Off Canvas sidebar is empty

مجانية الألقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

شو في نيوز - تتمتع شعوبنا العربية بفطرة شاعرية لطيفة، فتحب التودد والمجاملة اللطيفة والتقارب مع ناسها واهلها وعشيرتها وجيرانها، ويعبرون عن ذلك بألفاظ تجمع ولا تفرق، تحنن القلوب على بعضها دونما مصلحة مادية، وانما من أجل التعايش بسلام ورحمة ومودة.

 

ومع خضوع منطقتنا العربية لحكم المماليك والاتراك فانها قد تشربت مجموعة من الالقاب التشريفية والنعوت التي تفخم الحكام والرؤساء والوزراء والاعيان، مثل بك وباشا ومعالي وغيرها، كما يحصدها من يستحقها من العلماء المجتهدين والاطباء وحتى المشايخ.

 

رمزت هذه الالقاب الي تمييز الصفوة الحاكمة من قيادات الجيش والعلماء و الادباء وكبار المهندسين والاطباء والفنانين وغيرهم وتقديرهم وتبجيلهم لما يقدموه من خدمات لشعوبهم.

 

ومع تحول منطقتنا العربية الى التحديث فان هذه التراكيب التفخيمية والتشريفية لم تمت او تختفي من حياتنا، بل ظلت حية متداولة فيما بيننا، لكنها مع الوقت أفرغت من مضمونها كقيمة عملية او اخلاقية تضبطها المعايير اللازمة لمنحها من يستحق، وصارت مبتذلة لانها ضلت طريق الصدق الى غش الناس وتضليلهم بدعاية اعلامية ممجوجة.

 

والطامة الكبرى ان عامة الناس باتت تسخدم اسلوب التفخيم والمجاملة مع بعضها دونما حساب موضوعي لدلالات الكلمة، فنجد كلمة دكتورة يطلقها العامة على بائعة في محل للعطور من باب اللطافة وهي لم تتحصل على الدكتوراه مثل كلمة اميرة قد تطلق على راقصة تجيد فن الاثارة، ولقب أديب على كاتب بالفيس بوك شخبط كلمتين، ولقب علامة او محدث صار من السهل ان تطلق على مجرد دارس للفقه، وهو يستكمل جهوده العلمية في الترقي العلمي الديني.

 

ان الامر مثير للدهشة والاستنكار بقوة، فكيف أساواي المجتهد والموهوب الذي أفنى عمره بالعلم وخدمة الناس، بمن قرأ سطرين في كتاب وأطلق عليه لقب علامة؟! هذا بخس للناس حقها في التقدير والاحترام، واختلاط للحابل بالنابل وهدم فكرة الاجتهاد من أساسه.

 

فقد نشأنا وتربينا على ان حائز اللقب التكريمي قد حصده بكده واجتهاده في مجال تخصصه الفني العلمي الادبي السياسي وهكذا، كأمير الشعراء احمد شوقي، كوكب الشرق ام كلثوم، عميد الادب العربي طه حسين، موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، فمثل هذه القامات صدقها الجمهور، لأنها تعكس قيمة ما قدموه اصحابها من اعمال عبر تاريخ طويل من العطاء.

 

اما نحن اليوم فلا نجد من معاني القيمة في هذه الالقاب الا الزيف واللعب بعقول الناس وتعليمهم الكذب والنفاق لتحقيق مصالح يومية رخيصة، فالألقاب صارت مجانية على قارعة الطريق تقدم بدون شهادة معتمدة لشخص عادي يا باشا، او لمحبي الشهرة يقول لهم المنافق يا كاتب يا اديب طيب وين كتاباته؟ او لمطرب يا ملك كيف يعني ملك هي الالقاب ليس لها بواب.

 

وفي ساحة الفن والرياضة والمذيعيين حدث ولا حرج، فالالقاب في قرطاس جاهز ومعظم نجوم الفن اختاروا لانفسهم القاباً وروجوها اعلاميا للبيع واشباعاً لحاجتهم الداخلية للاطراء وتعظيم الذات، وايضا لترويج أنفسهم لدى المنتجين والجمهور معا وتحقيق شعبيتهم واستمرارها.

 

فوجدنا القاباً يحزن لها عبدالحليم ويلطم ناظم الغزالي وتشنق نفسها فيروز، ومثل هذه الالقاب الوهمية لن تعش ولا تدوم لأنها ليست نابعة من الجمهور نفسه بوصفه ناقداً وحكماً على ما يصدره الفنان من اعمال.

 

وفي الساحة الفكرية والادبية نجد شيوع ألقاب المفكر والفيلسوف على بعض الكتاب في حين انتاجهم الفكري والابداعي لا يجافي تماما حقيقة ما اطلق عليهم من ألقاب، وغالبا ما يتم اطلاق هذه الالقاب على اشخاص تتم صناعتهم من جانب مؤسسات النشر بهدف تسويق كتبهم وتحقيقا لكسب مادي دون النظر لقيمة ما قدمه الكاتب من فكر او عمل يتسحق عنه التقدير والتفخيم مثل قصة مبيعات الكتب التي تضحكني كثيرا.

 

ناهيك عن احد البلدان العربية لا يعرفون معنى الكلمات لغويا فيطلقون كلمة راقية على انسانة تعمل اعمالاً معيبة اخلاقياً واعتقد انهم يقصدون جمال الشكل فتخونهم لغتهم لاستخدام كلمة راقية التي يجب ان تطلق على صاحبة أصل وفصل واخلاق ويطلقونها على بنات التيك توك.

 

ناهيك عن جارة غارت من جارتها الطبيبة فأستأجرت ناس يكتبوا عنها طبيبة ودكتورة وسيدة غارت من قريبتها ودفعت أموالاً من اجل ان يطلق عليها لقب كاتبة، ورجل اعجب بفنان قدير فنزل بوست على وسائل التواصل انه هو ايضا فنان و هو اصلا صوته ما يوصل لأنفه، الى متى هذا التزييف والمجتمع صامت ويقبل اي شيء؟ في حين ان الساحة العربية مليئة بالمبدعين الحقيقيين والعلماء والفلاسفة والطب والكيمياء وكافة المجالات ولكنهم محجوبون عن الضوء الاعلامي الذي يبرز موهبتهم، ولم يجدوا ايضا دعما مؤسسياً يطلق العنان لنجاحاتهم وابتكاراتهم.

 

أظن انه آن الاوان لكي نفيق من دوامات الكذب والتدليس والالقاب المكذوبة، ونضع الكلمات في نصابها، ونقيس الامور بميزان العدل، وليس بميزان المزاجات والاهواء المصالح الشخصية الضيقة، فالمجاملات الفضفاضة بين عامة الناس وحتى خاصتهم قلبت موازين الحق لصالح أي باطل، تسبيح شرف الكلمة وقدسيتها احيانا اشباعا لتعظيم وهي للذات، فهل نستفيق لنعيد بناء اخلاقنا وقيمنا؟ لا أفقد الامل أبداً في التغيير.