بغداد - يعيش اطفال العراق في تعاسة انسانية متواصلة منذ عقود وحتى اليوم نتيجة الحروب التي شهدها العراق والحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض على العراق وأدى إلى حرمان الاطفال الرضع من الرعاية الصحية والغذائية وانتشار الامراض بينهم وحرمانهم من التمتع بطفولتهم البريئة والصحية وأصبح ربع أطفال العراق يعانون من سوء التغذية فضلا عن الالاف الذين ماتوا نتيجة الامراض وسوء التغذية.
دفع الطفل العراقي ثمن الحروب والنزاعات المسلحة من صحته ومن حقه في التمتع بحياة كريمة و الحق في التعليم والتنزه بأمان، حيث ادى التدهور الامني إلى خوف الأهالي من ارسال اطفالهم للمدارس خشية التعرض للموت او العنف مما ادي الي انتشار التسرب من التعليم، بجانب الازمة الاقتصادية الطانلة التي اجبرت الكثيرمن الاطفال الي ترك التعليم والانتقال للعمل لكي يعولوا اسرهم.
وتشير الدراسات الاجتماعية الحديثة الى ان معظم الأسر التي فقدت معيلها وبسبب صعوبة المعيشة وعدم وجود معيل بديل، اتجهت نحو دفع الأبناء، بما فيهم الأطفال، لترك الدراسة والتوجه إلى العمل في الشوارع والمحلات للمساعدة في توفير مورد للرزق.
وواجه الطفل العراقي ايضا ازمة الاعتقال في السجون، حيث اعتقل بعض الأطفال الصغار مثل الكبار في سجن أبو غريب الذي صار وصمة عار في تاريخ العسكرية الأمريكية، وهوما أكدته وثائق رسمية حصل عليها اتحاد الحقوق المدنية الأمريكي، حين كشفت عن احتجاز أطفال دون سن الحادية عشرة في هذا السجن، وقد اعترفت الجنرال (جانيس كاربينسكي)،المسؤولة السابقة عن السجن، بتفاصيل عن صغار ونساء محتجزين هناك، مما اضطر البنتاغون للاعتراف بذلك.
ودفع الطفل العراقي ايضا ثمنا اجتماعيا باهظا لتكاليف الاحتلال الامريكي للعراق، ومن بعده احتلال الدواعش لبعض مناطق العراق، مما ادي الي تملك مشاعر الخوف من المستقبل لدي الناشئة الصغار وتولد مشاعر العنف بداخلهم نتيجة قسوة الواقع المعاش من جرائم ارهابية يومية ترتكب بحق المواطنين الابرياء في العراق.
ولا شك ان مظاهر العنف اليومية في الشارع العراقي قد تركت اثارا نفسية وخيمة على جميع الأطفال في العراق خاصة الأطفال الذين تعرضوا بشكل مباشر للاعتداء، فأصبحوا يعانون من قلة النوم والأرق والخوف والأحلام المزعجة والتبول اللاإرادي وضعف التركيز والتحصيل العلمي، وإلى جانب الانعزالية والانطواء بدأت تظهر صفة العدوانية، حيث أصبح الأطفال يفرغون مشاعر الغضب بالآخرين مثل الأم أو المعلم والمجتمع بعامة.
يتامى العراق
ولعل تعدد الكوارث والحروب والنزعات بالعراق قد خلفت الكثير من الاطفال اليتامي الذين يمثلون الضحية المباشرة لبحار العنف والاقتتال، وهؤلاء اليتامي تحول الكثير منهم الي قنبلة موقوتة بتحولهم الي اطفال شوارع يتغذون علي العنف والاستخدام السياسي والحربي للفصائل المتناحرة وعلي رأسهم تنظيم داعش الارهابي .
وهؤلاء اليتامي وغيرهم من اطفال العراق قد انتهكت براءتهم وحقهم في الامن والسلام بما تعرضوا له من خطف وابتزاز، واغتصاب، إلى جانب السرقة، والسلب، والقتل والتمثيل بالجثث ، بل ان بعض الميليشيات المسلحة الارهابية قد استخدمت الاطفال كرهائن بشرية في عملياتها الإرهابية ، مما اضطر الكثير من الاسر إلى الامتناع عن إرسال أطفالها إلى المدارس ورياض الأطفال.
ورصدت المنظمات الدولية والحقوقية ان حوالي 4 ملايين طفل عراقي يواجهون خطر الموت والتعرض لإصابات خطيرة والعنف الجسدي والخطف والتجنيد لدى الفصائل المسلحة.
عمالة الاطفال
تنتشر عمالة الاطفال في مناطق عديدة من العراق لسد احتياجات أسرهم في ظل الظروف المعيشية القاسية. فالعديد من الاطفال يعملون كباعة متجولين أو حمالين في الأسواق أو عمال في المعامل الحرفية المختلفة. ووفقًا لإحصاءات وزارة التخطيط العراقية فإن 11% من العمالة العراقيّة تتكوّن من الأطفال.
