Off Canvas sidebar is empty

قاتل السفير هو سفير القتل للناقد العراقي فاروق يوسف



أما كان علينا أن نصمت هلعا ونحن نرى المشهد الدموي الذي سيلقي بظلال كئيبة على علاقتنا بأجمل عبارة، يبدأ المسلمون بها نهاراتهم؟

"ألله أكبر" قالها قاتل السفير الروسي وهو في صدد تسويقها مرة أخرى علامة تجارية، تذكر العالم بالقسوة التي لُفقت من أجل أن لا تكون السماء إلا جحيما ومن أجل أن لا تكون بلاغة "إلا بذكر الله تطمئن القلوب" سارية المفعول ومهيمنة على الشك واليقين معا.

كان القاتل قد استعمل العبارة كذبا وتدليسا ونفاقا، بل وغدرا.

فلو كان الله هو الأكبر من وجهة نظره لما أقدم على القتل. فالموت كما الحياة هو شأن الهي لا يمت بصلة إلى وظائف الإنسان.

أعمى البصيرة الذي قتل كان قد أعفى نفسه عن رؤية ما يمكن أن يسببه فعل القتل من أضرار لمن يبدأون صلواتهم بتلك العبارة المقدسة.

لقد سبق لتلك العبارة أن أهينت في أوقات سابقة حين استعملتها الجماعات الإرهابية. فكان الإرهاب يصل إلى العالم بفاتحته التي لطالما تاق المسلم إلى سماعها وهو يتطلع إلى لقاء شخصي بالله من خلال الدعاء، وهو مخ العبادة وسلم موسيقاها اللغوي.

لقد فجعتُ كما فُجع سواي من البشر الأسوياء برؤية إنسان وقد سقط قتيلا أمام عيني من غير أن أملك شيئا لمنع الجريمة. في تلك اللحظة تخلى القتيل عن وظيفته. لم تكن روسيا حاضرة. كانت الإنسانية وحدها حاضرة باعتبارها كيانا معتدى عليه.

كانت الجريمة قد ارتكبت في حق إنسان أعزل. وهي جريمة، يُمكن أن تحدث لأسباب سياسية. التاريخ المعاصر يقول إن هناك عددا من السفراء كان قد تم اغتياله. مصرع أحدهم كان قد أدى إلى قيام الحرب العالمية الأولى. ولكن لم يذكر لنا التاريخ حادثة واحدة، قُتل فيها سفير لأسباب دينية.

الدين في جوهره لا يقر القتل.

وإذا تركنا الدين جانبا فإن الله وهو رمز للعدالة المطلقة لا يمكن أن تكون له علاقة بخلافاتنا التي نسعى إلى تسويتها بأساليبنا المتاحة التي بصل بها المجرمون إلى القتل.

لذلك فإن "الله أكبر" العبارة التي صار يرددها القتلة من العرب ومن غير العرب إنما تمثل تحديا حقيقيا لإيمان المجتمعات التي تدعي التدين بالله.

لقد وهنت علاقة المسلمين، العرب منهم بالأخص بالإيمان حين سمحوا بأن تكون عبارة "الله أكبر" مفتتحا للقتل.

يفجر أحد المعتوهين نفسه في حشد من الأبرياء وهو يصرخ "الله أكبر" فيرى فيه البعض شهيدا. ما لم يقله متطرفو الديانات الأخرى في مجال التشهير بنا وبديننا قلناه بأنفسنا.

لقد صمتنا ونحن نرى الجرائم تُرتكب في ظل العبارة التي نرددها مرات عديدة، فهي القاعدة التي تبنى عليها استثناءات أدعيتنا التي تذهب بنا في طرق متشعبة تتسع لها العبادة كما ترحب بها الحياة.

لم يكن مشهد السفير الروسي المردى قتيلا على الأرض جزء من حكاية دينية. لذلك لم تكن عبارة "الله أكبر" ممكنة. الإرهابي الذي هو صناعة اردوغانية أو اخوانية بالتأكيد بسبب عمره لم يكن يعرف ما معنى أن يكون ألله أكبر.

لقد خطط لجريمته ليكون شهيدا. ما كان للمشهد أن يكتمل إلا بموته. لذلك كانت العبارة المقدسة ضرورية بالنسبة له شخصيا وهو المصاب بالتأكيد بخلل عقلي، لم يسمح له بالتفريق بين رغبته في الاحتجاج ومشيئة الخالق.

في كل ما فعله الارهابيون هناك عدوان صريح على الله.

لقد أحلوا القتل الذي حرمه الله. بل أنهم رفعوا اسمه وهم يقتلون.

نكذب على أنفسنا لو صدقنا إن السفير الروسي في تركيا قد قُتل بسبب ما جرى في حلب. لقد قُتل الرجل لأننا سمحنا لعتاة القتلة والأفاقين وقطاع الطرق واللصوص والمستأجرين من قبل شركات الموت أن يهينوا لفظ الجلالة.

 
فاروق يوسف