عمان - فيما تتصاعد التوترات بين الاحتلال الصهيوني وحزب الله، ما ينذر باحتمال نشوب صراع واسع النطاق في المنطقة، سيما بعد إقرار تل أبيب ما تسميه "الخطط العملياتية" لشن هجوم على لبنان، يتوعد حزب الله، بدوره، برد "بلا قواعد".
وتلوح نذر الحرب على لبنان كأنها مقدمات لحرب إقليمية واسعة ذات عواقب مدمرة، بحسب تصريحات لمسؤولين أميركيين، فيما أعلن الجيش الصهيوني من جهته أن قواته استكملت جاهزيتها، وأن الخطط العملياتية جرى التصديق عليها، بانتظار أمر الهجوم الواسع على جنوب لبنان.
وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور أيمن البراسنة، إن إعلان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن المعارك العنيفة ضد مقاتلي حركة حماس بمدينة رفح على وشك الانتهاء، فإن هذا يفتح باب التكهنات بشأن المرحلة المقبلة من الحرب التي قد تلقي بظلالها على الجبهة الشمالية تحديدا.
وتابع البراسنة: "بعد انتهاء هذه المرحلة العنيفة التي أشار إليها نتنياهو، رأينا انتشارا لقوات الاحتلال نحو الشمال، ويأتي ذلك، حسب زعمهم، لأغراض دفاعية بشكل رئيسي، ولإعادة المستوطنين إلى مناطقهم، ويتزامن ذلك مع تعليقات وزير الدفاع يوآف غالانت خلال زيارته لواشنطن عندما قال بأن الخطاب السياسي الصهيوني بدأ يتحول إلى الحدود الشمالية مع لبنان، وهي جبهة مشتعلة بسبب المواجهات مع حزب الله منذ طوفان الأقصى".
وأضاف: "في المقابل، أكد زعيم حزب الحزب حسن نصر الله، أن الحزب لديه أسلحة جديدة وقدرات استخباراتية يمكن أن تساعده على استهداف مواقع مهمة جدا في عمق الكيان إذا استمر بالتصعيد، وهنا نستذكر خطاب نصر الله عندما قال حرفيا إنه لا يوجد مكان في الكيان آمن من صواريخنا".
وتابع: "هذه التصريحات لنصر الله جاءت بعد تفاقم الصراع عبر الحدود اللبنانية منذ أشهر، حيث وصلت الآن إلى نقطة غليان جديدة، والواضح أن الولايات المتحدة تبذل جهودا للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع، خاصة بعد الغارة الصهيونية في جنوب لبنان التي أسفرت عن مقتل قيادي في حزب الله الذي رد بدوره بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على الكيان على مدى أيام".
وزاد: "بالتالي، جاءت بعد ذلك موافقة الجيش الصهيوني على خطة هجوم محتملة على لبنان، إضافة لفيديو حزب الله من خلال طائرة مسيرة فوق مدينة حيفا الذي عرض مواقع عسكرية حيوية، ومن ثم تحاول الولايات المتحدة عن طريق مبعوثها هوكشتاين منع الاحتلال من تصعيد الصراع مع حزب الله، لأنها لا تريد اندلاع صراع إقليمي، خصوصا في ظل محاولات جادة من الرئيس الأميركي جو بايدن لإعادة انتخابه هذا العام."
وأضاف: "لذلك، إذا لم تتمكن دبلوماسية هوكشتاين من وقف إطلاق صواريخ حزب الله، فأعتقد أن نتنياهو ربما يكون مضطرا للقيام بعملية عسكرية كبيرة في عمق الأراضي اللبنانية، ما يفتح المجال على سيناريوهات كثيرة في هذا الصدد".
وقال البراسنة: "طبعا، إذا اتسعت دائرة الصراع، ربما تخشى واشنطن من دخول إيران للدفاع عن حزب الله، وهذا يستدعي تدخل واشنطن لحماية الكيان، وستجد نفسها في مواجهة مسلحة كبيرة على الواجهة الشمالية، ولذلك فإن الساحة مهيأة لحرب بين الاحتلال وحزب الله، مع التذكير أن حزب الله أقوى بكثير من حركة حماس، وفق تقديرات لمراكز دراسات إستراتيجية دولية تعتقد أن الحزب يمثل الجهة غير الحكومية الأكثر تسليحا في العالم".
