Off Canvas sidebar is empty

كتمان الأحزان يجعل من الألم قنبلة موقوتة.. والبوح طوق نجاة

عمان  – في الوقت الذي نعبر به عن فرحنا بابتسامة تزين وجوهنا وتنير تفاصيلنا؛ نقف أمام أحزاننا حائرين بين الإفصاح عنها أو إبقائها مخفية.
كثيرون من يلجأون إلى كتمان الأحزان وإخفائها خشية الإفصاح عما يدور في دواخلهم، فليس من السهل القدرة على البوح والتنفيس عما يجول في النفس.
بالرغم من أن الأذى كله يبدأ من الكتمان، فإن دفن الأحزان يجعل الشخص وكأنه قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة وتؤذيه.
غيداء (30 عاما) اختارت ألا تعبر عن حزنها إيمانًا بقدرتها على تجاوز هذا الحزن وحدها، وخوفا من أن يؤثر حزنها على من تحب وتثقل عليهم.
هي تهتم بمشاعر من حولها رغبة في حماية الأشخاص المقربين منها، ولذلك يكون قرار الابتعاد هو خيارها في حزنها وتفضل البقاء وحدها تجوب الشوارع وتستمع لموسيقا تحبها علها تخفف من هذا الحزن.
وجدت غيداء لنفسها طريقها الخاص عبر أخذ دروس في اليوغا لتدخل السكينة والهدوء الى قلبها وينهي حزنها، وتقول “وجدت طريقا للسكون بها، هنا منطقة راحتي وفيها أتعافى من أحزاني ومن مصاعب الحياة”.
بينما تسنيم (29 عاما) تجد الراحة في الانعزال وتناول الطعام، وتقول كلما شعرت بالحزن لا إراديا اتجهت لتناول الطعام بشكل كبير.
ووجدت دراسة نشرت العام 2013، أن الشعور بالإحباط والحزن، يجعل الشخص يتذوق النكهات المرة والحلوة والحامضة بشكل متزايد.
لذلك يلجأ الشخص الذي يعاني من المشاعر السلبية كالحزن والتوتر والاكتئاب، إلى تناول الحلويات والأطعمة السريعة الأخرى، وبالتالي يستهلك الأفراد الذين يشعرون بالحزن قدراً أكبر من الطعام المليء بالسعرات والسكريات وغيرها من المواد الغذائية غير المفيدة للجسم، ما يعرضهم لخطر زيادة الوزن على المدى القصير وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب على المدى الطويل.
وتعتقد تسنيم أن تحدثها عن حزنها لن يقدم لها شيئا، فلن يشعر بها أحد وهي لا تفضل أن تظهر ضعفها أمام الآخرين.
وإذا استمر حزنها قد تلجأ لأختها الكبرى الأقرب لها لتخفف عنها وتستمع لحزنها وتواسيها ومن بعدها تنعزل لتبكي وحدها.
إخفاء الأحزان عند الرجال قد يكون مضاعفا، فالبعض يجد صعوبة في التعبير عن الأحزان التي يمر بها ولا يعيش حزنه بل ولا يعطيه حقه.
سعيد (33 عاما) يجد الصعوبة في التعبير عن حزنه، ويمنعه كبرياؤه من عيش ما يشعر به فيكون القرار أن يخفيه ويضعه بجانب باقي الأحزان الأخرى التي تعود إخفاءها.
ويترجم سعيد حزنه الى عصبية حاد؛ إذ يصبح مزاجيا وكثير الصراخ على أمور عادية ويظهر ضعفه بردات فعل قوية ومؤذية لمن حوله فقط لإخفاء هذا الحزن بالرغم من معرفته أنه بذلك يظهر عكس ما بداخله ولكنه لم يتعلم أن يعبر عما يؤلمه.
تبين الاختصاصية النفسية عصمت حوسو، أن الحزن مشاعر إنسانية طبيعية؛ إذ كانت في الحد المقبول بما يتناسب مع الحدث، لكن عندما تصبح جزءا ونمط حياة تجعل الإنسان يبدو أكبر عمرا ولا يعرف كيف يسعد نفسه وتتحول حتى الأمور المفرحة لحزن وبالنهاية يصبح ذلك أسلوب حياة. وتوضح أنه من الأهمية إعطاء مشاعر الحزن حقها مثل مشاعر الفرح.
وتبين حوسو أن الإنسان عندما يشعر بحزن عليه أن يمتلك أدوات تفريع، فالبعض يختار البوح والتحدث مع شخص آمن وغير سلبي وهذا هو المهم.
وتتابع أنه يفضل الحديث مع مختص بحيث يستطيع أن يحول هذه المشاعر أو يغير من طريقه التفكير بحيث تتلاشى مشاعر الحزن ولا تصبح أصيلة من الإنسان.
“خليها بالقلب تجرح ولا تطلع برا وتفضح”، هنالك أشخاص يخفون حزنهم من هذا المبدأ، بحسب حوسو، موضحة أن إخفاء الحزن بشكل مؤقت لسبب ما، أمر طبيعي وحق ولكن عندما يتملك الحزن الشخص فذلك يعني دخوله في حالة من الاكتئاب الكامن أو الاكتئاب المبتسم، ومن أهم ملامحه الحزن ولكنه كامن وهو غير مدرك لذلك.
وتشير الى أنه من الخطر أن يزيد الحزن على حده أو أن يستمر لمدة طويلة بحيث يؤثر على نوعية الحياة والأداء، ولتجب ذلك يجب أن يكون لدى الشخص أدوات تفريغ منها البوح والرياضة أو سماع الموسيقا والمشي وكل شخص له طريقته الخاصة في التخلص من هذه المشاعر.
ومن جهة أخرى، في حال تراكم الأحزان يتحول الأمر الى كبت وتزداد الضغوط وقد تأتي لحظة انفجارية يصاب بها الشخص بانهيار عصبي وقد يفتعل مشكلة كبيرة يخسر فيها أشخاصا وأناسا يحبهم، وفق حوسو.
وتوضح أن هذه القنبلة الموقوتة تجعل الشخص ينفجر لأنه يعيش على مبدأ التحمل وليس التقبل والفرق بينهما كبير، ولذلك يجب العمل على تدريب الأشخاص على كيفية تقبل الأمور التي لا يستطعون أن يغيروها وكيف يكونون قادرين على التعايش في وجودها.
وتشدد على ضرورة أن يعبر الشخص سواء بالبكاء أو الجلوس وحده لفترة ولكن الأهم هو التعبير عنها.
وتشير حوسو إلى تعدد الأسباب التي تقود الأشخاص لكبت أحزانهم لصعوبة البوح أحيانا لكن ذلك قد يؤدي الى الاكتئاب.
ولذلك، فإن الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأحزان هي أن ندركها وأن يكون لدينا بصيرة وإدراك أن الحزن بمستوى الحدث المحزن وينبغي ألا يستمر طويلا وحسب نوع الحدث والموقف.
وتختم حوسو حديثها بأن التعبير عن الحزن هو حق مشروع للجميع ولكن بمقداره الطبيعي وبما يتلاءم مع الموقف المحزن دون إيذاء. رشا كناكرية -  الغد