كلمة العنف تعني الألم والظلم والتعدي على الآخرين، فهو بكافة أشكاله من أكثر المشاكل الاجتماعية على مستوى العالم ومجتمعاتنا العربية خاصة ويتفرع من العنف عدة أنواع من حيث الضحايا مثل العنف ضد الأطفال، والعنف ضد الزوجة، والعنف الأسري الذي يطال فرد أو عدة أفراد بالعائله. واهتم الباحثون والأطباء على مستوى العالم بظاهرة العنف عامة وأكثر المهتمين كانوا من الدول المتقدمه. فما يثير الاستفزاز هو التعدي على الأضعف واستغلال ضعفه في ممارسات ربما يكون سببها الرئيسي خلل في التربية أو مرض عصبي يصاحب المعتدي، أو حالة عصبيه مؤقتة تطرأ عليه، ومن أخطر جرائم العنف هو (الموجه ضد كبار السن) سواء كان رجلاً أو امرأه، وتزايدت بشكل ملحوظ ضد الأطفال وبعضهم من كبار السن، والكارثة أن الشخص المعتدى يكون من أحد أفراد الأسرة كالأبناء أو الأحفاد. وأخص بالذكر في مقالي “العنف ضد كبار السن” لشعوري بأنهم بحاجة لرعاية كاملة من الجهات المختصة من المؤسسات والحكومات وإحساسي بأنهم مهمشين. فنجد أن العنف ضد المسنين (كبار السن) يكاد يكون مختفيًا تمامًا والسبب في هذا ربما يرجع لنفس الأسباب التي أدت لتأخر الاهتمام بحقوق الطفل ورعايته، ونضيف عليها بندا مهمًا وهو أن بعض الأنانيون ينظرون لكبير السن على أنه ماضٍ وأنهم يستثمرون بما يفيدهم للمستقبل من حاضر وما سيليه متناسين أن من لا ماض له لن يكن له مستقبل والشجرة التي بلا جذور لن تصل إلى عنان السماء وأن ما هم عليه الآن ما هو إلا بذرة ماضٍ وتعب من سبقوهم وحصيلة ما مر ومن ثم نتاج حصاد تراكم المجتمع وتجاربه وعطاءاته بشكل عام مما ينعكس على حاضر كل من يتشارك هذا الحيز.فالرأسماليه والحياة العملية واللهث وراء المال والسباق الذي وضعت الإنسان به تلك الدول التي أنست الإنسان والإنسانية واستخدمت الفرد على أنه أداة ووسيلة وجردته من المشاعر والأحاسيس والاحتياجات العاطفيه والنفسية التي أفقدته الروح والقيم والاستمرار في حالة الانحدار والتدهور الأخلاقي والإنساني، إلا أن هناك بعض المحاولات للاحتفاظ بقدر من الطموحات المرجوة.فقد لاحظت بقراءاتي للعديد من الدراسات والأبحاث، عن “العنف ضد المسنين” وسوء معاملتهم، خبر محزن بأن معدلات العنف ضد المسنين في زيادة مستمرة في مجتمعنا، وهذا يعني بأن الرحمة بدأت تغيب ليحل محلها الوحشيه وروح الانتقام وغياب التسامح ورحيل الضمير والبعد عن مخافة الله الذي خلقنا سبحانه وتعالى بفطرة سليمة يملؤها الخير والوئام والمحبة، لكنها تلوثت مع الأسف بمرور الزمن. وأعتقد أن الوصايا الدينية انشغلت بالسياسه وامتهنت وظائف إعلاميه وإعلانية وتناست دورها الرئيسي في توجيه الناس للفضيله والتحاب والتراحم.