرة في تنشئة الأطفال واسعادهم باللهو والمرح، بجانب انه يخلصهم من الطاقة الزائدة، وتنمية ادراكهم عبر عمليات التخيل والتذكر والتفكر التي يمارسها الطفل خلال لعبه. ومن ثم فان اللعب يؤدي لتنمية نشاطه النفسي وبناء شخصيته.
وكشفت الكثير من الدراسات العلمية عن العلاقة الايجابية بين ارتفاع الذكاء واللعب، وسبق لابن سينا الكشف عن أهمية لعب الاطفال بقوله : " وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة ،ثم يطعم شيئاً يسيراً ، ثم يطلق له اللعب الأطول.”
واللعب هنا حركي وجماعي مثل الالعاب الرياضية الشعبية المختلفة التي تربت عليها الاجيال بشكل تفاعلي مع الطبيعة، بعيدا عما نعرفه في عالمنا المعاصر من كابوس الالعاب الاليكترونية التي رغم أنها تحفز الذكاء لدى الأطفال وتنمي ذاكراتهم وسرعة تفكيرهم، ومهارتهم الإدراكية، الا انها اغتالت براءة الصغار ودفعتم للانحراف السلوكي والدخول في علاقات مشبوهة وانتهت الى جرائم الانتحار والقتل خلال تنفيذهم تعليمات اليكترونية افتراضية قضت علي حياتهم ، كما تفعل لعبة " الحوت الازرق".
إن والدتي كانت تخفي عني هذه الألعاب الالكترونية في مرحلة طفولتي « نينتندو بلاي ستيشن» كلما أهداني إياها احد الاقارب ، وكانت تحثني بدلا عنها باللعب في فضاءات الطبيعه و مع الحيوانات ، و عندما كبرت أدركت سبب تخوفها من تلك الألعاب التي تؤدي إلى نتائج ضارة خاصة إذا ما وصل اللعب بها حد الإدمان ، ولا ننكر أن بعضها مفيد خاصة من يعمل على تنمية الذكاء.
لكننا نحذر من بعضها الذي يحث على العنف و الاكتئاب
ناهيك عن بعض الالعاب الالكترونية التي تحتوي على مشاهد غير اخلاقيه والفاظ نابية وسلوكيات منحرفة تغير من عادات الصغار الاجتماعية والاخلاقية المتعارف عليها في بيئتنا الشرقية.
أما على الصعيد الصحي، فانه وفقا للمتخصصين فإن الأطفال وحتى المراهقين المتعاطين مع تطبيقات الألعاب الإلكترونية سرعان ما يقعوا فريسة للاضطرابات السلوكية والعضوية والنفسية، من بينها ما يعرف بالتوحد الإلكتروني، وما يترتب عليه من إنطواء وعزلة ، ما يجعل من امراض الاكتئاب نتيحة حتمية لاندماجهم في عالم افتراضي يغيبوا فيه عن التواصل مع الواقع ، وفي ظل غياب رقابة أسرية واجتماعية تحميهم من الحوت القاتل.
الطامة الكبرى أن الأسر باتت تريح نفسها من مسئولية رعاية الصغار وازعاجهم والانشغال بهم فترمي بهم في أحضان فيديوهات الألعاب والرسوم المتحركة في سنين عمرهم الأولى ، فما أن يصل الطفل عمر الثلاث سنوات حتى يشاهد الرسوم المتحركة، وهو ما يعرضهم في سن مبكرة كما يؤكد الأطباءالمتخصصون ، لاضطرابات في نشاط المخ والأعصاب والنطق والكلام وقصر النظر .
ما يستوجب على الأهل اتباع الحكمة في إختيار النوع وما يتناسب مع العمر اي الجودة و السن المناسب
ويشب الصغار على الالعاب الاليكترونية المسلية، لكن معظمها يحتوي على مضامين تحفز على الاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم ظلما وعدوانا، كما أنَّها تُعلِّمهم طرق ارتكاب الجريمة وتنمِّي لديهم مشاعر العنف والاعتداء على الآخرين.
إن الألعاب الإلكترونية صارت صناعه كبيرة وبات تأثيرها على الاقتصاد العالمي واضحا وهو ما تؤكده ارقام حجم صناعتها الذي يقدر حالياً بنحو 110 مليارات دولار، ومن المتوقع وصوله إلى 200 مليار دولار بحلول 2020.
ألعاب مدمرة
في السنوات الأخيرة انتشرت عدة ألعاب اليكترونية مرعبة شغلت عقل ووجدان الصغار والمراهقين بما احتوته من اثارة وتشويق وغموض لكنها أصابت الاهالي بالذعر خوفا على فلذات أكبادهم، مثل " لعبة مريم " التي انتشرت خاصة في دول الخليج ، بعد ان حرضت الأطفال والمراهقين على الانتحار، لأنها تحمل في طياتها تهديدا لهم بانه إذا لم يتم الاستجابة لها ستؤذي أهاليهم.
