رافيد (اسرائيل): تخطط إسرائيل الرائدة في تحلية مياه البحر، لضخ فائض انتاجها من المياه المحلاة في بحيرة طبرية التي تعاني من تراجع منسوبها بسبب فرط الاستخدام ومخاطر التغير المناخي.
ويهدد عدم انتظام المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة في الصيف والضخ المفرط للمياه، أكثر بحيرة للمياه العذبة انخفاضًا في العالم وقد ظلت على مدى عقود خزاناً رئيسياً لمياه الشرب للدولة العبرية.
وتسعى إسرائيل اليوم إلى مواجهة هذه التحديات من خلال نقل المياه المحلاة إلى هذه البحيرة عبر شبكة مضخات وأنابيب وأنفاق واسعة يعود تاريخها إلى ستينيات القرن الماضي.
تعتبر السلطات المشروع دليلاً على تقدم تقنية تحلية المياه لديها وتطور إدارتها وهذا من شأنه أن يساعدها على تعميق علاقتها مع الدول العربية التي تعاني من شح المياه.
وتواجه الدولة العبرية اتهامات بحرمان الفلسطينيين ومنذ فترة طويلة من نصيبهم العادل من المياه ما يجعل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر يواجهان أزمة مياه شديدة.
ويرى علماء البيئة أنه كلما زاد اعتماد إسرائيل على الوقود الأحفوري لتشغيل محطات التحلية فإن انبعاثات الكربون الناتجة عن ذلك ستفاقم من مشكلات التغير المناخي.
لكن هذه المشكلات لم تمنع بعض الخبراء من التأكيد على الحاجة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة الاحتباس الحراري العالمي المقترن بالزيادة السريعة للسكان.
ويقول الباحث في خدمة الأرصاد الجوية الإسرائيلية ناعوم هالفون إن متوسط درجة الحرارة في إسرائيل ارتفع على مدى العقدين الماضيين بمقدار درجتين مئويتين.
فرغم ارتفاع منسوب البحيرة خلال فصل الشتاء المنصرم بفضل هطول كمية كبيرة من الأمطار إلا أن انخفاض المنسوب بشكل كبير ما بين عامي 2014 و 2018 ينذر بما هو أسوأ.
يقول هالفون "تشير التنبؤات إلى تراجع هطول المطر عموماً وانخفاض بنسبة 10-15 في المئة في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين".
ويضيف أن النمو السكاني السريع في إسرائيل يزيد الحاجة إلى مشروع جديد للبنية التحتية للمياه.
ويستدرك "يتضاعف عدد السكان كل 30 عاماً، وبدون هذا المشروع فإن الوضع سيكون مروعاً".
"مياه فائضة"
يشرف المهندس زيف كوهين من شركة المياه الإسرائيلية "ميكوروت" على العاملين في موقع في شمال إسرائيل حيث كانت الرافعة تعمل على إنزال أنابيب المياه إلى الخنادق التي حُفرت لهذا الغرض .
ولكن التلال الخضراء المحيطة بالموقع وحيث تفتحت أزهار الربيع لتوها لا تبدد الشعور بالتشاؤم عند كوهين.
ويقول لوكالة فرانس برس "شعرنا في السنوات الأخيرة بانخفاض هطول الأمطار" في منطقة تجمع المياه في البحيرة.
ويقول كوهين إن المشروع الذي تبلغ تكلفته مليار شيكل (أكثر من 300 مليون دولار) سيبدأ بنهاية السنة بعكس اتجاه تدفق النظام الذي كان في السابق ينقل مياه البحيرة إلى مناطق عدة.
ويضيف "سيكون بإمكاننا رفع مستوى مياه البحيرة لتصبح خزاناً للمياه في اللحظة التي تبدأ فيها المياه بالتدفق عبر خط الأنابيب وعندما نجلب المياه الفائضة من محطات التحلية في وسط البلاد".
وبعد ساعة بالسيارة باتجاه ساحل البحر الأبيض المتوسط، سكب الرئيس التنفيذي لمحطة "مياه عاموس المحدودة" ديفيد موهلغاي كوبًا من المياه من إنتاج محطة للتحلية في الخضيرة وهي واحدة من خمس محطات في إسرائيل.
يقول موهلغاي "نحن جاهزون" ومرتبطون بالنظام الجديد.
تنتج المحطة 137 مليون متر مكعب سنوياً، أي ما يعادل 16 في المئة من إمدادات مياه الشرب في إسرائيل وتبلغ طاقتها الانتاجية 160 مليون متر مكعب. وتجاور محطة المياه محطة الفحم والغاز التي تشغلها ما يبرز التناقض في التكيف مع أزمة المناخ.
يضيف موهلغاي "نحتاج إلى الكهرباء" ويبدو مقتنعاً بأن الوقود الأحفوري فقط قادر على أداء هذه المهمة حالياً.
ويضيف "في الوقت الحالي، لا يمكننا الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة فقط".
اهتمام كبير
سمحت الخبرة التي تتمتع بها الدولة العبرية في مجال تحلية المياه بفتح آفاق دبلوماسية جديدة مع دول الشرق الأوسط التي تعاني من شح المياه بعد أن وقعت اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب.
العام الماضي، وافقت إسرائيل والأردن من حيث المبدأ على مشروع لتبادل الطاقة الشمسية مقابل المياه الإسرائيلية التي قال مسؤولون إسرائيليون لفرانس برس إن مصدرها سيكون من طبرية.
ويشير موهلغاي إلى استضافته وفداً مغربياً في المحطة وأن نائب رئيس شركة تحلية المياه المشغلة للمحطة IDE في زيارة عمل إلى الإمارات".
ويقول الرئيس التنفيذي للمحطة "هناك اهتمام كبير بالتكنولوجيا الإسرائيلية" ويرى أنه طالما أن "الجميع يعانون من نقص المياه فإن جلبها يمكن أن يحل كثيرًا من المشكلات".
وإذا كانت إسرائيل تنفذ مشاريع مستقبلية واعدة فإن الوضع في الأراضي الفلسطينية لا يشهد أي تطور يذكر رغم التقنيات الجديدة المستخدمة وذلك على ما يقول المدير التنفيذي لمجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين أيمن ربيع.
وتسيطر إسرائيل بشكل شبه مطلق على موارد المياه في الضفة الغربية المحتلة مع السماح للفلسطينيين بالحصول على كمية محدودة من المياه الجوفية.
وبموجب اتفاقية السلام الموقعة في تسعينيات القرن الماضي، تبيع إسرائيل المياه للفلسطينيين لكنها لا تراعي نموهم السكاني.
ويوضح ربيع أن الفلسطينيين بدأوا في زراعة المحاصيل التي تتطلب كميات مياه أقل كما أنهم بذلوا جهوداً كبيرة لجمع مياه الأمطار في محاولة لمواجهة الأزمة.
ويقول لفرانس برس "بالطبع يسوقون (الإسرائيليون) أنفسهم كمصدرين للمياه ... لا أعتقد أن هذا سينعكس على الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون".ايلاف