فقد وصلت الإحصاءات في أحد الأبحاث الاجتماعية إلى أن أكثر أنواع الإيذاء يتمثل في الإهمال، إذ بلغ المتوسط 2.80%، يلي ذلك الإيذاء النفسي بمتوسط 2.49%، ودعت الدراسة إلى وضع برامج احترافية لمواجهة ظاهرة تزايد العنف ضد كبار السن في المجتمع بصفة عامة. نحن نحتاج هذه البرامج الاحترافية التي تساعدنا على العناية اليومية بكبار السن، والرغبة في مساعدتهم وعدم التأفف من وجودهم وخدمتهم وهذه لا يفيد معها أي تدريب بل يجب أن تنبع من إيماننا بفضل الكبار بعد الله علينا وشعورنا تجاههم بالمحبه والمسؤوليه والامتنان رغم ما يمكن أن يواجهه الأشخاص المعنيين برعاية المسن من المشكلات الشخصية والنفسية والماديه والاجتماعية وأيضًا ترتيب الوقت والأولويات من حيث العمل والوظيفة، وأيضًا رعاية الأطفال إن وجدوا، وسؤال الطفل عن المعاناة التي واجهها أهله في تربيته والتحديات التي واجهها أهله وتحملها الأب والأم حتى كبر وأصبح رجلاً أو امرأة حيث جاء لهذه الدنيا كدمية لا تعرف شيء فاعطته أسرته الدفء والحنان والأمان وحافظت على سلامته وأمنت له المأكل والمشرب والملبس والجو المناسب والعلم والدراسة. فمن غير الطبيعي أن يكون العكس وأن يكون مقابل العطاء جحود، وبدل من أن ترد الجميل تتزايد حدة العنف تجاه هؤلاء المسنين والأضل سبيلا أن بعضهم يبرر لك عنفه وعقوقه بأن أهله لم يعتنوا به في صغره أو أساءوا معاملته، فهل هذا مبرر لإنسان قلبه نظيف وضميره سوي. وهذه القسوة كانت تخفي خلفها الحب الكبير والحرص على مستقبل أولادهم. وهناك أسباب أخرى للعنف ضد كبار السن منها برود المشاعر وانعدام العاطفة التي قد يكون سببها خلل نفسي يحتاج لعلاج وربما يعود لخلل في التربية، فلا شيء في الدنيا أهم من رعاية الأم أو الأب أو الجد، فلهم الأولويه قبل أي شيء لأن الحياه لاتزال أمامك، وقد يأتي يومًا لن تجدهم أمامك ووقتها لن ينفع الندم ولا تأنيب الضمير واعرف أن الزمن دولاب والحياه سداد ودين وما فعلته بأهلك سيفعله معك أولادك.إن ما يسهم في زيادة معدل هذه الجرائم هو العجز عن إبلاغ أو شكوى المسن (المجنى عليه) عما يُرتكب بحقه من جرائم خوفًا من فقدان مصدر رعايته، والذي يعتمد عليه بشكل أساسي، أو اعتقاده أنه لا جدوى من شكواه. ومن المؤسف أن الجاني فى معظم جرائم العنف ضد المسنين من أقرب الناس لهم، فنجد بعض الأبناء الذين تجردوا من إنسانيتهم يُعَنفون بالضرب والإساءة اللفظية والديهم مما يحط من كرامتهم، ويعرضهم لمشاكل صحية ونفسية وهو نوع من العقوق الذى يرتكبه الأبناء ضد والديهم أو ذويهم.ففي دراسة صدرت فى مصر عن حالات الوفيات لكبار السن بدار التشريح التابعة لمصلحة الطب الشرعى بوزارة العدل خلال الفترة من 2007 حتى 2010 وقد بلغ عدد الحالات 139 حالة من إجمالى 2868 حالة وقد كان معظمها من الذكور، وقد تعرض حوالى 56% من الحالات إلى عنف بدنى، و69% من الحالات إلى الإهمال الذى أدى إلى الوفاة، وقد اشتملت الدراسة على 23% من الحالات التى كان سبب الوفاة فيها هو الطعن بالسكين.ويتخذ العنف أشكال عدة ضد كبار السن منها: العنف الجسدي، ويقصد به أي تصرف يؤدي إلى ألم جسدي عند المسن، مثل: الحرق، والضرب، والدفع، وعدم التنظيف والرعاية الجسدية. والعنف النفسي ويقصد به أي فعل يسبب ألم نفسي ومعاناة للمسن مثل: الاحتقار، وعدم الاحترام، والحبس، والتهديد، والإكراه، والإجبار، وعدم الاهتمام بالمتطلبات النفسية المتعددة. والعنف المادي، وهو أي فعل يصدر من الغير للسيطرة على أموال المسن أو مصادر دخله أو السرقة والنهب، أو إكراه المسن على التنازل عن ممتلكاته.