وقال: "إذا نظرنا إلى تقارير فورين بوليسي على سبيل المثال، فإن حزب الله قام ببناء ترسانة متطورة من الأسلحة بمساعدة إيران وروسيا، إضافة إلى تقديرات بأنه يمتلك أكثر من 130 ألف صاروخ وقذيفة قادرة على إرباك منظومة الدفاع الجوي الصهيونية، وبالتالي أعتقد أن هدف الاحتلال واضح من الحرب، وهو تدمير كل مظاهر وجود حزب الله في لبنان.".
واستدرك بالقول: "لكن هذا تترتب عليه مغامرة كبيرة ومخاطر من تدخل إيران وأطراف أخرى، وأعتقد أن الحل الدبلوماسي في غزة بات غير مؤكد، لأن نتنياهو مصر على إبعاد حماس عن السلطة وتدمير قدراتها، على الرغم من أنه أصبح هدفا بعيد المنال وفق التطورات الميدانية، وبالتالي نعتقد أن السيناريوهات المقبلة تشي بأن الكيان ربما يقوم بعمليات أقل من السابق في غزة، ومن المتوقع أن يركز على إنقاذ الرهائن، وإعادة مداهمة الأحياء التي سيطر عليها سابقا، على غرار مستشفى الشفاء ومخيم جباليا".
وبحسب البراسنة، فإن وجود فراغ سلطة في قطاع غزة أصبح واضحا، إذ عندما ينسحب الاحتلال من مناطق كثيرة في القطاع، لن يسمح للسلطة الفلسطينية بأن تعبئ الفراغ، لأن نتنياهو لا يزال يصر على استبعاد أي دور للسلطة في حكم غزة، ويريد الاحتفاظ بهيمنة عسكرية على القطاع المدمر، وبالتالي هذا سيطيل أمد فراغ السلطة، ما سيعقد من مسألة إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات وتخفيف معاناة المدنيين، ويتوقع، أيضا، أن يواصل الاحتلال السيطرة على المنطقة الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه، لإعاقة حركة الحركة بين المنطقتين.
وأضاف: "فيما يتعلق بالجبهة الشمالية، وبالتحديد القتال مع حزب الله، أعتقد أنه مع نقل المزيد من القوات إلى المناطق الحدودية مع لبنان، فإن الجيش الصهيوني بات في وضع يمكنه من شن هجوم لإجبار حزب لله على الابتعاد عن الحدود، وهذا ربما يؤجج التوترات بين الجانب الأميركي والصهيوني، لأن الولايات المتحدة تريد خطة واضحة للحكم في غزة بعد الحرب، ونتنياهو لا يريد هذه الخطة، إذ إن إدارة بايدن تضغط على نتنياهو لتمكين السلطة الفلسطينية من تولي زمام الأمور في غزة، لكن نتنياهو يستمر في إبقاء مستقبلها غامضا وسط تشدد من ائتلافه اليميني الذي يدعو إلى إعادة احتلال القطاع وعودة الاستيطان".
ويرى أن غزو لبنان لن يحل المشكلة، ولن يضيف شيئا للاحتلال، لأن الكيان يحتاج إلى وقت كبير جدا للاستعداد لحملة حاسمة ضد حزب الله، وبالتالي أعتقد أن كلا الطرفين لن يتمكن من الفوز في أي مواجهة، وبالتالي ستكون الحرب طويلة ومعقدة للغاية، وستكون التحديات التي تواجهها حكومة الاحتلال في لبنان أكبر بكثير مما واجهته في غزة، لأن حزب الله، كما أسلفت، يملك أسلحة متقدمة."
وأضاف: "بالتالي لا أعتقد أن الاحتلال وحزب الله قادران على حسم الصراع عسكريا، لكن كلما زادت حدة الصراع وتعمقت التدخلات الصهيونية في الشمال، وكلما زاد حزب الله من هجماته فأعتقد أن هناك مجالا للخطأ، وهذا الخطأ ربما يؤدي إلى سلسلة متتالية من تأزيم الموقف وتأجيج الصراع، خصوصا في ظل حكومة صهيونية مضغوط عليها بشدة من الائتلاف الحاكم لاتخاذ إجراءات في الشمال، وبالتالي فالمعول عليه الآن هو الجهود الأميركية لرأب الصدع واحتواء الموقف".