وكذلك" لعبة جنيّة النار" التي تشجع الأطفال على اللعب بالنار، حيث توهمهم بتحولهم إلى مخلوقات نارية باستخدام غاز مواقد الطبخ، وتدعوهم إلى التواجد منفردين في الغرفة حتى لا يزول مفعول كلمات سحرية يرددونها، ومن ثم حرق أنفسهم بالغاز، ليتحولوا إلى "جنية نار"، وقد تسببّت في موت العديد من الأطفال حرقاً، أو اختناقاً بالغاز.
كما أدت " لعبة تحدّي شارلي" الى وقوع حالات اغماء وانتحار لأطفال خلال مشاركتهم في هذه اللعبة المنتشرة عبر مجموعة فيديوهات على شبكة الإنترنت، وساهم في انتشارها استهدافها لأطفال المدارس، من حيث اعتمادها على الأدوات المدرسية ، خاصة الورقة وأقلام الرصاص لدعوة شخصية أسطورية مزعومة ميتة تدعى "تشارلي" ثم تصوير حركة قلم الرصاص مع الركض والصراخ.
بينما سيطرت لعبة «البوكيمون» غو، منذ ظهورها قبل عامين، على عقول الملايين عبر العالم، ورغم ما حققته لمستخدميها من متع وتسلية الا انها تسببت في وقوع الحوادث القاتلة بسبب انشغال اللاعبين بمطاردة والتقاط شخصيات « البوكيمون» المختلفة خلال سيرهم في الشوارع. و لا أنكر انني تفاعلت معها عندما كنت في زيارة لامريكا قبل عامين ثم حذفتها لانها كانت تأخذ من وقتي دون فائدة فما بالك بالصغار
الحوت القاتل
وما كاد صغار ومراهقي العالم يفرغون من مخاطر «البوكيمون»، حتى ظهرت لعبة "الحوت الأزرق" التي سلبت عقول مستخدميها من المراهقين والاطفال ودفعتهم للانتحار وكان آخرهم "خالد" نجل المهندس حمدي الفخراني البرلماني المصري السابق، حيث قالت شقيقته ياسمين، عبر حسابها الشخصي على مو قع "فيس بوك"، إنه انتحر شنقا وأن "الحوت الأزرق" قد تكون سببا دفع شقيقها للانتحار.
هذه اللعبة القاتلة ظهرت في روسيا وعبرت حدودها الى باقي دول العالم، و تعرف رواجا عبر تطبيقات الهواتف النقالة ومواقع التواصل الاجتماعي، ان " الحوت الأزرق" يعتمد علي غسل عقول المستخدمين الصغار والمراهقين طوال 50 يوما، فيأمرهم بأداء مهمات معينة مثل مشاهدة أفلام رعب، والاستيقاظ في ساعات غريبة من الليل، وإيذاء النفس، حتى انه يأمرهم في نهاية الأمر بالانتحار وسط تشجيع وثناء من القائمين على اللعبة الذين يوهمونه أنه بطل.
استغلال المأزومين
ووفقا لاعتراف الروسي فيليب بوديكين بالجرائم التي تسبب بوقوعها، فانه اعتمد على جذب الأطفال الذي يمكن استغلالهم فكريا ونفسيا والذين يعانون من مشاكل عائلية أو اجتماعية وبعتبر دخولهم في اللعبة حتى النهاية بالانتحار محاولة منه لتنظيف المجتمع من أسماهم ب"النفايات البيولوجية" معتبرا انهم سعداء بالموت.
أما وسيلته في جذب هؤلاء الضحايا الصغار، فتعمد على الايهام بأن هذه اللعبة تؤمن لهم مكاناً إفتراضياً يحاولون إثبات أنفسهم فيه، خاصة الأطفال غير المندمجين مع محيطهم، وبعد أن تشعرهم هذه اللعبة بالانتماء وبأنهم أشخاص مهمون وأصحاب سلطة، تدفعهم نحوالهاوية.
خطورة المعلومات
تسهتدف لعبة "الحوت_الأزرق " كتطبيق يجري تحميله مجانا على الموبايلات وتتكون من 50 مهمة، فئة المراهقين بين 12 و16 عاماً، وبعد أن يقوم المراهق بالتسجيل لخوض التحدي، يُطلب منه نقش الرمز التالي “F57” أو رسم الحوت الأزرق على الذراع بأداة حادة، و إرسال صورة للمسؤول للتأكد من أن الشخص قد دخل في اللعبة فعلاً.