وبالنسبة للمسنين المقيمين ببعض دور المؤسسات فيتمثل العنف الموجه لهم مصدره في فقر إمكانات هذه المؤسسات، مثل عدم ملائمة المسكن، أو نقص المرافق كغرف النوم أو غرف الطعام، أو قصور التجهيزات كغرف الكشف الطبي أو الترويح. ويتوقف معدل زيادة تعرض المسن للإيذاء والعنف على عدة عوامل منها: ضعف القدرات العقلية للمسن؛ حيث أن ظهور تصرفات عدوانية وغير طبيعية من قبل المسن قد يؤدي إلى ردة فعل عنيفة عند من هم حوله. وقد يتعرض المسن للعنف بسبب طمع المسيء في أشياء مادية يمتلكها المسن، كما أن العزلة الاجتماعية تلعب دورا في زيادة معدل العنف ضد المسن فهي تزيد من معدلات الإساءة ضده، وتقلل من فرص اكتشاف هذه الإساءة ووقفها، ولذلك فإن المسنين الذين يتركون تحت عناية الخدم هم أكثر عرضة للعنف من غيرهم الذين يتلقون الرعاية من أقربائهم. ومن الأسباب أيضا: وجود شخصية عدوانية عند المسن نفسه، وتدهور حالة المسن الصحية؛ فالمسن المريض بالأمراض المزمنة قد يكون عاجزاً من الناحية الجسدية عن طلب المساعدة من الآخرين، أو عن الدفاع عن نفسه. وأرجع المختصين أسباب إهدار حقوق المسنين وتعرضه للعنف إلى عدم المعرفة والوعى الدينى والالتزام من قبل المعتدي، وكذلك الظروف الاجتماعية والسياسية التي أهدرت الحقوق الإنسانية وبالأخص حقوق المسنين عبر عزلهم وبشكل مباشر في دور المسنين العجزة.ويرى الباحثين أن تعرض المسن للعنف قد يصيبه بالاكتئاب ويعرضه لمشاكل نفسية وصحية واجتماعية خطيرة تهدد حياته، وتجعل التعامل معه على درجة عالية من الصعوبة والتعقيد؛ فهو يجعله يشعر بضعف الحيلة، والخزي والعار، والخوف، والقلق من التعامل مع المجتمع الخارجي. وقد لاحظ الأخصائيين من خلال رصدهم للعنف ضد المسنين أن المُسنات الأكثر تعرضا للعنف من المسنين الرجال، لأنهن يعشن أطول، ويتسمن بالوهن العضوي، ما يجعلهن أضعف، ويترملن، ويعشن بمفردهن بنسبة أكبر من الرجال. فالظروف التي يعشن فيها تجعلهن هدفا سهلا، وموضوعا مغريا للجريمة، ما يخلق فيهن شعورا بالخوف المبالغ فيه من إمكانية استهدافهن بالجرائم، وهو شعور يرسخه نقص الثقة فيما يتوافر لهن من حماية وأمن، خاصة أنهن مضطرات إلي الاعتماد علي غيرهن في تصريف بعض شؤون حياتهن. وجريمة السرقة تأتي على قمة الجرائم التي ترتكب بحق المسنين وقد يصطحبهما أحيانا عنف كالضرب، وحين يكون الجاني معروفا لدي المجني عليها، فإنه قد يتورط في القتل خوفا من افتضاح أمره. وخاصة الطمع عند النزاع علي الميراث، أفرز جرائم أخري أبرزها النصب والتزوير والطرد من السكن، وأن الجناة غالبا ما يكونوا من الأقارب، أو الخدم، أو الجيران أو الحرفيين، أو ممن يقدمون لهم الخدمات، وهذا يؤكد اتساع الهوة بين ما تحض عليه التعاليم الدينية والقيم، وبين واقع حياة المسنين خصوصا الإناث.