بدوره، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، إنه "لا يجوز استبعاد سيناريو الحرب في العلاقة بين حزب الله والاحتلال، لكن من المتوقع أن يستمر مسار العلاقة الحالية ضمن نطاق الاشتباك والتقاصف ضمن أضيق نطاق، مع إدراك الطرفين صعوبة توسع الصراع، لأن كل طرف له أسبابه الخاصة بعدم توسع الصراع".
وتابع شنيكات: "بالنسبة للاحتلال، فإن ما يهمه هو إلحاق الهزيمة بحماس وتحرير الأسرى وإعاده احتلال القطاع عسكريا، وإخضاعه له مباشرة، وهذا الهدف يشترك فيه كل الائتلاف الحاكم، ولإيصال رساله لحزب الله بأنه إذا تمت هزيمة حماس، فإن الكيان سيفاوض من منطلق القوة لفرض شروطه وإجبار حزب الله على الابتعاد إلى شمال الليطاني، فضلا عن هدف استمرار ودعم قطار التطبيع ودمج الاحتلال بالمنطقة".
وأتم: "كذلك فإن اشتعال الحرب بين حزب الله والاحتلال يعني إلحاق أضرار كبيرة بالكيان من أقصى شماله في كريات شمونة إلى أقصى جنوبه في إيلات، فضلا عن وجود احتمال كبير لتدفق المقاتلين إلى لبنان لدعم حزب الله، وربما فتح الجبهة السورية".
وأضاف: "أما عن أسباب حزب الله بعدم توسيع الصراع، فتعود إلى تجنب تكرار تجربة 2006 التي أدت إلى دمار كبير في لبنان، خاصة وأن البلد يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، فضلا عن وجود انقسام في الجبهة الداخلية اللبنانية حول ما يقوم به حزب الله".
واستكمل: "القضية الأخرى تتمثل بأن حزب الله يهدف من هذه المناوشات إلى مشاغلة القوات الصهيونية لتخفيف الضغط عن المقاومة في غزة، ودفع الكيان للقبول بوقف إطلاق النار، أما السيناريو الآخر فهو سيناريو الحرب الشاملة بين حزب الله والاحتلال، وهو كما قلنا الأقل احتمالا، لكن حدوثه مرتبط بإساءة تقدير للموقف، كأن يقوم حزب الله باستهداف مناطق كبيرة في شمال الكيان بما في ذلك حيفا ومناطق متعددة".
وتابع: "ويمكن للاحتلال الصهيوني أن يسيء التقدير أيضا بقصف مناطق حيوية في بيروت تحديدا، وكلا الطرفين تحدثا صراحة حول هذا الموضوع، فمثلا حزب الله اعتبر الهجوم على بيروت خطا أحمر، وكذلك الأمر بالنسبة للكيان الذي اعتبر أن الهجوم على حيفا وما بعدها يستلزم الرد الواسع".
من جهته، يرى عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة الدكتور محمد فهمي الغزو، أنه "بين النذر والروادع، كل سيناريو محتمل ووارد في حرب واسعة النطاق بين حزب الله والاحتلال"، موضحا أنه "خارج الأوضاع الصهيونية وحساباتها المتناقضة، فلن تكون هناك حرب بين الجانبين، خاصة أن الوضع السياسي الصهيوني منقسم وهش، فالجيش منهك ومأزوم، والنخبة العسكرية والأمنية تحذر من انهيار إستراتيجي إذا لم تتوقف الحرب على غزة".
وتابع الغزو: "مع ذلك كله، تنحو حكومة نتنياهو التي توصف بأنها الأكثر يمينية في تاريخ الكيان، إلى توسيع نطاق الحرب حتى لا يقال إنها سلمت بهزيمتها في غزة أو في مواجهة حزب الله".
وزاد: "الذريعة الرئيسة لدى قادة الاحتلال للحرب على لبنان، هي إعادة الأمن إلى شمال الكيان وعودة مئات آلاف النازحين إلى مستوطناتهم، لكنهم لا يطرحون على أنفسهم سؤالا مهما إذا كانت الحرب ستكون حلا أم أنها ستفاقم المشكلة، وبالتالي بالنسبة لبنيامين نتنياهو فإن خيار الحرب مع حزب الله يساعده على البقاء في السلطة ودفع الإدارة الأميركية للاصطفاف معه، أيا كانت العواقب".
زايد الدخيل - الغد