والازمة ان الاطفال يتحملون تبعات العمل الشاق من أجل كسب الاجر الذي يعولهم ويعول أسرهم في ضواحي العاصمة بغداد، وبموجب الاعمال الشاقة التي يقوم بها الاطفال فانهم يتعرضون لمخاطر صحية جسيمة نتيجة الأحمال الثقيلة التي ينقلونها على ظهورهم واستنشاقهم للغازات المنبعثة من الافران.
وفي جنوب العاصمة بغداد، تنتشر معامل الطابوق بشكل كبير، حيث يعمل جيش من الأطفال في ظروف إنسانية بائسة،وهم مضطرون كثيرا لهذاالعمل لان ذويهم اما ماتوا الحروب او اصيبوا بامراض أقعدتهم في المنزل بلا قدرة علي العمل.
كما يعمل الاطفال في مكبات النفايات حيث يتولون البحث عن القطع المستهلكة من أجل إعادة بيعها مثل علب المشروبات الغازية ومواد النحاس والألومنيوم، ويلجأ الاطفال الي وضع أقمشة على أنوفهم وأفواههم ليطردوا الرائحة الكريهة المنتشرة في المكان.
بينما يقبل اصحاب الاعمال على عمالة الاطفال لانهم الارخص أجرا مقارنة بنظرائهم من الكبار، متغافلين القانون العراقي الذي يمنع تشغيل الأطفال باعتبارها قوانين غير مفعلة بسبب الفوضى التي تسود البلد.
ناهيك عن الاطفال الذين يعلمون في مسح الاحذية وينتشرون في الشوارع لبيع المناديل الورقية، والاخرين الذين يتم استخدامهم في تجارة المخدرات.
وكشفت منظمة اليونسيف عن ان عمالة الاطفال قد اخذت منحني تصاعدي بعد اجتياح تنظيم "داعش" لثلث مساحة العراق في حزيران/يونيو عام 2014، وتشير إلى أن نحو 10% من أطفال العراق قد اضطروا للنزوح بصحبة عائلاتهم.
وقالت المنظمة الدوليّة إن 3.6 ملايين طفل عراقي يواجهون خطر الموت أو التعرض لإصابات خطيرة او للعنف الجسدي أو للخطف أو التجنيد في فصائل مسلحة.
بينما كشف مرصد حقوق عراقي في بيان حديث له، عن ان ضنك العيش دفع بهؤلاء الأطفال، علاوة على عدم توفير الجهات الحكومية والدولية للمأوى والطعام لهم، إلى العمل من أجل سدّ حاجات عائلاتهم الأساسية، وهؤلاء الأطفال سرعان ما واجهوا استغلالًا من قبل المُشغّلين بسبب حاجتهم الملحة للعمل.
في مقابل هذه الوضع اللاانساني للطفل العراقي، فان الحكومة العراقية عليها أن تبدي أكثر اهتماما لخطورة مأساة اطفال العراق وتضع خطة لتحسين حياتهم التي قد تتعرّض للاعتداء ، أوالتجنيد من الميليشيات أو الجماعات الإرهابيّة.
اطفال المخيمات
أما الأطفال الذين نزحوا نتيجة الحرب ضد داعش وفروا من ذويهم إلى المخيمات فقد عاشوا في ظروف بائسة حرموا فيها كل حقوق الطفولة الآمنة، وتشير الاحصائيات إلى إن نحو 1.2 مليون طفل يعيشون في أوضاع متردية بمخيمات النزوح أغلبهم من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، شمالي العراق، فيما جرى الزج بعشرة ملايين طفل في بيئات عنف، ويفتقرون إلى حقوق الطفل .
والطامة الكبرى ان أكثر من 50% من أطفال العراق قد تسربوا من التعليم، ومعظمهم في مناطق النزوح. والمليون و200 ألف طفل الموجودين بين النازحين يعيشون في بيئة مضطربة حسبما أكدت علي ذلك المراكز البحثية.
وكما حرم هؤلاء الاطفال من التعليم فهم قد حرموا ايضا من الرعاية والصحة والنفسية، ويتعرضون لكل اشكال الاخطار نتيجة استمرار الاقتتال.
دور المنظمات الدولية
من يقرأ واقع الطفولة في العراق يرصد القصور الحاد في عمل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الطفل، بل ان هذه المنظمات وبعضها قد اعترف بقصور دوره في انقاذ طفولة العراق، وان ما قدمته من عون لا يرقي ابدا لانقاذ هذه الطفولة من الجرائم التي ارتكبت بحقه.
فاغلب المنظمات الدولية المعنية في الشأن قد اكتفت بالشجب والادانة والتحذير من خطورة المستقبل الذي سيواجه اطفال العراق نتيجة ما تعرضوا له من جرائم جعلتهم عرضة للامراض والاغتصاب وترك التعليم والعوز المعيشي والابتزاز من جانب الجماعات المسلحة وتدمير قواهم النفسية للصمود في مواجهة أثار هذه الجرائم علي مشاعرهم ونفسيتهم أمانهم في المستقبل.