ثمة حقيقة تقول: إن الأبناء يشكلون المتهم رقم واحد ويأتي الزوج أو الزوجة بنسبة الثلث أي 71% النساء المسنات يتعرضن للعنف بنسبة 36% من قبل الشباب، بينما الرجال المسنون يتعرضون للعنف بنسبة أقل أحياناً، ربما لأنهم أقل احتكاكاً بالمجتمع وأقل خروجاً إلى الشارع. فمن خلال تحقيق صدر حديثاً أثبت أن عدد الوفيات داخل مراكز رعاية المسنين نتيجة الإهمال، وعدم الاعتناء الصحيح بالمقيمين في المراكز المتخصصة قد بلغ حداً خطيراً، ناهيك عن الحوادث اليومية مثل السقوط الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى الموت السريع. طبعاً هناك عناصر تجعل المسنين أكثر تعرضاً للعنف، مثل حالتهم الصحية أو المعنوية، وشكلهم الخارجي الذي يوحي بالضعف وعدم القدرة على الدفاع عن النفس، ناهيك عن أنهم موجودون في مجتمع لا يتحدث عن العنف بشكل صريح. مجتمع يعيش فيه العديد من الأميين وغير الواعين بمخاطر العنف ضد كبار السن.أسباب إهدار حقوق المسنين: البعض يوجه أصابع الاتهام إلى النظم الاجتماعية والسياسية التي أهدرت الحقوق الإنسانية وبالخصوص أهدرت حقوق المسنين عبر عزلهم وبشكل مباشر في دور للعجزة. وثمة من يعتبر أن خروج الزوجة إلى العمل خارج البيت جعل الأطفال يعيشون وضعاً مختلفاً في غياب الأم وبالتالي خلقت لديهم حالة من الرغبة في الانتقام من الأطراف التي يعتبرونها مسئولة عن عزلتهم أي المجتمع المدني بكل مؤسساته وميكانزماته وفئاته خصوصاً البشرية منها. وهنالك من يعتقد أن عدم القدرة على التفاهم بين الكبار والصغار خلق حالة من الانسداد بين جيلين مختلفين ولهذا تحول العنف إلى أسلوب للتفاهم! القضية أن مشاكل هذه الفئة مغيبة عن الإعلام وصوتهم لا يظهر ربما التلفزيون يسلط أحيانا الضوء على مشكلاتهم ويصفها بالفراغ أو التعلق بالماضي. وهناك مسلسلات تصور عقوق الوالدين مثلا لكن كل ذلك لا يكفي، فلابد أن تؤمن الأسرة البسيطة بأنها حتى ولو تحولت من نمط الأسرة الممتدة فإن من واجبات أفراد الأسرة احترام كبارها في أي موقع.في الحياة العامة لطالما لفت انتباهي سلوك الشباب في التعامل مع المسنين ولطالما أزعجني أن أرى في باص السفر مثلا شاباً يجلس ويترك شيخاً مسناً يقف على رجليه أو يتجاهل طلبه بالمساعدة. المسن فى مرحلة عمرية حساسة وعلينا أن نحتوى مشكلاته وآلامه هذه القيمة الإنسانية تبدأ من المنزل قبل المدرسة، ولا تلقن أبدا. كما هو الحال مع العديد من المشاكل الاجتماعية، فإن ملف الاعتداء على كبار السن يظل من المحذورات التي ما زال البعض يشعرون بالخجل عند البوح بها علانية. فالكلام بشكل صريح عن المشكلة يعني خطوة كبيرة نحو العثور على حل لها في إطار جماعي يمنح الفرصة لأكثر عدد من الأشخاص كي يبدوا رأيهم أولاً وبالتالي إشعارهم بخطورة الوضع كي يرفضوا التعامل بينهم بأسلوب العنف. وقد حان الوقت للكلام وبشكل علني وقاطع عن المعاملة السيئة التي يلاقيها كبار السن في المجتمع من قبل أشخاص يستعملون العنف كطريقة للتعبير عن أنفسهم وآرائهم.لابد أن نعترف أن ضعف القوانين هو الذي ساعد على تفشي ظاهرة العنف ضد كبار السن، وكذلك الإهمال في تطبيق القانون نفسه، عبر عدم المتابعة القضائية للمشتبه أنه ارتكب العنف لعدم دقة الأدلة وعدم كفايتها. كيف نحارب العنف؟ العنف أو الإهمال المرتكبين ضد كبار السن سواء داخل البيت أو في مؤسسات رعاية الشيخوخة مشكلة موجودة، ولهذا يجب الكشف عنها كي يتم تصفيتها والقضاء عليها في مجتمعنا.
سارة طالب السهيل