بعد ذلك يُعطى الشخص أمراً بالاستيقاظ في وقت مبكر جداً، عند 4:20 فجراً مثلاً، ليصل إليه مقطع فيديو مصحوب بموسيقى غريبة تضعه في حالة نفسية كئيبة. وتستمر المهمات التي تشمل مشاهدة أفلام رعب والصعود إلى سطح المنزل أو الجسر بهدف التغلب على الخوف.
وفي منتصف المهمات، على الشخص محادثة أحد المسؤولين عن اللعبة لكسب الثقة والتحول إلى "حوت أزرق"، وبعد كسب الثقة يُطلب من الشخص ألا يكلم أحداً بعد ذلك، ويستمر في التسبب بجروح لنفسه مع مشاهدة أفلام الرعب، إلى أن يصل اليوم الخمسين، فيٌطلب منه الانتحار إما بالقفز من النافذة أو الطعن بسكين.
بينما لا يُسمح للمشتركين بالانسحاب من هذه اللعبة، وإن حاول أحدهم الانسحاب، فإن المسؤولين عن اللعبة يهددونه ويبتزونه بالمعلومات التي أعطاهم إياها لمحاولة اكتساب الثقة. ويهدد القائمون على اللعبة المشاركين الذين يفكرون في الانسحاب بقتلهم مع أفراد عائلاتهم .
إن مخترع هذه اللعبة يقض عقوبة السجن، ورغم أن اغلاق المجموعات الخاصة بهذه اللعبة في صفحات التواصل الإجتماعي من قبل إدارة الموقع، فانه لا يزال هناك ناس يعطون الأوامر من هذه اللعبة لتوفرها على الانترنت بشكل كبير حتى بعد إزالتها من متجر جوجل وابل، ولا تزال هذه اللعبة المجانية تنتشر بصوره كبيرة بين الأطفال ، وليظل ارهاب الحوت الازرق يهدد حياة الصغار وهو أشد خطورة من ارهاب داعش والقاعدة، ومن ثم فانني أتصور هذ النوع من الارهاب يحتاج لموقف دولي حازم ينطلق اولا من مؤسسة اليونسيف المعنية بالطفولة لقيادة حملات دولية لحجب أي مواقع اليكترونية تتيح هذا التطبيق القاتل، وكذلك فان منظمة اليونسكو يقع علي عاتقها دور مهم في قيادة رأي عام ثقافي دولي يناهض اي فكر عدواني اليكتروني. و ان حذفنا لعبه الخوف من انشاء لعبه جديدة لمحاربة هذه النماذج بالقانون الإليكتروني الصارم و بالرقابة المطلوبة من الدوله اولا و الاهل ثانيا و التوعية في المدارس
مكافحة متصلة
ولاشك ان هذ اللعبة الكارثية بكل المقاييس تنتهك حق الانسان في الحياة وتخالف كل الشرائع السماوية والارضية، ومن ثم فان كل اصحاب الديانات مطالبون بتوحيد موقفهم في مكافحة هذا الشيطان العصري وأمثاله المستقبلية عبر خطط توعية بمخاطرها على امن وسلام الاجيال الناشئة.
و أشيد هنا بموقف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في تحذيره من هذه اللعبة لانه تستخدِم أساليبَ نفسيةً معقَّدةً تحرض على إزهاق الروح من خلال الانتحار، وانها انطلقت من روسيا مسجلة 130 حالة انتحار، فانها انتشرت حتى وصلت إلى عالمنا العربي والإسلاميِّ ، وقد نهانا الله سبحانه عن ارتكاب أي شيء يهدد حياتنا وسلامة أجسامنا فقال : {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} .
ودعا مرصد الازهر الشريف الي ضرورة متابعة الطفل بصفة مستمرة، ومراقبة تطبيقات هواتفهم، وعدم ترك الهواتف بين أيديهم لفترات طويلة، مع شغل أوقات فراغ الأطفال بما ينفعهم من تحصيل العلوم النافعة والأنشطة الرياضية المختلفة.
وفي تصوري، ان مخاطر هذه اللعبة تستدعي سن تشريعات قانونية تجرم صناعة وانتاج مثل الالعاب وتقييد حرية المراهقين في استخدامها. اوعلي الصعيد الاجتماعي فان الاسرة والمؤسسة العليمية مطالبين بنشر الوعي بخاطر هذه الالعاب، أما المؤسسات الثقافية والفنية فينغي عليها ان تنتج العابا اليكترونية للصغار والمراهقين تحفزهم علىقيم الحب والسلام واعمال الخير وغيرها. كما تعلمهم التفكير السليم و الاختراعات العلمية المفيدة وكيفية تطوير النفس للافضل بكافة الاصعدة