قنبلة اطفال الشوارع
ويظل اطفال الشارع قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه المجتمع العراقي، خاصة في ظل انتشارها وتوسعها نتيجة ازداياد الفقر والتفكك الاسري والذي يجعل الأسر تدفع بأبنائها إلي ممارسة أعمال التسول والتجارة من بعض السلع الرخيصة والثانوية مما يعرضهم لانحرافات ومخاطر الشارع مما يحولهم الي مشردين.
وادي زيادة عدد أبناء الاسرة العراقية الى عجز الاباء عن تلبية احتياجات الصغار والاهتمام بهم نتيجة انخفاض المستوى المعيشي للاسرة قد ساهم في نمو ظاهرة اطفال الشوراع، بجانب التسرب من التعليم والدخول مبكرا الى سوق العمل، وكذلك نمو وانتشار التجمعات العشوائية التي تمثل البؤر الرئيسية لاطفال الشوارع.
استغاثة
ولعل كل ذي بصيرة انسانية فردا او جماعة او مؤسسة وطنية في العراق او في العالم بات مطالبا بأداء واجبه الانساني في محاولة انقاذ الطفولة البائسة في العراق وحمايتها من آثار الحرب هناك.
ولاشك ان الحكومة العراقية وهي تحارب الارهاب الداعشي الذي استنفز قدراتها المالية والاقتصادية لن تستطيع بمفردها انقاذ الطفولة العراقية، ولكنها في المقابل يمكنها وضع استراتيجية حكومية لرعاية الاطفال، على ان تقوم المؤسسات الدولية بدعمها ماليا وفنيا.
وفي تصوري ان المؤسسات الخيرية يمكنها رصد التبرعات لاعادة تأهيل الاطفال العراقيين وعلاجهم من تأثير العنف والارهاب الذي تعرضوا له.
كما يمكن للمختصين والمثقفين تنظيم حملات لصالح اطفال العراق تخصص في اعادة تأهيل اطفال العراق علميا ونفسيا وتربويا وصحيا.
كما يمكن للدولة ان تقوم بدورها في وضع برامح ومناهج تعليمية تلبي احتياجات الطفل العراقي في تنمية عقله ومهاراته وخبراته بعيدا عن ظلامية فكر الدواعش الذي أثر على عقولهم ووجدانهم.
ولعلي أدعو أصحاب الضمائر الانسانية الحية من الأطباء والأخصائيين النفسيين العراقيين والمتطوعين من بلدان العالم لوضع برامج للعلاج النفسي للأطفال الذين اضطرتهم الحياة للعيش في الشارع وحثهم على العودة لذويهم أو للمبيت في الجمعيات الأهلية.
كما ادعو الحكومة العراقية إلى ضرورة الاسراع في توفير المدارس ورياض الاطفال ومراكز لرعاية الايتام ومحدودي الدخل لرعاية الاطفال المحرومين واطفال الشوراع، على ان تتولي الدولة اطعامهم وتعليمهم ومتابعتهم.
وفي تصوري ان الحكومة لن تسطيع القيام بهذا الدور بمفردها، اذا يجب مساهمة الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في انشاء مراكز تأهيل ورعاية الاطفال المشردين وتعليمهم لتغير سلوكهم وضبطه، وهنا يمكن انشاء صندوق رعاية الايتام والمشردين يتم تمويله من التبرعات والميسورين في المجتمع.
ولاشك ايضا ان يتامي اطفال العراق بحاجة ماسة إلى اقرار قوانين وتشريعات تكفل حماية ورعاية الطفل اليتيم والطفل يتيم الابوين واقران المعونة الاجتماعية بالاستمرار بالدراسة لضمان عدم تسربهم من المدراس.
كما يجب ان تقوم الاجهزة الامنية بدورها في التقاط الاطفال المشردين وايداعهم في دور الرعاية الاجتماعية، على ان تتولي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية خطة استراتيجية لانشاء مراكز ايواء لحماية الصغار.
وعلي المجتمع العراقي بكل فئاته العمل المخلص من أجل الحد من ظاهرة عمالة الاطفال باعتبارها احدى أدوات تشرد، وايقاع اقصى العقوبات بمن يستغلون الاطفال في العمل من الاباء بعد التحري عن اوضاعهم الاجتماعية من قبل لجان تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتقديم الدعم لمن يثبت احتياجه الفعلي للدخل المتحقق من خلال عمل الطفل ووضع العائلة تحت الرقابة.
و أخيرا و ليس آخرا كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته فكل شخص من بيته من عمله بمقدوره أن يكون عونا لأهله ووطنه و شعبه و ان يكون شخصا إيجابيا معطاء فيخدم مجتمعه ببناء مستقبل مشرق عبر الالتفات إلى الاطفال و مساعدتهم.
يجب أن لا يكون هناك طفل بلا مأوى و مأكل و مشرب و ملبس يحفظ له كرامته و يحميه من كل شيء قد يتعرض له و من ثم يكون له مقعد دراسي يكفل له العلم و المستقبل. كونوا جميعا عونا لهذا كل من مكانه وفي مجاله.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتبه
اسم
- See more at: http://www.rudaw.net/mobile/arabic/opinion/03032017#sthash.RkcucF86.dpuf